استلهم الموسيقار الراحل سيد درويش، المُلقب بـ«فنان الشعب»، الذي حلت ذكرى وفاته الثامنة والتسعين، في العاشر من سبتمبر الجاري، ألحانه من روح الشعب ومن أهل الطوائف وأصحاب الحرف الذي اختلط بهم وعاش بينهم معالجا مشكلاتهم بموسيقاه، فقد أتي بمنهج جديد ليؤكد أن الموسيقى ليست مجرد طرب أو شجن، ولكنها تعبير وتصوير يقوم على استيعاب الكلمات والغوص في معانيها ومعايشة أحداثها ودراسة جوانبها، فجاءت ألحانه معبرة مما جعلها تصل لقلوب السامعين وتؤثر في مشاعرهم وتعيش في وجدانهم.
قدم «درويش» العديد من الأوبريتات والمسرحيات الغنائية التي من بينها «فيروز شاه»، «الهوارى» لفرقة جورج أبيض فى عام ١٩١٨، «كله من ده»، «ولو»، «إش»، «قولو له»، «رن»، «العشرة الطيبة» لفرقة نجيب الريحاني، «عقبال عندكم فلفل»، «ولسه»، «قولنا به»، «مرحب»، «أحلامهم»، «راحت عليك»، «اللى فيهم»، «أم أربعة وأربعين»، «البربرى فى الجيش»، «الهلال» وغيرها لفرقة على الكسار، «هدى»، «عبدالرحمن الناصر»، «الدرة اليتيمة»، «شهر زاد»، «البروكة»، «الطاحونة الحمراء»... وغيرها لفرقة أبناء عكاشة، والعديد من الفرق الأخرى.
وذكرت الدكتورة خيرية جميل، أستاذ بالمعهد العالي للموسيقى العربية، في مقالتها «سيد درويش ودوره فى المسرح الغنائى» المنشورة في مجلة «تراث الموسيقى» ٢٠٠٢، عن المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، أن الموسيقار سيد درويش أدخل اللهجات المختلفة على المسرح الغنائى مثل السودانية، والشامية، والتركية، واليونانية، وبرع في تقديم ألحان الطوائف مثل «الشيالين، والسايس، والعربجية، والمراكبية، والصنايعية»، فقد أضاف للمسرح الغنائي أيضا الأناشيد الوطنية التي ألهبت مشاعر الشعب، وتميزت بالقوة والحماسة منها: «دقت طبول الحرب، أنا المصري، يا أباة الضيم، قوم يا مصري، أحسن جيوش»، حتى أدخل الثنائيات والثلاثيات بأسلوب الحوار الغنائي مثل «على قد الليل ما يطول، يحميكي يا شابة»، بالإضاقة إلى اهتمامه بالألحان الجماعية عن الفردية منها «الشيطان، دنجي دنجي، الشحاتين».
أضاف فنان الشعب سيد درويش إلى المسرح الغنائي استخدامه الأسلوب البوليفوني المتعدد الألحان، هكذا أوضحت جميل، حيث استخدم التدوين الموسيقي لتسجيل ألحانه، وإيقاع «المارش» الذي لعب دورًا في ألحانه الوطنية، فكانت حياة سيد درويش شعلة دائبة الضوء غير وانية لحظة واحدة، حتى أنه قدم جميع رواياته في نحو ستة أعوام تضمنت مائتين وخمسة وعشرين لحنًا تُعد من أروع ألحانه المسرحية، فموسيقاه هي مزيج من الموسيقى الشرقية والغربية لأنه أخذها عن الأتراك، والرومان بعد أن مزجها بموسيقانا فجاءت موسيقي حية متوثبة.