أثرت جائحة كورونا التي اندلعت بدايات العام الماضي 2020، على كثير من مناحي الحياة في شتى بقاع العالم، وتسببت في وقف التجمعات تنفيذا لتوجهات الدولة لمواجهة انتشار تلك الجائحة، وكان على رأس تلك التجمعات جلسات الصلح والتي تتميز بكثرة عدد حضورها الذي يقدمون إليها من كل حدب وصوب للمشاركة في هذه المناسبة المميزة وخصوصا لدى أهالي الصعيد.
ولذلك اكتسبت جلسة مراسم الصلح الأخير التي أقيمت بمنطقة أرمنت الحيط جنوب غرب محافظة الأقصر بين عائلة الشحاتات وعائلة السرايرة، أهمية خاصة كونه يعد التجمع الأول لمراسم صلح في ظل جائحة كورونا وأقيم بعدد كبير من الأهالي مع الالتزام بكافة الإجراءات الاحترازية وارتداء الكمامات الطبية؛ كما أنه يقام تحت رعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد شيخ الأزهر، وتدخل شخصي منه لإنهاء تلك الخصومة الثأرية التي استمرت عدة سنوات، بالتنسيق مع لجنة مصالحات صعيد خالي من الثأر.
حضور لافت
وحظي الصلح باهتمام واسع وحضور لافت، حيث أقيم تحت إشراف اللواء عصام عثمان مساعد وزير الداخلية لجنوب الصعيد، وبحضور اللواء خالد عبد الحميد، مساعد وزير الداخلية مدير أمن الأقصر، واللواء مجدي لطفي مدير إدارة البحث الجنائي، والعميد محمد قمرة رئيس مباحث المديرية، والعميد محمود سقاو مفتش الأمن المركزي، والعميد محمد الخولي رئيس فرع الأمن العام بالمديرية والمقدم عصام رشوان مفتش الأمن العام، والعقيد عبدالعزيز نايف مأمور مركز شرطة أرمنت والمقدم أحمد المراغي رئيس مباحث المركز والرائد محمد رجب معاون أول المباحث، والرائد أحمد عاصم مدير إدارة العلاقات العامة بالمديرية، فضلًا عن العمدة عبدالباسط الحداد رئيس لجنة المصالحات بصعيد مصر، والشيخ عبدالله صالح رضوان رائد الساحة الرضوانية والشيخ محمد ربيع ممثل لجنة الأزهر الشريف، والشيخ محمد عبد الباقي المدير العام بوزارة الأوقاف، والعمدة حمادة النوبي عضو لجنة المصالحات وأفراد العائلات ورجال الدين والقيادات التنفيذية والشعبية.
تفاصيل الخصومة
تعود تفاصيل خصومة عائلتي السرايرة والشحاتات إلى 7 سنوات مضت، وتحديدا في العام 2014، عندما أقدم المدعو "أحمد ح م ا" 43 سنة، عاطل ومقيم أرمنت الحيط من عائلة السرايرة، على قتل المواطن " محمد ب م ج" 41 سنة، عامل أجري ومقيم ذات الناحية، من عائلة الشحاتات طعنا باستخدام سلاح أبيض، وتحرر محضر رقم 5619 إداري مركز أرمنت لسنة 2014 وعلى إثر ذلك تم الحكم عليه بالسجن المشدد 7 سنوات وقيدت القضية برقم 10492/2014 جنايات أرمنت.
