في البداية، أشكر من بكاني وتأثر بما حدث، وأشكر كل من دعا لي وتقدم بواجب العزاء إلى أسرتي، وآسف على التأخير بضعة ساعات عن الشكر والرد لكنكم تعرفون ترتيبات السفر.
أشكر الزميل الكاتب الصحفي «سامي عبد الراضي» على فيض مشاعره، وجهده الشاق في أن ينقل لي رسالة ابني سليم الذي لم يراني، ولكنني من هنا من نافذتي آراه واطمئنه أنني بخير، وأخُص الزميل تامر أفندي بنقل رسالتي إلى سليم أحمد عاطف، ولدي ردا على ما وصلني.
كان الرحيل صعبا يا سليم ولا أُنكر أنني كنت أود البقاء ولو قليلا حتى استقبلك.. على الأقل استقبلك وأٌقيم معك بضعة أيام أعبئ قلبي فرحا بك وبشقيقك كنان وأوصيكما على بعضكما وعلى أمكما وجدكما وأهلكما ولكن لا بأس يا صغيري.. لا بأس ربما كان في هذا الشر خير كامن ونحن لا ندري.
يا ولدي الصغير كُن صالحا كأبيك حتى ولو قتلوك غدرا مثلي، لا تجعل ما ستسمعه عن ميتتي يجعلك ناقما أو قاسيا أريدك أنت تكون أبيك لا صديقه.. أريدك أن تكون هابيل يا ولدي وإن قٌتلت وإن زج بك في النيل من الخلف، فأنا أريد أن التقيك هنا وهنا في غرفتي في هذا القصر الذي اسكنه أمام هذا الاستقبال والحفاوة والحب دعوت الله أن يجمعني بكم أنت وأنا وكنان وأمكم وأبوايا وأشقائي وأسرتي.
هنا يا سليم أصدقاء حقيقيون لا يدفعون أصدقائهم غدرا من فوق الكوبري ليفوزوا ببضعة جنيهات أو يتهربوا من السداد دون أن يفكروا كم قلبا سيحترق، هنا يا سليم الناس كورد النيل الذي احتضن جثتي ورفض لأيام أن يتركني للتيار يجرفني.
يا سليم أنت وكنان وأمكما وكل من يحبني وصديقك الذي كتب على لسانك المقال وصديقي الذي كتب عن لساني أُحبكم وأُحب أن أذكركم أنني كنت سأصل إلى نهايتي هذه سيرا على الأقدام، لكن صديقي أو من كنت أحسبه صديقي دفعني إلى قدري ليبوء بذنبي، ليست الواقعة الأولى التي يقتل فيها صديق صديقه ولن تكون الأخيرة، في كل عصر هناك يهوذا الأسخريوطي، ومن المؤكد أن له تلاميذ، وأن لقابيل أبناء أورثهم العداوة والبغضاء ولعل من ألقى بي من فوق الكوبري كان واحدا منهم استطاع خداعي..
لذا كل ما أطلبه منك أن تكون حريصا في انتقاء الناس.. لا تُخون يا سليم.. ولكن حاذر.. لا تمشي منفردا ليلا مع أحد ولو كان صديقك.. لا تسير فوق الكوبري وابتعد عن النيل حين يأت المساء.
لا تحزن يا سليم على فراق أبيك.. فأنت منذ لحظة انصرافي وأخيك في رعاية الله، أصبحت في ضمانته وحيازته الكاملة وتحت رعايته ولكم كان ذلك اصطفاء وانتقاء يا ولدي.. فأنت كما النبي الحبيب الذي فقد أباه ولم يراه.
وأخيرا يا صغيري الحبيب بلغ سلامي إلى أخيك الكبير كنان وقل له: «أبيك أرسل لك السلام في الخطاب وقال لي شد على يد كنان وقل له كن عضدا وسندا لي ولأمك، وقل لأمك يا سليم أنني هنا انتظرها بخالص الدعاء لنستكمل هنا حياتنا الأبدية بدون شقاء ولا عناء ولا غدر، أدعو الله أن يُصبرها على فقدي ويربت على قلبها ويشد أزرها في رحلتها معكم حتة نلتقي على خير.
سأظل أُتابع أخباركم أولا بأول وسأفرح لنجاحكم وتفوقكم وزواجكم وبأولادكم وأحفادكم فكونوا حريصين على أن أراكم كما كنت أتمنى وأُحب.
وأخيرا قولوا لصديقي قاتلي هذه التحقيقات والقضايا وحبسك أو إعدامك حق من عندك من أبنائي وزوجتي وأسرتي أما أنا فقد سلمت شكواي لله حينما رأيته وأخبرته بكل ما دار في ليلة قتلك لي.
وداعا يا صغيري.. وداعا وإلى لقاء ليس ببعيد.. سأجهز لكم وسائدكم وأعشاش العصافير، وسأدخر كل ضحكاتي لنضحكها معا.. سأظل أنتظركم وأنظر إلى وجوهكم كل يوم من شرفة السماء وأنا أراكم تكبرون وتُنحت في وجوهكم صورتي، سأفتقدكم وأمكم ولكن عزائي أن روحي ستكون دائما على اتصال بكم.. أحبكم.. أحبكم.. أحبكم.. أبيكم المهندس أحمد عاطف.