السبت 28 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بوابة العرب

حمزة يونس «مهندس الهروب» من سجون الاحتلال لـ«البوابة نيوز»: هربت 3 مرات.. وعملية جلبوع كانت بطولية وستضاف لسجل أعمال الفداء والبطولة الفلسطينية

حمزة يونس مهندس الهروب
حمزة يونس مهندس الهروب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 

  • الاحتلال يراقب الاتصالات الهاتفية وينتظر أى خطأ يرتكبه الأسرى الفارون
  • أقول للأبطال الستة ابتعدوا عن كل احتمال يفكر فيه العدو 
  • المطاردة بعد الهروب كانت دوما المرحلة الأصعب 
  • اتجهت للملاكمة بسبب ما لقيناه من عنصرية الاحتلال
  • كلمة عربى كانت تهمة فى حد ذاتها داخل الأراضى المحتلة
  • اتحاد الملاكة رفض سفرى مع اللاعبين لأنى عربى 
  • فى هروبى الأخير أخبرت الصحفيين وأنا فى المحكمة أنى لن أمكث أكثر من عامين 
  • الهروب الثالث استطعت خداع أحد السجانين وهربنا مناشير داخل حذائه لقص شباك المغسلة 
  • استغرقت عملية قص القضبان شهرا ونصف الشهر 

 

مهندس الهروب.. حمزة يونس 

«الأصعب من الهروب هو أيام المطاردة، فى كل مرة كنت أغامر فيها بالهروب كنت أعلم أن الخطر سيكون فى الأيام التى تليها فإذا لم تنجح العملية فسأعود إلى السجن وسأمر بمرحلة تعذيب كبيرة».. هكذا وصف «حمزة يونس» أو كما يلقب بـ«مهندس الهروب» وضع السجناء حين يفكرون بعملية هروب من سجون الاحتلال، والتفكير فيما بعد الهروب يكون دائما أصعب مما يتخيله بشر.

فى حوار يونس مع «البوابة»، والذى استطاع الهروب من سجون الاحتلال 3 مرات، حكى عن حياته وكيف خطط للهروب ولم يخف؟ وكيف استطاع أن ينتصر على إسرائيل؟ ويصبح اسما لن تنساه جدران سجون الاحتلال.

وإلى نص الحوار ..

* كيف كانت طفولتك هل كنت تحب الشغب والهروب منذ الصغر؟

- فى الحقيقة لم أكن كذلك على الإطلاق، كان أكثر ما يميزنى عن باقى أقرانى فى العائلة هو الهدوء والابتعاد قدر الإمكان عن المشاكسة والعنف، ولكن كان جدى يسمينى البطل، وكان يتمنى أن أصبح بطلا كبيرا، وبطبيعة الحال فى قريتنا كان الهدوء هو السائد بخلاف بعض المشاجرات البسيطة جدا.

 

  • متى كانت المرة الأولى التي رأيت فيها الإحتلال ؟

 

كنت في السادسة من عمري، يومها داهم جنود الإحتلال قريتنا وأعلنوا حظر التجوال وتلك كانت المرة الأولى التي أراهم فيها، باتو يفتشون بيوتنا وينهبون المواشي، حتى هذا اليوم كنت أرى أنه لا قوة تستطيع أن تقف في وجه مختار الضيعة ولكن الحقيقة التي رأيتها جعلتني أشعر بالصدمة فالمختار لم يستطع الوقوف في وجههم.

 

تلك كانت المرة الأولى التي رأيتهم فيها ولكن كنت أسمع عنهم من قبل حين كان يأتينا أخبار عن هجماتهم في القرى المجاورة وكان رجال قريتنا يذهبون سريعا لمساعدة تلك القرى في صد اليهود.

وقبل أن أراهم بعيني وأنا في السادسة كما ذكرت كنت أتخيل دوما أن اليهود هم مخلوقات مجهولة ومخيفة كالجن والغيلان، ولكن حين رأيتهم تشكلت لدي صدمة بأنهم يشبهون الناس تماما وليس لهم قرون أو مخالب، وأن قوتهم كانت في عصيانهم التي يحملوها بأيديهم.

مهندس الهروب.. حمزة يونس 

* لماذا اتجهت للملاكمة رغم أنك كما ذكرت لا تحب المشاكسة؟

- تعلمت الملاكمة لأنى شعرت بأن الواقع يفرض علىَّ هذا، فنحن كعرب يجب أن نكون فى حذر دائم فى كل خطوة نخطوها، حتى لا نكون فريسة سهلة لتعصب اليهود، ليس لنا أى ثمن لديهم، بل بالعكس إذا ضرب الصهيونى عربى وسال دم العربى على ثياب اليهودي، الشرطة تحاسب العربى؛ لأنه نجس ثياب الصهيوني، كل ذلك جعلنى أفكر فى أن اتجه لأتعلم الملاكمة. 

