الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

"قاتل كينيدي".. هل انتهى سرحان بشارة من قهوته؟

سرحان بشارة أقدم
سرحان بشارة أقدم سجين فلسطيني في أمريكا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في جولة جديدة، ينظر القضاء الأمريكي مجددا في ملف أقدم سجين فلسطيني مسيحي يحمل الجنسية الأردنية سرحان بشارة سرحان، وذلك بعدما قدم محاموه التماسًا للإفراج المشروط عنه، مستندين لطول مدة سجنه بالإضافة لسيرته الحسنة، وأيضا إعلان ندمه على جريمته، حيث أرسل قائلا: "لن أعرض نفسي للخطر مرة أخرى، وأتعهد لكم أن أبحث عن الأمان والسلام دائما".

سرحان بشارة سرحان

وخلال الشهور الأربعة المقبلة، وفق ما تنقل وكالات الأنباء العالمية، سوف تقرر المحكمة مصير "بشارة" الذي يتجه ناحية رؤية السجين الفلسطيني للنور مرة أخرى، بعدما اقترف جريمة قتل المرشح الرئاسي روبرت كينيدي شقيق الرئيس الأمريكي جون كينيدي الذي لقى مصرعه في حادث اغتيال قبل ذلك بخمس سنوات.

سرحان بعد إلقاء القبض عليه

انحياز روبرت كينيدي لإسرائيل على حساب القضية الفلسطينية، جعل "بشارة سرحان" مواليد العام 1944، ينتظره في المطبخ حيث سيمر المرشح الرئاسي من أمام المطبخ بعد الانتهاء من لقاء عدد من المؤيدين له بأحد الفنادق، وسوف يصوب تجاه الرئيس أربع طلقات حسب الرواية الأمريكية، بعدها يتم توقيف "سرحان" وتثبت إدانته بعد شهادة موظفي الفندق أنهم رأوه يخرج مسدسه ليقتل الرئيس الأمريكي في 5 يونيو من العام 1968.

لحظة اغتيال روبرت كينيدي

اعتقد البعض منذ توقيف "سرحان" أن خلفه مجموعة مسلحة دعمته وخططت له وشجعته على الجريمة، وأن قتل مرشح الحزب الديمقراطي لم يكن تصرفًا فرديًا من شخص غاضب لانحياز المرشح لإسرائيل، لكن مرور أكثر من نصف قرن على "سرحان" في السجن غير قناعة البعض، وتبقى عائلة "كينيدي" في محل خلاف، منهم من يوافق على إطلاق سراح السجين والآخر يعترض بشدة كون الجريمة أثرت على مسار العائلة بشكل كبير.

الشاعر محمود درويش

في أغسطس من العام 2008 توفي الشاعر الفلسطيني محمود درويش، قبل أن يسمع أي أخبار عن مواطن بلاده "سرحان" لكنه كتب منذ سنوات طويلة قصيدته المعروفة "سرحان يشرب القهوة في الكافيتريا" دون أن يعرف أي أخبار متعلقة بالإفراج عنه أو حتى مجرد وصول القصيدة إلى المسجون الفلسطيني الذي هاجر إلى الأردن ثم إلى أمريكا ليتمكن هناك من إطلاق الرصاص على شقيق الرئيس الأمريكي.

قصيدة درويش حاولت وضع قراءة خيالية وفنية لنشأة سرحان، وتأثره بتجاوزات المُحتل الغاصب، وطريقة التحقيقات التي أجريت معه، وردوده وانتصاره لقضايا بلاده خاصة أن "سرحان" اعترف أنه قتل "كينيدي" لغضبه من موقف الأخير تجاه فلسطين.

يفتتح "درويش" قصيدته بانفتاح الأبواب على البحر، حيث الخوف والشتات، ثم تكتمل الذعر بانهمار المطر مع طلقات الرصاص، ليرسم مشهدًا مرعبًا، تتكون مفرداته من الريح والبحر والمطر وصوت الرصاص يدوي في الخلفية، وهي اللحظات التي عاشها "بشارة" أثناء الحادثة، كما تتصورها القصيدة.

