يتميز المسرح الاستعراضي بجاذبيته ورونقه الخاص، ويمتد تأثيره الجمالي والحسي على المتلقي، فإذا كان المسرح بدأ لدينا غنائيا منذ أواخر القرن التاسع عشر في مرحلة النشأة مع بداية المسرح العربي عند «سليم النقاش» و«أبوخليل القبانى»، وانتقل بعد ذلك إلى المرحلة الثانية وهي الغنائية والتطريب، وكان أبرز ما فيها «سلامة حجازى»، وارتباطه بالشكل الاستعراضي الراقص الذى ظهر فى مصر مع الحرب العالمية الأولى، واستقدمت الاستعراضات من أوروبا، وهى مرحلة الاستقرار على يد مجموعة من الملحنين، والشعراء على رأسهم «سيد درويش» و«بيرم التونسى» و«بديع خيرى» وغيرهم ممن ظهروا في أعقاب سنوات الحرب.
ويُعد البيت الفني للفنون الشعبية الاستعراضية بدوره المسئول الأول عن تقديم العروض الاستعراضية، فقدم على مدى تاريخه عددًا كبيرًا من العروض الاستعراضية المهمة التي من بينها: «القاهرة في ألف عام» سنة ١٩٦٩، «ملك الشحاتين» سنة ١٩٧١، «دنيا البيانولا» عام ١٩٧٥، «ليلة من ألف ليلة» عام ١٩٧٧، والكثير من الأعمال الغنائية الاستعراضية الكبيرة حتى وقتنا هذا.
تبنى المخرج عادل عبده، رئيس البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية، مشروع تقديم السير الذاتية في الوقت الراهن لرواد ومشاهير الفن الذين أثروا حياتنا الفنية بإبداعاتهم وأعمالهم الخالدة، على خشبة المسرح، وكان آخرها «سيرة حب» عن حياة الموسيقار بليغ حمدي، «سيد درويش» لفنان الشعب، «ألمظ وسي عبده» عن قصة حياة المطربة «ألمظ» والمطرب «عبده الحامولى»، لا شك أن هذه السير الذاتية تجذب اهتمام الجمهور والمحبين، خصوصًا عندما يكون الفنان ذو قيمة عالية فنيًا وإنسانيًا، لا سيما عندما تكون حياته مليئة بالصراعات، والمعاناة، والانتصارات، والعُقد والعلاقات المُركبة، زاخرة بالعديد من الأحداث الدرامية الواقعية.
«البوابة نيوز» التقت مجموعة من الفنانين والمسرحيين للتعرف على آرائهم حول فكرة تقديم السير الذاتية، ومتطلبات النهوض بالمسرح الاستعراضي والغنائي.
حسن العدل: لا جديد لمن لا قديم له والمسرح الاستعراضى فرجة جامعة للفنون
قال الفنان حسن العدل، لا جديد لمن لا قديم له، والفن حاليا هو امتداد لتلك الفترة البعيدة التي تتميز بالثراء الجمالي نظرًا لكمية الصدق الموجودة بها، فكان الفنانون صادقين في الكلمة، واللحن، والصوت، وتسليط الضوء عليهم مهم ليصبحوا قدوة ومثلًا أعلى للجيل الحالي، فليس أي شخص فنان مطرب أو موسيقي يبرز نجمه.
وأضاف «العدل»، أن المسرح الاستعراضي فرجة جميلة بها كافة الفنون من رقص شعبي، وتراث، وغناء، وألحان جميلة، فنحن لدينا حالة فنية ممتعة لا بد من المحافظة عليها، مشيدًا بجهود المخرج عادل عبده، رئيس البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية، في المحافظة على هذا الشكل بصورة جيدة؛ مشيرًا إلى عروض «أليس في بلاد العجائب» و«سيد درويش» و«سيرة حب»، «ألمظ وسى عبده» كلها أعمال متنوعة بديعة لا يُقدمها إلا فنان يعي جيدا دور الفن في نهضة الشعوب.
