تتعرض النساء كل يوم لحالات تعنيف من الأب والأخ والأعمام وأحيانا من الجيران، فأحيانا تسود حالة من الاستحقاق تجاه المرأة باعتبارها الكائن الضعيف، فنجد أن هناك نساء يتحملن التعنيف من أزواجهن والذي يصل إلى القتل أحيانا بسبب أن في أوساطهم ونشأتهم سادت ثقافة التعنيف بل وعٌممت.
وحتى الآن ورغم حصول المرأة على عدد من القوانين التي تعد مكاسب لها، إلا أنه لم يكن هناك قانون عن التعنيف الذي تتعرض له الفتيات من قبل أسرتها، ولم يكن هناك تعريف له في أي قانون أو دستور، إلا مادة "11" التي تؤكد المساواة بين الجنسين، وهذا غير كاف بالطبع لصد هذا العدوان عليها.
حاولت "البوابة" تجميع الصور الذهنية والنمطية حول قضية التعنيف وكل من ساهم في رسمها والوصول لعدد من الفتيات المعنفات من أسرهن لمعرفة كيف أثر هذا في وعيهن، وكيف استقبلن مشاهد العنف الزوجية فيما بعد.
وحاورنا عددًا من المحاميات المهتمات بقضايا التعنيف، لجمع مقترحات لمشروع قانون يحمي الفتيات من التعنيف.
تعريف العنف ضد المرأة
تعرف الأمم المتحدة العنف ضد النساء والفتيات، بأنه أي فعل من أفعال العنف القائم على النوع الاجتماعي، من شأنه أن يؤدي إلى أذى أو معاناة جسدية أو جنسية أو عقلية للنساء والفتيات، بما في ذلك التهديد بمثل هذه الأفعال أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء في الحيز العام أو الخاص.
يشمل العنف ضد النساء والفتيات، على سبيل المثال لا الحصر، العنف الجسدي والجنسي والنفسي الذي يحدث في الأسرة أو داخل المجتمع العام، والذي ترتكبه الدولة أو تتغاضى عنه.
عقدة الأب
يمثل الأب الظهير القوي لأي فتاة، إلا أننا مع تجميع شهادات لناجيات تعرضن للعنف الأسري، كان الأب هو الجاني، فكسرت صورة الأب الذي يحمي، وتحولت إلى الأب المعاقب الذي لا يفهم ويتفهم.
ففي المسح الذي أجراه المجلس القومي للمرأة بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان والجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء حول "العنف القائم على النوع الاجتماعي" كان الأب هو المرتكب الرئيسي للعنف البدني ضد المرأة، سواء منذ بلوغها ١٨ سنة (٥٠٪)، أو من خلال الاثنى عشر شهرًا السابقة على إجراء المسح (٤٣٪)، كما أن الأب ارتكب نحو ٣٪ من حالات العنف الجنسي ضد المرأة، فيما تعرض ١٨٪ من النساء المصريات في الفئة العمرية (١٨- ٦٤ سنة) لعنف بدني أو جنسي، منذ بلوغهن الـ١٨ سنة على يد أفراد العائلة أو الأشخاص المقربين، وذكر ١٧٪ أنهن تعرضن للعنف البدني و٢٪ تعرضن للعنف الجنسي. وتقول "س، ع"، إنها منذ كانت طفلة تعرضت للعنف من أبيها، وكان هذا بسبب موقف طفولي حدث مع طفل في سني، وتحول الأمر لقضية شرف، وهو ما تحملت عليه عقاب من والدي ضرب وحبس بالمنزل لأيام، وأنا لم أكمل العشر سنوات. وتضيف "تحولت علاقتي بوالدي منذ ذلك الحين إلى نفور ولم يحاول والدي الاعتذار عما بدر منه تجاهي؛ مشيرة إلى أن الأمر تحول لديها لعقدة في البحث عن صورة الأب، في أي ارتباط تدخل به حتى لو كان ارتباط برجل يكبرها بفارق كبير، من أجل تعويض الأب.
وتتابع: "لم تكن تلك حادثة التعنيف الأسري الأخيرة، فأخي الصغير كان لديه سلطات كبيرة لضربي وإهانتي بموجب تصريح من والدي، وانتهى الأمر بي بالخضوع للعلاج النفسي سنوات، وهو ما دفعني للتفكير في الاستقلال عن العائلة".