صورة أرشيفية

 يجيئون..

أبوابُنا البحرُ، فاجأنا مطرٌ. لا إله سوى الله. فاجأنا

مطرٌ و رصاصٌ. هنا الأرضُ سُجّادةٌ، و الحقائب

غربهْ!

يجيئون،

فلتترجّلْ كواكبُ تأتي بلا موعد. و الظهورُ التي

استندتْ للخناجر مضطرة للسقوط

وماذا حدث؟

أنت لا تعرف اليوم. لا لون. لا صوت. لا طعم

لا شكل.. يُولد سرحان، يكبر سرحان،

يشرب خمرا و يسكُرّ. يرسم قاتله، و يمزِّق

صورته. ثم يقتله حين يأخذ شكلا أخيراً

ويرتاح سرحان:

سرحان! هل أنت قاتل؟

ويكتب سرحان شيئاً على كُمِّ معطفه، ثمَّ تهرب

ذاكرةٌ من ملفَّ الجريمة.. تهرب.. تأخذ

منقار طائر.

وتأكل حبة قمح بمرج بن عامر

وسرحان مُتّهم بالسكوت، وسرحان قاتل

توقيف سرحان

و ما كان حُبّا

يدان تقولان شيئاً، وتنطفئان

قيودٌ تلد

سجون تلد

منافٍ تلد

ونلتفُّ باسمكِ.

ما كان حُبّاً

يدان تقولان شيئاً.. و تنطفئان

ونعرف، كُنّا شعوباً و صرنا حجارة

ونعرف كنتِ بلادا و صرتِ دخان

ونعرف أشياء أكثر

نعرف، لكنّ كل القيود القديمة

تصير أساور ورد

تصير بكارهْ

في المنافي الجديدة

ونلتفُّ باسمك

ما كان حُبّا

يدان تقولان شيئاً وتنطفئان.

وسرحان يكذب حين يقول رضعتُ حليبك، 

سرحان من نسل تذكرة، وتربّى بمطبخ باخرة لم تلامس مياهكِ.

السيناتور روبرت كينيدي

تشيع حالة من المفاجأة منذ مطلع قصيدة درويش، لذا يظل يتساءل الشاعر: ماذا حدث؟ مستمدا حالة الدهشة التي أصابت العالم من كون "سرحان" شاب مغترب، يجلس في الكافتيريا أو المطبخ، يقضى وقته مع فنجان القهوة ولا يعبأ بمصائر الأوطان، وتدور في ذهنه جرائم المحتل الغاصب في بلاده، فيجد أمامه المسيح يتألم من جراحه والعدو يصنع من آلامه زيوتًا للطهي، سوف ينتهي "سرحان" من قهوته ليجد أمامه المرشح الرئاسي الداعم لإسرائيل، فيطلق رصاصات تجاه "كينيدي" لتتغير صوة أمريكا بعد ذلك، ويتخيل "درويش" لحظات التحقيق مع القاتل، فيجده في لامبالاة لكنها أكثر وعيًا وانحيازًا للقضية.

ما اسمك؟

نسيت 

وما اسم أبيك ؟

نسيت

وأمك؟

نسيت

وهل نمت ليلةَ أمس؟

لقد نمتُ دهراً

حلمت ؟

كثيراً

بماذا؟

بأشياء لم أرها في حياتي

وصاح بهم فجأة :لماذا أكلتم خضارا مُهرّبة من حقول أريحا؟

لماذا شربتم زيوتا مهربَّة من جراح المسيح؟

و سرحانُ متّهم بالشذوذ عن القاعدة

***

رأينا أصابعه تستغيث. وكان يقيس السماء بأغلاله

زرقةُ البحر يزجرها الشرطيّ، يعاونه خادم آسيويّ،

بلاد تغّير سكانها، و النجوم حصى

و كان يغنّي مضى جيلنا و انقضى.

