السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تعاليم عم العربي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لعلَّه من الصعوبة بمكان الكتابة عن رجل أعمال بحجم محمد العربي.. فتجد نفسك في حيرة بالغة من أين تبدأ وإلى أين تنتهي، فالرجل الذي عاش في صمت بعيدًا عن أضواء المال والشهرة جاءت لحظة رحيله بمثابة زلزال اجتماعي ونفسي أثر في معنويات كل من قرأ عن مسيرة حياته واطلع على أقواله.
فتكاد تشعر أن الرجل اجتمعت فيه كل تعاليم الأديان السماوية السمحة التي تحض في مجملها على حُسن الخلق ومخالطة الناس بخلق حسن وعدم الافتتان بكثرة المال والنأي عن الكبر والظلم والغرور.
لذا جاء وداع "عم العربي" لائقًا بإنسان نقي ومتواضع ومتفانٍ في الاعتراف بفضل الله عليه، ومن ثم العمل بكل ما أُوتي على رد الجميل لصاحب الفضل والمِنَّة الذي أنعم عليه بحب الناس، وهذه فضيلة لو تعلمون كم هي عظيمة.
ولعلك لا تندهش إذا علمت أنه ربما أكثر من 99% ممن خرجوا لوداعه لم يلتقوه أو يخالطوه أو يستفيدوا بالقرب منه بأي طريقة، ولكنها السيرة الطيبة التي تدوم وإن مات صاحبها.
وفي واقع الحال فإن ما قاله عم "العربي" يجب ألا يمر بدون وقفة، اعترافه بفضل الله عليه وحرصه طوال مسيرة حياته على شكر وحسن عبادة الخالق العظيم عبر مخالطة الناس بخلق حسن يجب أن يدرس في أعلى المؤسسات التربوية بل والعلمية والتجارية والاستثمارية، فهو لا يقل بل يفوق تعاليم بوذا وكارل ماركس، بل إنه يدحض برجماتية ميكيافيللي.
انظروا الدرس العظيم حين صفعه صاحب المحل، وتاجر الأربطة وحزنه وألمه الذي دفعه للنجاح وكأنها ترجمة عملية للصبر على البلاء والإيمان بأن القدر قد يكون في ظاهره العذاب لكن في باطنه النعيم.
تأملوا فيما كانت عليه البدايات، وما صارت إليه النهايات، تدبروا آيات الله العظيمة التي أجراها على لسان عبد من عباده، ولا تقنطوا من رحمة الله.
ومن عظائم الأقدار أن تتزامن وفاة إنسان عظيم مثل "العربي" بفضيحة مدوية هزت أرجاء المجتمع أيضًا ألا وهي واقعة إهانة وإذلال طبيب لممرض على النحو المخزي الذي تابعنا تفاصيله المؤلمة.. لنقارن بين الإنسانية في أبهى صورها، وبين الوضاعة في أبشع صورها ليرسخ في يقيننا كيف أن وفاة إنسان ربما تكون بابًا لخلوده في سجل ناصع البياض، بينما تكون حياة شخص آخر مدعاة لدخوله في مزبلة التاريخ.
وأخيرًا لا يسعنا إلا تذكر القول العظيم: البر لا يبلى، والذنب لا يُنسى، والديَّان لا يموت.. اصنع ما شئت فكما تدين تُدان.