السبت 02 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

دير السلطان.. قصة كنيستين والخلاف على دير السلطان

دير السلطان
دير السلطان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
  • الكنيسة تقف ضد محاولات الاحتلال الإسرائيلى طمس هوية الدير المصرية
  • رفع العلم الإثيوبى داخل الدير المملوك للكنيسة الأرثوذكسية المصرية استفز الرهبان المصريين
  • إسرائيل تستغل دير السلطان للضغط والمساومة فى ملف سد النهضة
  • قوات الاحتلال تعامل الرهبان المصريين بوحشية وتساعد الأحباش
     

شهدت مدينة القدس المحتلة فى أواخر أبريل الماضى، خلال أسبوع الآلام، قيام عدد من الرهبان الأحباش بنصب خيمة داخل دير السلطان المملوك للكنيسة الأرثوذكسية المصرية، ورفعوا العلم الإثيوبى عليها، فى استفزاز واضح للرهبان المصريين الذين وقفوا ضد طمس هوية الدير المصرية، فى تواكب مع موقف آبى أحمد فى التعنت فى سد النهضة.
ما حدث مرتبط بمحاولات إسرائيل استغلال ورقة دير السلطان للضغط والمساومة فى هذا الملف أو ذاك، بعد أن لعبت دورا فى تسليم مفتاحه للرهبان الأحباش، الذين دخلوا الدير شبه لاجئين، وبحثا عن مأوى، ليتحولوا بعد ذلك إلى محتلين بمساعدة السلطات الصهيونية التى ترفض تنفيذ كل الأحكام القضائية التى تؤكد ملكية الدير للكنيسة القبطية المصرية، وتأمر بإخراج الرهبان الأحباش منه.
واقعة نصب الخيمة الحبشية، ورفع العلم الإثيوبى عليها، ليست الأولى فى سجل استفزاز الرهبان المصريين الذين اعتدت قوات الاحتلال عليهم بوحشية فى أوخر أكتوبر 2018، عندما حاولوا منع طمس الهوية المصرية للدير، بعد أن ساعدت السلطات الإسرائيلية الرهبان الأحباش على ترميمه، وبما يغير معالمه القديمة التى تؤكد ملكية الكنيسة المصرية له.

