جاء ظهور زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، في فيديو جديد، يتحدث فيه عن ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، التي استهدفت برجي مركز التجارة العالمي في أمريكا، وأسفرت عن مصرع نحو 3 آلاف شخص، من مختلف الجنسيات، وحديثه عن انسحاب الجيش الأمريكي من أفغانستان، بعد 20 عاما من الحرب، ليثير التكهنات بشأن أسرار ظهوره في هذا التوقيت، وسيناريوهات علاقته بطالبان.
ويرى فريق من المراقبين، أن عدم خوض الظواهري، في تفاصيل استيلاء حركة طالبان على الحكم في أفغانستان، سواء سلبا أو إيجابا، يرتبط بانتظاره لما ستسفر عنه الأحداث وما ستقدمه طالبان للقاعدة، وهل ستتعامل معه كشريك في الحكم؟ وكيف يمكن أن يستقبل العالم وجود القاعدة في حكم أفغانستان إلى جوار طالبان.
تبرؤ الحركة
المثير في تلك المسألة أن المتحدث باسم حركة طالبان، تبرأ من العلاقة مع تنظيم القاعدة، مؤكدا أنه لا صحة لفكرة التحالف بين الجانبين، ولا لإيواء الحركة للتنظيم.
تصريحات المسئول الطالباني، لا تأتي ردا على فيديو الظواهري الجديد فقط، والحديث عن أنه أطلقه من أفغانستان فحسب، وإنما ترد أيضا على تصريح أدلى به القائم بأعمال جهاز الاستخبارات المركزية السابق، مايكل موريل، الذي قال إن "الظواهري يعيش في أفغانستان، وحركة طالبان تأويه".
وعلق أستاذ التاريخ الآسيوي، محمد عثمان عبدالجليل، على تبرؤ حركة طالبان من القاعدة، واصفا إياه بأنه مناورة سياسية تشبه استعانة بعض الدول بالمرتزقة في الشرق الأوسط، ثم ادعائها أنه لا علاقة لها بها.
وقال: "لا يمكن لطالبان التخلي عن القاعدة، ولو تعهدت الحركة بذلك، لأن القاعدة تمثل جناحا مهما من قوات طالبان، وعناصره العسكرية، ما يعني أن الانفصال بين الجانبين، يجعل الحركة تخسر جناحا عسكريا مهما، بالإضافة إلى انقلاب هذا الجناح عليها، وهو ما لن تقبله طالبان، على الأقل في الوقت الراهن".
مرحلة جديدة
ويرى هشام النجار، الباحث في شئون الجماعات المتطرفة، أن ظهور أيمن الظواهري قائد تنظيم القاعدة، خلال الساعات الأخيرة، محاولة لإثبات الوجود، والحفاظ على ما يرى أنه مكاسب تم تحقيقها.
وقال النجار، إن قائد تنظيم القاعدة يعتقد أن له دورا كبيرا في تحقيق طالبان لهدفها وهو العودة إلى الحكم في أفغانستان، لذا فإنه يريد أن يذكر بهذا الدور، وبأن الحرب التي جرت ضد الولايات المتحدة طوال أكثر من عقدين، لم تؤثر في التنظيم.
وأضاف: "الهجوم الأمريكي على أفغانستان أزال مركز عمليات القاعدة الآمن الذي عثر عليه بن لادن في أعقاب تنفيذ تفجيرات السفارات الأمريكية في نيروبي ودار السلام، عام 1998، كما أفشل الغزو الأمريكي الصفقة التي عقدها التنظيم مع طالبان، بحيث صارت الحركة الأفغانية وقتها هي الأرض والقاعدة هو الدولة".
وتابع: "الظواهري يريد أن يجني ثمار سياسات النفس الطويل، التي مارسها، وبدأت بخدش كبرياء أمريكا للظهور في هيئة الجماعة التي جاهدت ضد الدولة الكافرة التي غزت ديار المسلمين، ثم ممارسة الواقعية في أعقاب ما عرف بالربيع العربي، والاكتفاء بالمجهود المحلي في مناطق نفوذ التنظيم".
وشدد النجار، على أن ظهور أيمن الظواهري في هذا التوقيت، يمكن اعتباره تدشينا لمرحلة جديدة من حياة تنظيم القاعدة يعتمد فيها على ما يمكن وصفه بـ"النسخة المحلية".