* ماذا عن كونك عربيا وملاكما لدى أندية الاحتلال.. هل شفع هذا عند اليهود؟

- بالطبع لا، فى الحقيقة كنت دوما أشعر بأننى كعربى لست مقبولا كمواطن كامل الحقوق، وكان هذا واضحا وجليا فى قلة اهتمام الصحافة بي، واتّصاف الصحفيين والحكام تجاهى بعدم الإنصاف، وكانت مبارياتى توصف أحيانا بأنها من أجمل المباريات.

لا شك أن هضم حقوقى وعدم إنصافى من طرف الصحافة وأعضاء التحكيم كانا يضايقانى كثيرا، لكن ما كان يضايقنى أكثر هو أن الجمهور الذى يحضر مبارياتى لم يكن يكتفى بجولة اللعب، وبالفوز، بل كان يصيح أثناء الجولات «دم، دم» أى يريدون أن تسيل الدماء!

الوحيد الذى كنت أشعر معه بالتعاطف هو مدربى يعقوب فوفتش، وهو يهودى رومانى يكره التعصب والتفرقة العنصرية، وكنت أحس بتعاطفه معي، وبأنه متضايق من أجلى فى كثير من الأحيان.

مهندس الهروب.. حمزة يونس 

* ماذا عن أكثر المواقف التى شعرت فيها بالظلم الشديد كونك عربيا؟

- كان ذلك أثناء سفر منتخب بيطار إلى اليونان، وكان الطبيعى أن أكون ضمنه، بل فى مقدمته لأننى كنت البطل الأول فى وزني، وقبل الذهاب إلى التدريب تقرر أن تجرى تصفيات لاختيار المرشحين للسفر، واعتبرت أن من حسن حظى أن تجرى هذه التصفيات، وكان وصل لإسرائيل ملاكم جديد يدعى نسيم أشرف، وهو يهودى مغربي، احترف الملاكمة فى فرنسا، وعند قدومه لعب عدة مباريات فاز فيها جميعا بسهولة، وبالضربة القاضية، وحسب الأنظمة والأصول المتبعة فى الملاكمة، كان كل منا يعرف مع من سيتقابل من ملاكمى وزنه، لأن لكل وزن نجومه وأبطاله.

وبينما كنا فى غرفة الملابس، تقدم منى ملاكم من نادى «بيطار ناتانيا» وهمس فى أذنى «لا يريدون أن تسافر مع المنتخب!» وقتها ضحكت، وأخبرته أننى أتوقع ذلك، بعد هذا الحوار غادرت غرفة الملابس، وتوجهت إلى غرفة الإداريين وعندما اقتربت منها، سمعت مدربى يعقوب يصرخ قائلا: فقط لأنه عربي؟!

كانت خطة الإدارة الملتوية أن ألعب مع نسيم، رغم فرق الأوزان بيننا، وهو ما لا يصح فى اللعبة حتى أخسر ويسافر هو، ولكن إرادتى كانت أقوى من ذلك، قبلت وانصدم مدربي، وأثناء المباراة كنت قد فزت بالفعل، ولكن التحكيم انحاز لنسيم، وأعلن فوزه، وهو ما جعل القاعة تضج، فاضطرت الإدارة أن تعلن سفرنا نحن الاثنين، وأصبحت أنا ونسيم أصدقاء فيما بعد، ولن أنسى أنه أرسل لى تحية وسلاما حين هربت من إسرائيل وانضممت لحركة فتح، وتكرر هذا الموقف كثيرا فكونى عربيا فأنا مرفوض.

* ماذا عن دخولك السجن للمرة الأولى؟

- كان السبب فى ذلك مشاجرة مع يهود فى إحدى محطات البنزين، حيث كنت مع ابن عمى على دراجته النارية فى اتجاهنا للمنزل، ووقفنا فى إحدى محطات البنزين، صادفنا فتاة تقف إلى جانب سيارتها، فراح مكرم يغازلها بالعبرية، وهذا أمر عادى ومألوف، ولم تنزعج الفتاة، ربما لأنها لم تعرف أن الذى يغازلها عربي، فمكرم لم يكن أسمر، وكان يتكلم العبرية بطلاقة، ولكن عامل المحطة، هو من كشف أمرنا حين سمعنا نتحدث بالعربية، وبدأ يصرخ هو وزملاؤه عرب عرب لا يريدون دفع ثمن البنزين، لم تكن التهمة التى لفقها لنا أكثر استفزازا لزملائه من كلمة «عرب»! كانت هذه الكلمة وحدها كافية لتصعيد الموقف وتحريض الآخرين علينا.