مضى جيلنا وانقضى.

وتناسل فينا الغُزاةُ تكاثر فينا الطغاة. دم كالمياه.

وليس تجفّفه غير سورة عم و قبعةِ الشرطيّ

وخادمهِ الآسيوي. و كان يقيس الزمان بأغلاله

سألناه: سرحان عمَّ تساءلت؟

قال: اذهبوا، فذهبنا

إلى الأمهات اللواتي تزوّجن أعداءنا.

وكنّ ينادين شيئاً شبيهاً بأسمائنا.

فيأتي الصدى حَرَسا

ينادين قمحا

فيأتي الصدى حَرَسا

ينادين عدلا

فيأتي الصدى حَرَسا.

ينادين يافا

فيأتي الصدى حرسا

ومن يومها، كفَّت الأمهات عن الصلوات و صرنا

نقيس السماء بأغلالنا

وسرحان يضحك في مطبخ الباخرة

يعانق سائحة، و الطريق بعيدٌ عن القدس و الناصرة

وسرحان مُتّهم بالضياع و بالعدميَّة

سرحان بشارة سرحان

كتب درويش قصيدته الطويلة المحملة بكثير من الرموز التاريخية مثل السبي البابلي، وجراح المسيح، ومنطقة مرج بن عامر الزاخرة بالأحداث التاريخية القديمة، وفي المقطع التالي يختتم "درويش" قصيدته بصورة للشاب المغترب اللاجئ المغلف بالصمت الذي لم يلوح بقبضاته في الهواء ولم يرفع شعارات الدفاع عن الوطن لكنه أعار أصابعه للضماد وأثبت أنه في أي لحظة مستعد للذهاب لوطنه أسيرا أو قتيلا..

ومن كفّ يومًا عن الاحتراق/ أعارَ أصابعه للضماد/ وصرَّح للصحفي وللعدسات: جريح أنا يا رفاق / ونال وساما.. وعاد / وسرحانُ / ما قال جرحيَ قنديلُ زيتٍ وما قال .. / صدريَ شبُّاك بيتٍ وما قال.. / جلديَ سجّادة للوطن / وما قال شيئاً.. / أتذهب صيحاتنا عبثا؟ / كل يوم نموت ، وتحترق الخطوات وتولد عنقاء ناقصة ثم نحيا لنُقتل ثانيةً / يا بلادي، نجيئك أسرى وقتلى/ وسرحان كان أسير الحروب، وكان أسير السلام / على حائط السَّبْي يقرأ أنباء ثورته خلف ساق مغنّيةٍ / والحياةُ طبيعيَّة، و الخضار مهرَّبة من جباه العبيد / إلى الخطباء، وما الفرق بين الحجارة والشهداء؟ / وسرحان كان طعام الحروب، و كان طعام السلام  / على حائط السَّبي تعرض جثَّته للمزاد. وفي المهجر العربي يقولون: ما الفرق بين الغزاة وبين الطغاة؟ / وسرحان كان قتيل الحروب، و كان قتيل السلام / على حائط السَّبي يصطدم العلم الوطني بأحذية الحرس الملكي / وحربك حربان. حربك حربان / سرحان! لا شيء يبقى، ولا شيء يمضي. اغتربتَ .. / لجأتَ.. عرفت. ولست شريداً ولست شهيدا / خيامك طارت شراره / وفي الريح متَّسعٌ / هل قَتَلت؟ / ويسكت سرحان يشرب قهوته و يضيع و يرسم خارطة لا حدود لها ويقيس الحقول بأغلاله/ هل قتلت؟ / وسرحان لا يتكلم .يرسم صورةَ قاتله من جديد، يمزّقها، ثم يقتلها حين تأخذ شكلاً أخيرا / قتلت ؟ / ويكتب سرحان شيئاً على كُمِّ معطفه، ثم تهرب ذاكرة من ملفّ الجريمة.. تهرب.. تأخذ منقار طائر / وتزرع قطرة دم بمرج بن عامر.