من كنيسة واحدة لكنيستين 
بالطبع كانت الكنيسة الأرثوذكسية تعمل وما زالت بهدوء، وفى الوقت الذى كانت تطالب بحقوقنا فى الدير تدعو الكنيستين بالصلاة والتفاوض بغير صدام متحلين بروح المحبة لأن العلاقات المصرية الإثيوبية ترتبط بالروح الأرثوذكسية السمحة، وعذوبة النيل، ويجسدها طمية، وتفيض عقيدة المحبة بين البلدين، وإن كانت إثيوبيا المنبع للنيل.. فإن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية هى منبع إيمانها، تعود العلاقات بين الكنيستين المصرية والإثيوبية إلى النصف الأول من القرن الرابع الميلادى تاريخ دخول المسيحية إلى إثيوبيا عندما تمكن أحد المصريين ويدعى «فرومينتوس» من نشر الدين المسيحى بين رجال البلاط الأكسومى وعند عودته إلى مصر طلب من البطريرك القبطى أن يرسمه مطرانا على إثيوبيا، وأصبح بهذا أول مطران للكنيسة الإثيوبية عينته الكنيسة المصرية، وبذلك نشأ تقليد بأن يقوم بطريرك الإسكندرية بترسيم مطران الكنيسة الإثيوبية من بين الرهبان المصريين ويأخذ المطران الجنسية الإثيوبية بمجرد وصوله إلى مقره وظل هذا التقليد الكنسى معمولا به حتى عام 1950 أى طوال ما يزيد على ستة عشر قرنا، وعلى الرغم من ذلك ظلت العلاقات الدينية مستمرة مع مصر، وإن كانت تمر بمراحل قوة وضعف وفقا للظروف السياسية التى كانت تجتازها إثيوبيا.
أسس «مارمرقص» الكنيسة القبطية فى مطلع القرن الأول الميلادى «40 م»، من الإسكندرية، ومن القرن الأول للرابع.. وكانت الكنيسة القيطية الأرثوذكسية والإثيوبية «موحدتين» فى الطبيعة ومتوحدتين فى الرؤية، لذلك فإن تبنى الكنيسة الإثيوبية لكلمة التوحيد وارتباطه باسمها الرسمي، هو للدلالة على إيمانها بالطبيعة الواحدة للمسيح أى طبيعة الكلمة المتجسد وعاشت وتعايشت الكنيستان بالروح حتى توصلت فى تاريخ 13 يوليو 1948 كل من الكنيستين القبطية والإثيوبية إلى اتفاق مهد لانفصال واستقلال الكنيسة الإثيوبية، حيث قام بطريرك الإسكندرية للأقباط فى ذلك العام برسامة خمسة أساقفة لهذه الكنيسة وفوضهم بانتخاب بطريرك جديد لهم يكون له السلطان لاحقا لرسامة أساقفة جدد لكنيسته.
وقد اكتملت فصول تلك الاتفاقية عندما قام بطريرك الأقباط البابا يوساب الثانى بإقامة باسيليوس رئيس أساقفة على الكنيسة الإثيوبية، وهو من أصل إثيوبى فى تاريخ 14 يناير 1951 م، وبعد ذلك عام 1959 م قام بطريرك الكنيسة القبطية البابا كيرلس السادس بتتويج باسيليوس كأول بطريرك على كنيسة إثيوبيا الأرثوذكسية ووفق لائحة 1957 لانتخاب البطريرك القبطى الأرثوذكسي، والتى كانت سارية حتى انفصال الكنيسة الإثيوبية يضم خمسة مطارنة من كنيسة إثيوبيا للمجمع الانتخابى القبطى الأرثوذكسي، وحينما توفى البطريرك الإثيوبى باسيليوس عام 1971 م وخلفه فى ذلك العام ثيوفيلوس، ومع سقوط الإمبراطور هيلا سيلاسى عام 1974 م فصلت الكنيسة فى إثيوبيا عن الدولة، وبدأت حكومة إثيوبيا الجديدة – الماركسية بقيادة منجستو هيلا مريام - بتأميم الأراضى بما فى ذلك أراضى الكنيسة.
وفى عام 1976 م اُعتقل البطريرك ثيوفيلوس من قبل السلطات العسكرية وتم إعدامه بسرية فى وقت لاحق من ذلك العام، فقامت الحكومة بأمر الكنيسة بانتخاب بطريرك جديد لها فتم تتويج تيكلا هيمانوت على هذا المنصب، رفضت الكنيسة القبطية انتخاب ذلك البطريرك على اعتبار أن المجمع المقدس للكنيسة الإثيوبية لم يقر بعزل البطريرك السابق ثيوفيلوس، لأنه لم يكن يُعرف بعد للعلن بأنه تم إعدامه من قبل الحكومة فكان لا يزال يُعتبر البطريرك الشرعى لإثيوبيا، وعلى إثر ذلك انقطعت وسائل الاتصال - على الصعيد الرسمى - بين الكنيستين، ولكن الكنيسة الأرثوذكسية لم تعترف البطريرك الجديد، مما يؤكد العلاقات الروحية بين الكنيستين حتى بدون اتصال، لم يتعامل البطريرك الجديد تيكلا هيمانوت مع الحكومة الإثيوبية بالسلاسة التى كانت تتوقعها منه، لذلك عندما توفى هذا البطريرك عام 1988 م تم انتخاب ميركوريوس عضو البرلمان الإثيوبى الموالى للحاكم لهذا المنصب.
فى عام 1991 م ومع سقوط نظام منغستو هيلا مريام الديكتاتورى وقدوم الجبهة الشعبية الديمقراطية الثورية الإثيوبية للحكم، عُزل البطريرك ميركوريوس بضغط من الشعب والحكومة وانتخبت الكنيسة باولس بطريركا جديدا لها، وفر البطريرك السابق ميركوريوس خارج البلاد وأعلن من منفاه بأن عزله تم بالإكراه وعلى ذلك فهو لا يزال البطريرك الشرعى لإثيوبيا، تبعه إلى ذلك عدة أساقفة وشكلوا خارج إثيوبيا مجمعا مقدسا لهم تعترف به عدة كنائس إثيوبية فى أمريكا الشمالية وأوروبا وتعتبر بأن ميركوريوس هو البطريرك الحقيقي، بينما استمر المجمع المقدس الآخر داخل إثيوبيا يقر بشرعية البطريرك باولس.
وبعد أن استقلت إريتريا عن إثيوبيا عام 1991 أعلنت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية انفصال كنيسة التوحيد الأرثوذكسية الإريترّية، فأصبح لها بذلك مجمعها المقدس الخاص المستقل عن المجمع الإثيوبى الأم.