قلت لهم بصوت هادئ «صاحبكم مخطئ وإن كنتم تريدون المشاجرة فستخسرون! «لم أكد أتم عبارتى حتى هجموا علينا وهم يصيحون «عربى عربي» فانضم إليهم عدد من هواة ضرب العرب الموجودين فى المحطة، وقامت مشاجرة عنيفة أودت بسقوط أحدهم على الأرض دون حراك وعلمنا أن الوضع سيكبر فهربنا بالدراجة سريعا.

فى اليوم التالى نشرت الصحف العبرية، «مجهولان يعتديان على عامل محطة وقود يدعى فكتور» حاول مساعدة سيدة كانت تقف فى المحطة، وتم نقل عامل المحطة إلى المستشفى، واتضح أنه أصيب بارتجاج فى المخ وحالته صعبة، فقال لى ابن عمى وقتها، يبدو أنهم عرفونا، وأنت مكروه فى إسرائيل، وسيغتنم رجال الشرطة هذه الفرصة لزجك فى السجن ! ودون نقاش، قررنا الهرب لغزة.

* هل نجحت الخطة أم تم حبسكم الأول فى هذه الأثناء؟

- نجحنا فى الوصول إلى غزة، ولكن الظروف لم تكن فى صالحنا وعدنا من حيث أتينا، وتم القبض علينا فى طريقنا للعودة، وتم وضعنا فى سجن عسقلان كان ذلك تحديدا فى الأول من أبريل 1964 أى بعد يومين من الهروب.

* وهل كانت تهمة معاكسة فتاة وعدم دفع البنزين تحتاج لكل ذلك؟

- نحن تفجأنا فى المحكمة أن التهم لم تكن كذلك على الإطلاق، فوجه لنا 6 تهم كانت كالتالى «مغادرة البلاد والعودة إليها دون تصريح، الاتصال مع العدو، تزويد العدو بمعلومات تضر بأمن الدولة، خيانة الدولة، إخفاء معلومات عن رجال الأمن، الإصرار على الاتصال بالعدو»، بالطبع كان جميعها ملفقا، وعلمت يومها أنه لا فائدة من وجود المحامى؛ لذا طلبت منه شخصيا بعد مرور ثلاثة أيام من التحقيقات ألا يعود مرة أخرى.

مهندس الهروب.. حمزة يونس 

* كيف كان الهروب الأول؟

- كنت أفكر فى الهروب منذ اليوم الأول من الاعتقال، ولكن باب الغرفة المتواجد بها من الحديد الثقيل كغيره من أبواب السجون وكان يغلق بإحكام شديد، فكان من الصعب فتحه أو حتى خدشه، والحراس لا يغيبون لحظة عن حراسة الباب بخلاف أسوار السجن العالية والمراقبة المشددة والأسلاك الشائكة، فالأمر كان مستحيلا جدا.

وكانت خطتى هى المباغتة والهرب عن طريق استدراج أحد الحراس لفتح الباب الحديدي، بينما أكون أنا وابن عمى مكرم وصديقنا حافظ نختبئ خلف الباب، وبمجرد فتحه نجرى بأقصى سرعة خارج السجن وهو ما لا يصدقه أى عاقل ولكنه ما حدث.

* كيف كانت التفاصيل لهذا الهروب الغريب؟

- طلبتُ من سجين يهودي، هو أصغرُ المساجين سنًا، يُدعى «شلومو»، وهو فى الخامسة عشرة من العمر أن يدق الباب، ويقول للحارس إن المساجين العرب أخذوا فراشه، وفى الوقت نفسه رحنا نفتعل مع سائر المساجين ضجيجًا يُوهم بالعراك، فعل «شلومو» ما طلبتُ منه، وحين نظر الحارس من طاقة الباب، طلب من الفتى السجين أن ينتظر قليلًا حتى يستدعى زملاءه لفتح الباب، استدعى الحارس زملاءه، وفى هذه اللحظة وحسب الخطة، دخل مكرم وحافظ مصالحة إلى الحمام المقابل للباب الحديدي.