إميل شوقى: السير الذاتية فى المسرح بديل الأوبريتات
وقال المخرج إميل شوقي، إن تقديم هذه السير لكبار رواد الفن لا تُعرض للسيرة فقط، ولكن لفترة زمنية يجب أن ندركها لا سيما أنه في هذه العروض يحدث ربط بين الفنان والفترة الزمنية معا، فمثلا إذا ذكرنا الفنان الذي ولد أيام الزعيم جمال عبد الناصر، وعاش أيام أنور السادات، وبزغ نجمه في أيام حسني مبارك، وعاصر أيام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهكذا، فهذا يؤرخ للفنان وللفترة الزمنية معًا، فإذا أرخنا مثلًا للفنان وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، فنحن نتحدث عن الملك، ودوره، والفترة السياسية التي عاش فيها وكيفية إلقاء الضوء عليها.
وأضاف «شوقى»، أن تقديم السير الذاتية لكبار الفنانين يُعد بديلًا عن الأوبريتات الكبيرة الخالدة، التي كتبت من قبل مثل أوبريتات سيد درويش، فلم يعد الآن هذا موجودًا، واللجوء للمسرح الغنائي مثل السير الذاتية التي نتناولها هنا في عرض «ألمظ وسى عبده» أو «سيرة حب» أو غيره، فهذا بديلًا لفن الأوبريت.
وأكد ان مشكلة المسرح الغنائي تكمن في صعوبة الإنتاج الذي يحتاج لوجود مسئول في قيمة المخرج عادل عبده، لأنه يهتم كثيرًا بهذا النوع من المسرح وهو مؤهل لهذا، وهذا ما ينقصنا في هيئة المسرح، وقطاع الثقافة الجماهيرية، متمنيا مشاهدة هذه العروض لأنها بالفعل تستحق المشاهدة.
وائل الفشنى: تهدف لتعريف الشباب بأعلام الموسيقى والغناء وكبار الرواد
وأوضح المُنشد والمطرب وائل الفشني، أن تقديم السير الذاتية في المسرح تُعد فكرة ذهبية في هذا العصر الذي نعيشه، فالشباب يسمع كل شيء ولكن المهم ما الذي نصدره لهم نحن كفنانين، مشيرًا إلى حفل نقل المومياوات والغناء الراقي الذي صاحبه وسعد به الجمهور، بل وشعر بالفخر لتلك الموسيقى والألحان والمطربين والموسيقيين الكبار، فلا بد أن نقوم بتعريف الشباب والجمهور بأعلام الموسيقى والغناء وكبار الفنانين الرواد، الذين توفوا من زمن، وساهموا في تأسيس الفن والموسيقى في مصر، فجاء اليوم لرد الجميل وتقديم هذه النماذج للأجيال الحالية للتعرف عليهم.
محمد حسني: لا بد من مساندة الدولة للمسرح
وقال الفنان محمد حسني، إن المسرح الغنائي يحتاج إلى مخرج يشعر بالمسئولية وأسماء مطربين كبار، إلى جانب مساندة الدولة له بميزانيات ضخمة، وملحنين كبار، واستعراضات كبيرة، كي ينتج مسرح غنائي كبير ومبهر مثلما كان قديمًا في «سيدتى الجميلة» وغيرها من الأعمال في تاريخنا، وهذا ما نحاول فعله في هذه الأيام، لتقديم أعمال عظيمة؛ فنحن في عصر اندثر فيه الغناء الجيد وقلت الأصوات الجيدة، وأصبح لدينا موسيقات حديثة دخيلة علينا وعلى أصولنا الموسيقية، حتى لو كان هناك اختلاف في الأذواق، لكن الذوق العام في انخفاض مستمر، فمن المهم تقديم السير الذاتية أو قصص عظماء المصريين ليس في الفن فقط، بل وفي العلوم، ومختلف المجالات.