وقال: "تنظيم القاعدة يختلف حاليا عن تلك الجماعة التي أنشأها أسامة بن لادن، مستهدفا إطلاق موجات إرهابية عابرة للبلدان، إذ إن التنظيم الآن يعتمد على التعامل مع الأوضاع الداخلية بمناطق انتشار التنظيم، والتخلي عن فكرة الإرهاب العابر للحدود، وهو ما يجعل الوضع في أفغانستان، بعد خروج الولايات المتحدة مواتيا".
وأتم النجار، بالقول إن تنظيم القاعدة استطاع بسياسة النفس الطويل، أن يكون هو الفائز في نهاية المطاف، بعد أن تحمل الهجمات الأمريكية، مغيرا أهدافه أكثر من مرة، حتى وصل إلى المرحلة الراهنة، التي تنسحب فيها أمريكا أمامه مدعية النصر، الذي لم يتحقق على أرض الواقع.
اغتصاب فكري
من جهته، وصف عمرو فاروق الباحث في شئون الجماعات الأصولية، ما يجري حاليا في أفغانستان، بأنه محاولة جديدة من الولايات المتحدة الأمريكية لاغتصاب العالم فكريا.
وقال: "الفيديو الجديد للظواهري، يتضمن علامات على أنه جرى تسجيله قبل التطورات الأخيرة في أفغانستان"، مشيرا إلى أن هذا الفيديو يثبت أن الولايات المتحدة الأمريكية، تنفذ سيناريوهات "دبرت بليل"، للسيطرة على الشرق الأقصى والشرق الأوسط معا.
ولفت إلى أن الحديث عن سيناريوهات العلاقة بين طالبان والقاعدة، يجب أن ينطلق من أساس مهم، وهو أن الحركة أصبحت "نظام حكم"، وبالتالي فهي لا تريد أن تكرر أخطاء ولايتها الأولى في أفغانستان، وبالتالي فهي تريد أن تقنع العالم بأنها تحولت إلى سلطة حاكمة وليست جماعة متمردة.
وقال: "تحول طالبان إلى نظام حكم، يخلق خلافات بين طالبان، وتنظيم القاعدة، لأن الحركة ستعمل وفق مبدأ السلطة التي لديها حدود وطنية، فيما يرفض القاعدة هذا المعنى".
وأضاف: "صحيح يصعب أن تنفصم العلاقة بين الجانبين بشكل صريح وواضح، لكنها في الوقت ذاته لن تبقى كما هي، لأن بقاءها يهدد مصالح طالبان حاليا".
ولفت فاروق إلى أن انتهاج طالبان لخطاب معتدل، لا يعني أنها ستتخلى بشكل قطعي عن عنفها، وإنما هي فقط تريد أن تطمئن الشعب الأفغاني، وحتى تحصل على الاعتراف الدولي الذي تنشده، خاصة بعد أن اتضح رضا عدد كبير من الدول بواقعية وجود طالبان، الأمر الذي تعتبره الحركة مكسبا حقيقيا ومهما لها.
وقال إن فشل طالبان في ترسيخ فكرة الاعتدال في تعاملها مع قضايا الحكم والعلاقات الخارجية، فإنها ستقود أفغانستان لحرب أهلية تحولها إلى دولة فاشلة، تقوض أمن منطقتها وتهدد الأمن العالمي.
التركيبة العرقية
تجدر الإشارة في هذا المقام، إلى أن أفغانستان تحظى بتركيبة عرقية غنية بالطوائف والأعراق، حيث يتكون شعبها من 42% من عرق البشتون، و27% من الطاجيك، و9% من الهزارة.
ويتخوف المحللون من أن يؤدي هذا التنوع إلى زيادة احتمالات تعرض البلاد خلال أي هزة إلى موجة فوضى، تنتهي بحرب أهلية تفشل طالبان في إيقافها، لا سيما مع وجود تقارير تفيد بمعارضة أعداد كبيرة من المنتمين لهذه الأعراق، لوجود طالبان، وتنامي الرغبة في مقاومتها، وهو ما بدأ يظهر فعليا في وادي بانشير الشمالي، غير الخاضع حتى الآن لحكم طالبان، حيث يخضع هذا الوادي لنفوذ أحمد مسعود، نجل أحمد شاه مسعود المناضل الشهير ضد السوفييت خلال الثمانينيات من القرن الماضي، الذي طالب الولايات المتحدة الأمريكية علنا، بتزويده بالأسلحة حتى يقود المقاومة ضد وجود طالبان في أفغانستان، وهو ما يمكن أن يحدث فعلا إذا حادت الحركة عن اتفاقاتها مع واشنطن، التي تم وضعها خلال مفاوضات الدوحة، التي انتهت خلال العام الماضي.