وبينما كَنتُ خلف الباب مباشرة وتحت النافذة، بحيث لا يستطيع الحارس أن يرانى عند فتحها، انتظرتُ فى موقعى وشعرتُ بأن الوقت يمر ببطء شديد، فضربتُ الباب برجلي، فصاح الحارس: لحظة! نحن قادمون، لا تطرقوا الباب!»، سمعت وقع أقدام تتجه نحونا، ثم فتح الباب بالمفتاح، وبعد ذلك فتح القفل. 

عندما سمعتُ فتح القفل وقفت ودفعت الباب بقوة، ولأن الباب من حديد فقد توقعت أن يسقط كل من يقف خلفه، لكنى فوجئتُ به ينفتح بسهولة وأسقطنى الاندفاع فى حضن الشاويش، ولحسن الحظ أنه كان كهلًا قصيرًا أصلعًا، فى هذه اللحظة، ظهر مكرم من ورائى وضرب الشاويش الأصلع على رأسه فأسقطه على الأرض، بينما ضربت العسكري الذى يحمل السلاح فسقط على الأرض كذلك، ثمّ ضربتُ العسكريّ الثالث. 

وكان هذا العراك يجرى أمام الحراس الجالسين فى النظارة، وعندما صاح الحارس: شرطة، شرطة! انطلقتْ صفّارات الإنذار، فاتّجه الحرّاس نحونا يحملون مسدساتهم فقط، فاشتبكنا معهم بالأيدي، وحسب تعليمات الخطّة كنا نتفادى التماسك معهم لنختصر الوقت مدركين أنّ سلاحنا الوحيد هو عنصر المباغتة واختصار الوقت ومغادرة السجن قبل أن يفيقوا من ذهولهم ويجتمعوا حولنا، وعندما صرنا على بعد مائة متر من مبنى السجن، بدأ إطلاق النار بشكلٍ كثيفٍ وعشوائى، لكنّنا واصلنا الجرى نحو البيارة التى تقع على بعد مئتى مترٍ من ذلك المبنى الكريه، وكان حافظ قد سبقنا إلى البيارة فناديناه وانطلق ثلاثتنا باتجاه غزة.

* وماذا حدث بعد نجاح عملية الهروب؟

- بعد أربع ساعات من الهروب وصلنا غزة فى منتصف الليل، وهناك قريبا من الحدود توجد نقطة للفدائيين، ذهبنا إليها فاستقبلنا الفدائيون ثم نقلونا إلى بيت فى غزة، مكثنا فى هذا البيت 45 يوما دون أن نغادره، بعدها عقد الكنيست «البرلمان الإسرائيلي» جلسة لبحث هروبنا ومساءلة الحكومة، كيف تمكن ثلاثة مساجين أمنيين عزل من الهرب أمام أعين الحراس المسلحين؟! وكيف قطعوا مسافة 24 كيلومترًا دون أن يلقى القبض عليهم؟! وأسفر التحقيق عن طرد مدير السجن ونائبه وأربعة من الحراس، وحسب المعلومات التى وصلت إلينا من الصحف الإسرائيلية، فقد نقل ستة من الحراس إلى المستشفى بسبب الجروح والكسور التى أصيبوا بها خلال الاشتباك معنا.

* وماذا عن الهروب الثاني؟

- كان بعد هزيمة يونيو 1967 حيث احتلت غزة، وبعد ساعات من بدأ القتال دبت الفوضى فى أنحاء غزة، حتى فى المكاتب الحكومية، وتم استدعاء الفدائيين القدماء المعروفين بفدائيى مصطفى حافظ.

وبينما كنا تقاتل ضمن قوات المقاومة الشعبية، تمكنوا من إصابتى فى الساق اليمنى والقدم اليسرى فسقطت على الأرض دون حراك لم تكن المسافة التى تفصل بينى وبين القوات الإسرائيلية تزيد على مائتى متر، وعندما وصلوا إلىَّ قاموا بتفتيشي، ونقلونى للمستشفى.

كنت فى الطابق الثاني، وكان مستبعدا أن أحاول الهرب؛ لأن هناك حراسة مشددة على المدخل، إضافة إلى السور الذى يبلغ ارتفاعه مترا ونصف المتر.