لبني الشيخ: 70% من الجمهور ينقصه الاطلاع على تاريخ فنون بلده
وقالت الفنانة لبنى الشيخ مدير مسرح البالون: «لدينا على مستوى مصر عدد كبير من الشباب يمثل نحو سبعين في المائة من الشعب، ينقصه الاطلاع على تاريخ وثقافة فنه وبلده، وفي البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية كجهة مسئولة، وكوزارة ثقافة يجب التركيز على تلك النقطة وتقديم التاريخ الفني وسير الشخصيات الرواد في الفن؛ كما توجد لدينا أيضا إمكانيات فنية عالية لتقديم المسرح الغنائي والاستعراضي، الذي يحتاج بالطبع إلى إمكانيات مادية كبيرة، نظرًا لوجود عنصر الإبهار، فلو توفرت الماديات استطعنا تقديم أعمال فنية عظيمة، لأنه لدينا فنانين جيدين وأصوات جميلة، وثقافة راسخة نحتفظ بها».
طارق مرسي: تعطى للمتلقي فكرة الحديث لمعرقة قيمة وتاريخ الفن المصري
وقال الفنان والناقد المسرحي طارق مرسي، مدير مسرح محمد عبدالوهاب بالإسكندرية: إن خطوة تقديم العروض المسرحية التي تتناول فكرة السير الذاتية لكبار الفنانين والرواد مهمة، والأولى بها وزارة الثقافة، ممثلة في البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية في ظل حالة التردي الغنائي والفني بشكل عام، وما يطرح على الذوق الفني المصري من أشياء لا تليق بتاريخ الفن المصري ولا تليق بتاريخ الحضارة، والثقافة المصرية، فهو دور مهم أن تلعبه الوزارة والبيت يبدأ في تسليط الضوء على الشخصيات البارزة الفنية المؤثرة في تاريخ مصر، ويعطي فكرة للمتلقي الحديث سواء على مستوى الأسرة: الأب، والأم، والطفل، والشاب؛ ليعرف ما هو تاريخ الفن المصري وقيمته.
وأضاف «مرسي»، أن تقديم عروض المسرح الغنائي والاستعراضي هي قضية منوط بها وزارة الثقافة، ويوجد لدى البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية فرقة كبيرة اسمها الفرقة الغنائية الاستعراضية، في الوقت الحالي يوليها المخرج عادل عبده اهتمامًا خاصًا، حيث استحضر فنانين جدد تم تعيينهم بالفرقة بعد أن أُحيل الكثير من نجومها إلى المعاش، كما عمل على استعادة الأوركسترا الغنائي الخاص بها وحاول أن يدعمها بشكل كبير لتعمل على تقديم التراث المصري، والعروض الغنائية الاستعراضية الكبرى، لأنها عروض مهمة ولا يستطيع الوقوف خلفها إلا كيان كبير مثل الفنون الشعبية.
مروة ناجي: يلعب الفن دورا كبيرا في تعريف الشباب بقيمة الرواد
وقالت المطربة مروة ناجي: «هناك كثيرون لا يعرفون من هى (ألمظ) و(عبده الحامولى) و(بليغ حمدى) و(سيد درويش) وغيرهم، وهناك ناس لا يعرفون تاريخنا وثقافتنا وتراثنا، ومن هنا يكون دور الفن في تعريف هؤلاء، والشباب أيضا بقيمة هؤلاء الرواد، فمن المهم أن كل جيل جديد يدرك أهمية فن بلده وتراثها العظيم بين باقي الدول.
أحمد الشريف: تقديم السير الذاتية في المسرح ترسخ للهوية الفنية
وأضاف الناقد المسرحي أحمد الشريف، أن تقديم هذه السير لكبار وقدامى الفنانين في البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية تحسب للمخرج عادل عبده، الذي بدأها بعرض «سيرة حب» و«سيد درويش» و«ألمظ وسي عبده»، ومن إيجابياتها أنها تعمل على تعريف الأجيال الجديدة بسير الكبار وقصص نجاحهم، والتعرف على فنهم العظيم من أجل ترسيخ الهوية الفنية للفن المصري العريق.