عُنفت في الصغر وعنف بعد الزواج
كان للأب تأثير من نوع آخر على"ن، س"، ٣٠ سنة، والتي تعرضت للتعنيف من زوجها، على مدى فترة زواجهما، وهي أربع سنوات، كانت تتعرض فيها للضرب المبرح، الذي ترك علامات في جسدها، وكاد يسبب لها عاهة في وجهها.
وبسؤالها لماذا كان الرد: " أمي كانت بتنضرب من بابا وعايشين ومكملين"؛ مضيفة أن تلك هي حجة والدتي التي نصحتني كثيرا بها عند الشكوى من طليقي".
وتابعت، حتى بعد الانفصال كانت هناك محاولات لرجوعي لمنزل الزوجية بحجة أنها تحدث في أحسن العائلات، إلا أنني قررت البدء من جديد والتعافي من التعنيف الذي تلقيته وبدأت التركيز في عملي.
الصحافة وجرائم الشرف؟
ويقصد بـ"جرائم الشرف"، القتل الذي يرتكبه غالبًا أحد الذكور في أسرة ما، أو قريب ذكر لذات العائلة، بحق أنثى أو مجموعة إناث في ذات الأسرة، وتكون الأسباب في الغالب ظنيّة تتعلق بشكوك حول ارتكاب الأنثى فعلًا "مخلًا بالأخلاق"، مثل الزنا أو إقامة علاقة "غير شرعية".
لذلك فيكون من المربك أن تتبنى الصحافة شكوكا لتبني عليها عناوين لتحدث "ترند" وصخب بمواقعها وصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي.
ففي دراسة أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر عام ٢٠١٥؛ قالت إن "٧٠٪ من جرائم الشرف لم تقع في حالة تلبس وإنما اعتمد مرتكبوها على الشائعات".
وقالت الدراسة، إن "تحرِيات جهات التحقيق في ٦٠٪ من هذه الجرائم أكدت سوء ظن الجاني بالضحية والتربص بها".
وفي منتصف أغسطس الماضي، أقرت والدة فتاة متوفاة بأطفيح بأنه نظرا لتكرار نجلتها الخروج من المنزل وشكوك حول سوء سمعتها، استعانت بشقيقها، وخال"المجني عليها"، وقاموا بوضع مادة منومة لها ثم كتم أنفاسها وصعقها كهربائيا لإبعاد الشبهة الجنائية عنهم.
من ناحيتها، قالت الدكتورة سحر وهبي، أستاذة الصحافة، ومقرر المجلس القومي للمرأة بسوهاج، إنه هنا يأتي دور الصحافة وما تتناوله، والذي يجب ألا يتضمن أحكاما مسبقة على المرأة فيما يخص الخوض في عرضها أو شرفها.
وتابعت"وهبى"، في تصريحات خاصة، لـ"البوابة": في الصعيد لا يوجد تهاون مع تداول شكوك حول فتاة بالعائلة، لذلك فالقضايا الخاصة بهتك العرض والسمعة حساسة للغاية، ويجب تناولها بشكل مهني فبوفاة الفتاة أو نجاتها ستبقى موصومة طوال عمرها بأنها "سيئة السمعة". وأضافت "سحر" أن كثيرا من جرائم الشرف يتم تناولها باستخدام أحكام مسبقة من المجتمع لتتصدر عناوين الصحف وتكون قائمة على شهادات للجيران، وتبنى على سند وهمي، مثل: معيشة الفتاة بمفردها أو كونها مستقلة، أو بناء على مظهرها وذلك موروث ثقافي يجب تغييره.
التعنيف بسبب المظهر
في مطلع أغسطس الماضي، كان هناك واقعة ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي، تخص طالبة ثانوية عامة تدعى رنيم وائل ١٦ سنة من الإسماعيلية، صدمتها والدتها بسيارتها عن قصد مما تسبب لها في كسر في الحوض لرفض البنت الحجاب. واستجمعت الفتاة قوتها وأرسلت استغاثة للمجتمع عن طريق صفحتها على "فيس بوك"، فلم تكن تلك واقعة التعنيف الأولى لها كما روت وكان هناك عدد من الوقائع لها مع والدتها وخالها على مر السنوات، موضحة أن والدتها تعمل ممرضة ووالدها طبيب شهير بإحدى الدول العربية، ولكن انقطعت صلته بها قبل أن تأتي للحياة بطلاق والدتها. ظهرت الأم، بعد ذلك في شكل هستيري، لا يستطيع أحد أن ينكره وتبعث للنفس أن رنيم بالفعل في خطر وضحية حقيقية لا مناص، ثم اختفت بعد هذا.