فى أحد الأيام كنت على موعد مع ثلاثة من أصدقائى ليزورونى فى المستشفى، وفى حدود الساعة الثانية عشرة ظهرا، فتح الباب للزوار، وكان أصدقائى أول الداخلين، وهمس لى أحدهم بأن الحارس الذى يقف على الباب الخاص بالأطباء العاملين فى المستشفى، صديق له، وأخبره بأن المريض يريد الخروج من هذا الباب لزيارة والدته المقعدة، وسيعود قبل انتهاء موعد الزيارة، خرجنا من ذلك الباب فعلا وتمت العملية بنجاح.

* وكيف جرت الأمور بعد ذلك؟

- انتقلت إلى مصر ومن هناك إلى عمان، ومن ثم انضممت إلى حركة فتح، ثم انتفلت لجنوب لبنان للعمل العسكري، وكلفت بتوصيل السلاح إلى الأرض.

مهندس الهروب.. حمزة يونس 

* وما قصة الهروب الثالث؟

- كان حكم عليا بالمؤبد على خلفية محاولاتنا خطف جنود صهاينة، وجئت فى عسقلان وبعد عدة محاكمات قضت المحكمة على بالسجن المؤبد، وقتها قلت للصحفيين إن القاضى لم يستشرنى قبل إصدار الحكم، لهذا فأنا غير مسئول عما قال! وإننى أقول لكم سأبقى فى السجن لمدى سنتين فقط؛ وهذا الكلام أنا مسئول عنه! ضحك الصحفيون وقالوا: «حمزة يحلم»!

بالفعل نجحت فى الهروب بعد عامين من الحبس، حيث خططت لذلك مع سجناء يهود كانوا متهمين فى قضايا جنائية، ولكن لم أهرب معهم، وخططت للهرب مع اثنين من العرب كانا سمير درويش، وعبدالرحمن كرمان، الذى كان متهما بالتخابر مع المصريين ومساعدتهم بخرائط عن خط بارليف، كنا اتفقنا على أن نقطع شباك الحمام بنشر الحديد، والهرب فى يوم يحمل غيوما كثيفه، ولكن بعد أن نقوم بقطع الكهرباء.

وفى حيلة بسيطة استطعنا أن نخدع أحد السجانين ونهرب داخل حذاءه عددا من المناشير الصغيرة، التى من خلالها نجحنا فى قطع الشباك، ولكن قبل عملية الهروب خرج عبدالرحمن فى عملية تبادل أسرى مع مصر وإسرائيل وبقيت أنا وسمير، وشخص ثالث انضم لنا وأكمل معنا الهروب.

مهندس الهروب.. حمزة يونس 

* كيف فكرت فى الهروب ثلاث مرات ولم تخف؟

- لم أخف أبدا، خصوصا أنى ذقت حلاوة الحرية أول مرة، كما أننى كنت أقول لنفسى دوما أن الذى بنى هذا السجن شخص عادي، لكنه حصل على ما يلزمه للبناء، أما الهروب فيحتاج إلى إمكانيات أقل، إذن يمكننى أن أتفوق على من بنى هذا السجن بقدراتى العقلية دون أن أحتاج إلا إلى أشياء بسيطة جدا، وأخلص من هذه الخواطر إلى السؤال الكبير: كيف أهرب؟!

* هل كنت مشهورا بين المساجين بالهروب؟

- نعم، أتذكر ذات يوم هرب أحد المساجين الأمنيين من قاعة المحكمة، وهو جمال سلطان من قرية الطيرة الواقعة فى المثلث الشمالي، إلا أنهم تمكنوا من إلقاء القبض عليه فى اليوم التالى من هروبه، وعرفنا أن فشله يعود إلى أخطاء ارتكبها خلال هروبه، منها أنه طلب بعض الطعام والماء من أحد البيوت! وقد لامه المساجين وقالوا له: ما دمت قد فكرت فى الهرب، كان عليك أن تستشير حمزة يونس.

مهندس الهروب.. حمزة يونس 

* كيف ترى عملية هروب جلبوع.. وماذا تقول لأصحابها؟

- بالطبع هى عملية بطولية تضاف لسجل أعمال الفداء والبطولة الفلسطينية، ولكن يجب أن نعلم أن عملية المطاردة هى أصعب من الهروب فعندما كنت أهرب من السجن كنت أرفض أن التقى أو يعرف مكانى أى قريب أو صديق، فما بالك اليوم كاميرات الحراسة منتشرة فى كل مكان وسلطات الاحتلال تراقب الاتصالات الهاتفية وتنتظر أى خطأ يرتكبه الأسرى الفارون.

وأقول للأبطال الستة «ابتعدوا عن كل احتمال ممكن يفكر فيه العدو ونتمنى لكم النصر إلى النهاية».