مصر أقدم دولة مركزية عرفها التاريخ، والسلطة المركزية، سواء في رأس الدولة أو الحكومة أو المحافظات، منوط بها لعب الدور الأكبر في تحمل المسؤولية في إدارة الحياة اليومية، والتخطيط للمستقبل، وتحقيق متطلبات السكان، وهي مهام جسيمة في بلد كبير مثل مصر. المؤكد أن، كل مسؤول كبير لايعرف الراحة، وخاصة السادة المحافظين، وبحق كان الله في عونهم، فهم يواجهون متطلبات الناس في كل المجالات داخل نطاقهم الاقليمي. المحافظ بحكم وظيفته، هو رئيس الجهاز التنفيذي في المحافظة، وهو الرئيس المباشر لكل رؤساء مجالس المدن، ورؤساء الاحياء، ووكلاء الوزارة. وهو المسؤول عن ادارة العمل وتحقيق متطلبات السكان، وتطوير الخدمات، وهو ممثل الحكومة في محافظته. وهي مهام عظيمة تتطلب التواجد المستمر، والمجهود المتواصل مع فريق عمل يكون قادرًا علي مواجهة الازمات والكوارث طوال الوقت. هذا بالطبع يتطلب توفير أموالًا وميزانية كافيتين لمواجهة الخطط المستدامه وحالات الطوارئ. ومع وجود هيئة استشارية للسيد المحافظ في معظم الاحوال، الا انه يُوجد شبه عزوف تام من المجتمع المدني عن المشاركة في العمل العام، وخدمة المجتمع. وفي هذا المقال، نعرض تجربة محافظة الدقهلية في تشكيل جمعية خيرية في شكل بيت خبرة (Think Tank)
من المثقفين والخبراء من ابناء المحافظة، في شكل مجلس استشاري تقدم الدعم والمشورة للسادة المسؤولين في العمل التنفيذي بالمحافظة.
تجربة محافظة الدقهلية في تكوين جمعية أهلية باسم" مؤسسة تطوير الدقهلية" كانت بدايتها في مكتب المحافظ السابق الأستاذ الدكتور كمال جاد شاروبيم في شهر أكتوبر سنة ٢٠١٨.
الفكرة كانت للمهندس الاستشاري محمد عبد العظيم عبد الله، ولاقت استجابة وتشجيع من الدكتور شاروبيم، بغرض تكوين لجنة استشارية من ابناء الدقهلية، المتميزين في جميع المجالات، تكون مهمتها مساعدة المحافظ في اتخاذ الإجراءات اللازمة، في الموضوعات التي يحددها المحافظ او ابناء الدقهلية.
ضم أول لقاء في مكتب السيد المحافظ، الأستاذة الدكتورة فرحة الشناوي (رحمها الله وأسكنها فسيح جناته)، وعدد محدود من المتخصصين وأحد رجال الاعمال، وأحد اعضاء مجلس النواب.
في أول لقاء حدد المحافظ أهداف هذه المجموعة التي اطلق عليها اسم "مجموعة تطوير الدقهلية" وهي مساعدة المسئول الاول في اتخاذ الاجراءات اللازمة لمواجهة الازمات التي تواجهها الدقهلية، وعلي رأسها ملف النظافة والتجميل والتخلص الآمن من القمامة، وملف التلوث والتكدس المروري، وملف النهوض بالخدمات وعلي رأسها التعليم والصحة. بعد ذلك تولي المهندس محمد عبد العظيم رئاسة المجموعة واضاف عددًا كبيرًا من ابناء الدقهلية المتميزين في جميع المجالات، وتم تقسيمهم الي عدة لجان نوعية حسب التخصص، واشتمل أيضا اضافة وكيل الوزارة المختص الي عضوية كل لجنة، بغرض ربط العمل الاهلي بالعمل الحكومي.
مع مرور الوقت تم ضم أعضاء جدد الي المجموعة، من جميع التخصصات المهنية، مع عدد من رجال الأعمال وفاعلي الخير.
وضمت القائمة معظم من تولوا وظائف وزارية أو محافظين أو مناصب قيادية، وكذلك معظم أستاذة جامعة المنصورة، وبعض الصحفيين والكتاب من ابناء الدقهلية.
تم تكليف د فرحة الشناوي رحمها الله بلجنة الثقافة والتاريخ، وقمنا بزيارة قرية طماي الزهايرة مسقط رأس ام كلثوم. وكان هناك مشروع جعلها قرية نموذجية ومركز لجذب السياحة الداخلية والخارجية. وتم تكليف د نسرين عمر بلجنة الصحة، وتم دعم وزيارة المستشفيات الجامعية ومستشفيات وزارة الصحة، وتم تكليف الدكتور عبد الغني امام بلجنة الطرق والمرور، وتطوير العشوائيات وتم زيارة منطقة المجزر وتقديم الدعم لها من قبل رجال الاعمال. وقام المهندس محمد عبد العظيم وبعض رجال الاعمال بتقديم الدعم وأدوات التعقيم عند مجئ جائحة الكورونا، وتم تكليفي برئاسة لجنة التعليم.
ولتنسيق العمل الاهلي مع العمل الحكومي، تقابلت مع المهندس علي عبد الرؤوف، وكيل وزارة التربية والتعليم في الدقهلية لاعداد قائمة لزيارة عينة من ٧ مدارس في المنصوره والمراكز. كنا نزور كل مدرسة مرتين، المرة الاولي لمقابلة ادارة المدرسة للتنسيق معها وتحديد موعد الزيارة، والزيارة الثانية لمقابلة الطلاب داخل الفصول، ثم مقابلة اولياء الامور، ثم مقابلة السادة المعلمين. وكنا نستطلع رأي كل مجموعة في مشاكل التعليم، خاصة الدروس الخصوصية، وخطة التطوير التي تبناها الدكتور طارق شوقي، خاصة استخدام التكنولوجيا في التعليم، والمناهج الجديدة، وطرق التعليم ونظام الامتحانات. انهينا هذه التجربة الثرية، وحصلنا علي معلومات مباشرة من كل عناصر العملية التعليمية ( الإدارة والطلاب والمعلمين وأولياء الامور)، وقمنا باعداد تقرير عن الزيارات وقدمناه الي السيد المحافظ، ووكيل وزارة التعليم والجهات الرقابية ووزير التربية والتعليم.
ربما تكون مؤسسة تطوير الدقهلية قد قدمت نموذجًا (ولو متواضعًا) لدور اهلي يهدف الي تطوير المجتمع. ولكن بدون شك، يمكن تعديل التجربة وتكرارها في كل المحافظات الاخري.
ويبقي السؤال؛ هل هذا النموذج هو الأفضل لدمج المجتمع المدني في تطوير المجتمع وتنمية البيئة؟ هذا ماسوف تجيب عليه الشهور والسنوات القادمة.