سؤال مهم يطرح نفسه فى هذا المرحلة حول مصداقية أو حقيقة ما تقوله حركة طالبان فى أفغانستان حول تعهدها بالقضاء على تنظيم داعش الإرهابى، وأنه سيصبح خلال وقت قصير، مجرد ذكرى، وذلك فى أعقاب تعيينها الملا ندا محمد، حاكمًا جديدًا لولاية ننجرهار فى شرق البلاد، والتى يتركز فيها عناصر هذا التنظيم الدموى.
لا أعرف على ماذا تم استناد حكام أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكى، وفرار الرئيس سريعًا، فى قولهم إنهم لن يتسامحوا مع مواصلة تنظيم داعش هجماته، وما قاله الملا محمد «لن يكون لهم- يقصد الدواعش- ملاذ معنا، فنحن نلاحق مقاتليهم المختبئين، ولقد حاربناهم ولم يعودوا كثيرين».
طالبان تقول إنه ومنذ وصلت إلى السلطة فى جلال آباد، عاصمة إقليم ننجرهار، أوقفت 70 إلى 80 من مقاتلا من الدواعش، كما تنفى وجود أى صلة لها بتنظيم داعش، حيث قال الملا ندا محمد «ليس هناك صلة- مع داعش- ومن يقول غير ذلك فهذا أمر خاطئ تمامًا، ونحن ملتزمون بحزم ضد تنظيم داعش.
تنظيم داعش متواجد فى أفغانستان، تحت اسم «داعش- خراسان» ويبحث عن مأوى بعد الهزائم التى نالت من قوته، وقلصت نفوذه، ويجد فى أفغانستان مأوى لغياب مفهوم الدولة، ومساعيه إلى استغلال حالة الفراغ فى إعادة لملمة حالة التشرذم، والبحث عن مظلة يعيش تحتها وليس هناك أنسب من أفغانستان فى هذا المرحلة.
فى المقابل هناك إجماع بين الخبراء على خطورة نشاط تنظيم «داعش- خراسان» خصوصا فى أعقاب الهجوم الدامى فى مطار كابل الذى راح ضحيته العشرات بين مواطنين أفغان وجنود أمريكيين، قبيل استكمال الانسحاب الأمريكى بساعات، وهو ما يمثل قيمة على الأرض، بل بما يكون هناك طوائف تؤيده على الأرض الأفغانية.
الأخطر فى الأمر أن داعش يعشق الفوضى والمناطق التى تشهد فراغا أمنيا وسلطويا، وأفغانستان فى وضعها الراهن، قد تكون ملاذا آمنا لتنظيم إرهابى، ارتكب مجازر فى العديد من مناطق العالم، وربما يستفيد من حالات الضبابية التى تعانى منها مختلف الولايات الأفغانية.
ومن المخاطر التى تؤشر على خطورة تنظيم داعش الإرهابى أن التقديرات الأمنية لأجهزة الاستخبارات تشير إلى أن القوة البشرية المؤكدة والمستقرة داخل صفوف ولاية خراسان تترواح بين 1500 و2200 مقاتل من أصحاب الجنسية الأفغانية وحدها، هذا بخلاف عناصر من جنسيات أخرى، على الرغم من حرب طويلة ضد التنظيم لم تهزمه طائرات وقاذفات الولايات المتحدة، والتى وصلت إلى إلقاء قنبلة على مخابئ وكهوف التنظيم تقدر بـ20 ألف رطل، وهى أكبر قنبلة تقليدية فى الترسانة الأمريكية.
وفى المقابل تشير معلومات إلى أن داعش قام بعمليات عديدة تجاوزت الـ70 عملية ضد أهداف داخل أفغانستان، فى الثلث الأول من العام الحالى 2021.
الوضع إذن ليس بالسهولة التى تدعيها طالبان بشأن التعامل مع التنظيم الإرهابى، إذا كانت فعلًا أعلنت توبتها من تاريخها فى العنف والتشدد، والدخول فى مراحل التعاون فى الحرب ضد داعش وإرهابه، فإن هناك مطالبات دولية بأن تطلق مبادرات حُسن النوايا بقبول التعاون فى حرب أشمل ضد الإرهاب وداعش، وتبدأ صفحة جديدة فعليا على الأرض من خلال التعاون مع حرب أكثر شمولا ضد تنظيم إرهابى يسعى إلى فتح الحدود وإقامة دولة بلا حدود يحكمها شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، تحت فكرة ما يسمى بـ«الجهاد الأممى»، قبل أن تتسع حركة التجنيد التى يخوضها فى البلاد الأفغانى، والبدء فى نقل مقاتليه من أنحاء العالم إلى أفغانستان، وربما السيطرة على مصادر تمويل تنحصر عليه مع الوقت، وإيجاد فى تجارة المخدرات ملجأ جديد للتمويل.
خيوط اللعبة الآن يمكن أن تغزلها «طالبان»... بعيدا عن موقفنا من تاريخها الدموى، وكونها ظلت بوتقة صناعة جماعات ومنظمات إرهابية ارتكبت جرائم لا ينساها العالم بسهولة.