استخدام مادة "الرأفة"
"تتصل الفتيات للاستغاثة ثم ينقطع الاتصال بسبب الخوف من انكشاف أمرهن كونهن يطلبن المساعدة ولا أستطيع أن أصل إليها مجددا، وتكون إحدي الفتيات التي نقرأ عن موتهن بالجرائد"، بحسب نسمة الخطيب، محامية وناشطة في ملف التعنيف ضد الفتيات.
وتتابع"نسمة"، في تصريحات خاصة، أن جرائم القتل القائمة على شكوك خاص بالسمعة والشرف يستخدم القاضي مادة"١٤" من قانون العقوبات الخاصة، بالرأفة، ويأخذ الأب أو الأخ ما بين سنة أو سنتين على الأكثر في جريمة قتل روح وأحيانا مع إيقاف التنفيذ.
وتابعت"ولكن تلك المادة تستخدم بشكل ملحوظ في جرائم الشرف، لدينا العديد من القضايا تحت مسمي جريمة الشرف، شهدنا عدة فتيات تقتل باسم الشرف وعند توقيع الكشف الطبي عليهن نجد الفتاة عذراء، ولكن رغم هذا نجد القضاء يعطي أحكاما سنة مع إيقاف التنفيذ بدلا من المعاقبة عن جريمة قتل عن عمد، وتلك إشكالية المادة ١٤ التي يطبقها القضاة، حسب السلطة التقديرية.
وتسرد"نسمة" واقعة لفتاة بالشرقية، قائلة"قام والدها بضربها وكسر قدميها بالشرقية، وبمجرد تبليغ الفتاة قمنا بإرسال بلاغ للقومي للمرأة، والمجلس القومي لحقوق الإنسان، وتحركت قوة من المباحث، وقاموا بإخراج الفتاة، وحبس والدها أربعة أيام على ذمة التحقيق". وتابعت، أن الأمر ليس تمكين الفتيات من الهروب من منزلها، بل عن كيفية"تمكينهن داخل بيوتهن وبرفقة آمنة مع أسرهن، ويتم هذا بشكل آمن مع خاصية"عرائض النائب العام"، ومن خلاله تقوم الفتاة بتقديم بلاغ إلكتروني، من خلال لينك وفرته مؤخرا النيابة العامة، وسهل كثيرا سرعة الإبلاغ والحفاظ على سرية الضحية". وتوضح الناشطة في ملف التعنيف ضد الفتيات أن المحافظات التي يكثر بها تلك الحوادث جاءت كالتالي: الشرقية والقاهرة وإسكندرية.
أين ذهب البرلمان؟
تعتزم النائبة أمل سلامة، عضوة لجنة الإعلام والثقافة بمجلس النواب، ونائبة رئيس حزب الحرية المصري، تقديم مقترح لإجراء تعديلات جديدة على قانون العقوبات، تقضي بتغليظ عقوبة الزوج الذي يعتدي بالضرب على زوجته، وذلك بالحبس من ٣ إلى ٥ سنوات، مع زيادة الغرامة. وأعلنت النائبة، اعتزامها اقتراح التعديلات الجديدة خلال الفترة المقبلة، للحفاظ على "السلم الاجتماعي بعد أن لاحظت ارتفاع حالات ضرب الزوجات بشكل يهدد كيان الأسرة المصرية". كما أرجعت النائبة تقديمها مشروع القانون خاصة أن "قانون العقوبات لا يتضمن عقوبات تتناسب مع جريمة ضرب الزوج لزوجته"، وفقًا لتصريحاتها.
ولكنها لم تذكر وضع الفتيات المعنفات من أسرهن ولم تصرح حتى الآن بمقترح مشروع القانون الذي أعلنت تقديمه منذ أغسطس الماضي، كما تواصلنا معها هاتفيا وعن طريق "الواتس آب" لاستيضاح رؤيتها بشكل معمق إلا أنها لم تتجاوب.