تدخل شيخ الأزهر والأمن ولجنة المصالحات
على إثر ذلك، وبعد مرور 7 سنوات، توالت الجلسات بين القيادات الأمنية ولجنة المصالحات بمحافظة الأقصر والعائلتين بهدف التوفيق والصلح بينهم وإنهاء الخصومة، بالتزامن مع انقضاء مدة حبس المتهم، وتدخل شيخ الأزهر من خلال تخصيص مبلغ شهري لأهل المجني عليه، وتقديم رحلات عمرة لذويه، وتسهيل الإجراءات لذلك، وحالت ظروف انتشار فيروس كورونا دون إتمام جلسة الصلح إلى أن تم الاستقرار على عقد مراسمها، وتم التوصل إلى أن صاحب الحق يقدم له الكفن من العائلة الأخرى خلال الجلسة، والتي بدأت بتلاوة آيات من الذكر الحكيم تبعها تقديم المتهم القودة أو الكفن لأهل المجني عليه، ثم تم توقيع الطرفين على محضر الجلسة وأقروا جميعًا بالصلح النهائي وتعهد كل منهم بعدم التعرض للآخر، وسط إجراءات أمنية مشددة من قبل الأجهزة الأمنية بمحافظة الأقصر، وقامت أسرة المجني عليه بعد ذلك بفتح ديوان العائلة لتلقي واجب العزاء معلنة انتهاء ووقف سلسال الدم بين العائلتين، مما لاقى استحساناً وقبولًا وترك مردوداً إيجابياً وأثراً طيباً في نفوس المواطنين، مثمنين الجهود والمبادرات التي تقوم بها وزارة الداخلية ولجنة المصالحات في هذا الشأن من أجل حفظ الأمن والاستقرار.
مدير الأمن يشيد بجلسة الصلح
ومن جانبه، أشاد اللواء خالد عبد الحميد مساعد وزير الداخلية مدير أمن الأقصر، بمجهودات كافة الأطراف التي ساهمت في الصلح بين العائلتين وحماية أبناء العائلتين بأرمنت الحيط من أية مشكلات مقبلة، مشيرا إلى أن تدخل الأمن يأتي في إطار إستراتيجية وزارة الداخلية الهادفة في أحد محاورها إلى مكافحة الجريمة بشتى صورها من خلال تجفيف منابع الخصومات الثأرية.
وقال مدير أمن الأقصر للأهالي:- (أنا بشكركم جميعاً على هذا الصلح الأول لي كمدير أمن محافظة الأقصر، وتشرفت بتولي هذا المنصب وأن أحضر جلسة الصلح، حيث لم يسبق لي طوال خدمتي 35 عاماً في وزارة الداخلية أن أحضر مثل هذا الصلح الجميل الذي أتى من صميم القلوب، وأؤكد أن سياسة وزارة الداخلية وتوجيهات اللواء محمود توفيق وزير الداخلية والتكليفات لكل المديريات هي إنهاء النزاعات والخصومات الثأرية بين العائلات على مستوى الجمهورية، وبالأخص في الأماكن التي تأصلت فيها تلك العادة منذ قديم الزمن).
كما قدم اللواء خالد عبد الحميد، الشكر لرجال لجنة المصالحات وأعضاء مجلس الشيوخ ورجال الدين الإسلامي والمسيحي، والذين كان لهم دور كبير ونجحوا في الصلح بنية صافية بين الجميع لإنهاء الصلح بين الناس ووأد الفتنة، مؤكداً على أنه يأتي ذلك مواكباً لمبادرة كلنا واحد لدعم أبناء القرى، ومبادرة الرئيس "حياة كريمة" لتطوير قرى الريف المصري، مشدداً على أنه لا يوجد تطوير إلا بإقرار الأمن بين الجميع موجهاً الشكر لكل من ساهم في إتمام هذه المصالحة بين العائلتين.
فيما قال العمدة عبدالباسط الحداد رئيس لجنة المصالحات بصعيد مصر، أنه تم إسدال الستار على أقوى خصومة ثأرية دامت لسنوات طوال بمنطقة أرمنت الحيط، وتم اتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية لمنع انتشار فيروس كورونا، حتى يتم الاستمرار في جلسات الصلح بعد ذلك، لافتا إلى أن تلك الجلسة جاءت بعد جهود ومحاولات كبيرة لإنهاء الخلافات والقطيعة بين العائلتين، مشيرا إلى أنه لأول مره بتاريخ المصالحات الثأرية بصعيد مصر يتم تكريم زوجة المجني عليه وأطفاله وإهدائهم درع التسامح في لفتة كريمة من القيادات الأمنية بالأقصر ووزارتي الشباب والرياضة والتنمية المحلية، كما تحولت المصالحة من بغضاء ومشاحنات إلى تصافح وتعانق ونبذ الكراهية والخصومات وتعاون وحب وتسامح وإخاء بين أبناء البلد الواحد، وذلك بعد تقديم القودة البيضاء خلال جلسة الصلح تحت رعاية وتأمين الأجهزة الأمنية بالمديرية.