شهادات الحبس المنزلي
أكدت شيماء طنطاوي، عضو مؤسس براح آمن تحت التأسيس، أن مؤسستها تعمل على وقائع الحبس المنزلي والتي تحدث للفتيات من قبل الأب والأخ والابن والأعمام، وكلها تندرج تحت مسمي العنف الأسري، لذلك فمن العوار الحديث عن عنف الأزواج باعتباره العنف الوحيد الواقع على المرأة دون احتساب ما تتعرض له في النشأة من أسرتها.
الأقسام تنحاز للذكور حال تقديم بلاغ تعنيف
وأشارت"شيماء" في تصريحات لها، إلي أن مؤسستها تعمل من ٢٠١٥ بجمع كل جرائم العنف الأسري الذي تتعرض له الفتيات خاصة من حبسن بالمنزل، وتم منعهن من الذهاب للتعليم أو العمل، وأحيانًا من الذهاب للحمام، وربطهم بالسرير، وهو وضع غير آدمي، تتعرض له الفتيات بشكل مسكوت عنه. وأضافت أن من تنجح في الهروب من منزلها لعمل محضر عن ما تعرضت له ستتعرض إلى ضغوطات من أقسام الشرطة وستنحاز للأب قائلة للفتاة"أبوك وبيربيكي"، لكن هذا لن يكون ردهم عندما تأتي لهم جثة هامدة.
معتقدات خاطئة
وتابعت"شيماء"، أن هناك معتقدات خاطئة لدي البعض أنه من الشريعة ضرب وتكسير عظام الفتيات وحتي الوصول لإحداث عاهة مستديمة؛ مشيرة إلى أنه يتم دفن طفلات تم قتلهن بعد ضرب مبرح بتكتيم شديد علة وقائع جريمة حدثت ممكن أن تنكشف ومن الممكن أن تمر مرور الكرام.
وتابعت الحديث عن أن المعتقدات التربوية الخاطئة تأتي نتيجة زرع فكرة لدي الأخ أنه أخته ملك له "بتاعته" أو أختك شرفك، يستطيع أن يفعل أي شيء لتربيتها، لتتضخم تلك الفكرة الجهنمية وتزيد في مجتمع الأرياف والصعيد يوما بعد يوم وتؤجج حوادث عنف ضد الفتيات.
مقترحات من حقوقية بالملف
قدمت نسمة الخطيب، المحامية والناشطة في ملف التعنيف الأسري للفتيات، مقترحات من منظور قانوني يمكن أن يساعد في حماية فتيات كثيرات، ومع إيجاد وجود آليات حماية تساعد على تقليل العنف ضد الفتيات، يمكن أن نركز على عدة إيجابيات منها:
* العمل على مائدة مستديرة للخروج بنص تشريعي، يجرم الجرائم التي تحدث تحت مظلة العنف الأسري.
تفعيل آليات المساعدة في قضايا العنف ضد النساء ومنها:
إدارة العنف ضد المرأة بوزارة الداخلية حيث كان هناك خط ساخن ولكن بعد ذلك قامت إدارة العنف بإلغاء استقبال الحالات تليفونيًا وجعلتها ارسال فاكس، وهذا يؤثر بشكل سلبي على الناجيات من العنف.
فلدينا العديد من الفتيات والنساء غير المتعلمات ولدينا حالات بنات محبوسة داخل البيوت ومن الأسهل أن تقوم بعمل مكالمة لتسرع وزارة الداخلية من التدخل لمساعدة الحالة كما كان يحدث سابقًا.
وأيضا ضرورة تدخل المجلس القومي لحقوق الإنسان وهو إحدي المؤسسات الوطنية التي تعمل بالعمل على الانتهاكات الخاصة بحقوق الإنسان ولهم دور في التدخلات في حالات العنف ضد النساء، وذلك من خلال توفيره خاصية إرسال ايميل أو فاكس.
ومن خلال المجلس القومي للمرأة، والذي خصص خطا ساخنا لاستقبال بلاغات العنف ضد النساء واحالتها إلى القضاء.
كما يوجد بالفعل لينك عرائض النائب العام، والذي يساعد الفتيات المحتجزات تعسفيًا من قبل الأهل بعمل محضر عن طريق استخدام الإنترنت، وتأخذ الفتاة رقم البلاغ، وهو إحدي الآليات السريعة التي ساعدت فتيات كثيرات على النجاة.