تناولت صحيفة ذا هيل الأمريكية، ذكرى مرور 20 عاما على أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي لم تتسبب في فقد الآلاف حياتهم وترك أسرهم تتجرع الأحزان فحسب، بل أثرت أيضا على الملايين من الأمريكيين الآخرين الذين عايشوها. إذ ولدت الهجمات -ربما- أعظم صدمة وطنية في الولايات المتحدة منذ الحرب الأهلية: عندما تسبب 19 خاطفا في اختلال التوازن بين أمريكا وسياستها الخارجية، وهو التوازن الذي تكافح واشنطن من أجل استعادته منذ ذلك الحين.
وقالت الصحيفة - في تقرير عبر موقعها الإلكتروني اليوم الأحد- إن واشنطن شهدت نجاحات هائلة بعد 11 سبتمبر، في الحيلولة دون وقوع هجوم آخر يسفر عن سقوط أعداد كبيرة من الضحايا في الداخل، فضلا عن إعادة تنظيم صفوف الحكومة للتعامل مع التهديدات الإرهابية، بينما في الوقت ذاته انخرطت في تجاوزات مروعة، تتراوح بين تعذيب المعتقلين مرورا بالحرب في العراق.
فيما اعتبرت الصحيفة أن واشنطن كانت محقة في تصعيدها مكافحة الإرهاب باعتبارها التهديد الأكثر خطورة الذي يحدق بالأمن القومي للولايات المتحدة، ثم جعلت هذه الحرب - بشكل خاطئ - المبدأ المنظم للسياسة الخارجية الأمريكية. إذ كان التوازن في تلك السياسة هو العنصر المفقود في كثير من الأحيان.
وأشارت الصحيفة إلى أن أفغانستان تفسر تلك المشكلة، فبعد الغزو الأولي الذي أعقب 11 سبتمبر، أطاحت الولايات المتحدة بحركة طالبان وركزت على تشكيل حكومة قادرة على غرس الاستقرار الأساسي، غير أنه بمجرد أن أولت واشنطن تركيزها الأساسي نحو العراق، أصبحت أفغانستان مسرحا ثانويا، حيث لم تلتزم الولايات المتحدة بقوات ضخمة وفي الوقت ذاته لم تتفاوض مع العدو، ثم - ومع ضعف موقف أمريكا - باتت واشنطن تتعامل بجدية فيما يتعلق بالمفاوضات، وسحبت قواتها في نهاية المطاف، واليوم تحكم طالبان قبضتها تماما على أفغانستان كما فعلت قبل 20 عاما. ورأت الصحيفة أن الولايات المتحدة لم تقم قط بمطابقة الأهداف الواقعية بالوسائل اللازمة لتحقيقها.
أما فيما يتعلق بالعراق، فقد أرسلت الولايات المتحدة قواتها، وسحبتها جميعا حيث شاهدت ظهور ملاذ إرهابي هناك له أبعاد تاريخية، ثم أعادت القوات. لقد شنت الولايات المتحدة حربا عالمية على الإرهاب، وحاولت التراجع بعد مقتل أسامة بن لادن، وانخرطت في حملة عسكرية متعددة الجنسيات ضد داعش ، بينما تشعر الآن بالقلق من عودة ظهور ملاذات القاعدة وداعش في أفغانستان، وفقا للصحيفة.
وتعليقا على ذلك قالت الصحيفة أنه في كثير من الأحيان -خلال العشرين عاما الماضية- حاولت الولايات المتحدة إغلاق ملف التهديدات التي لم تختف، وحل المشكلات التي لا يمكن عمل شيء سوى تخفيفها والتركيز على قضية فردية -مثل الإرهاب أو الصين- على حساب مشكلات أخرى. أس باختصار، افتقرت السياسة الخارجية الأمريكية إلى التوازن.
وأشارت “ذا هيل” إلى أن الطريق إلى سياسة خارجية أمريكية ما بعد 11 سبتمبر يتعين أن يتمثل في: الموازنة بين مصالح أمريكا وقيمها ووجودها ومشاركتها وجهودها -بشأن قضايا متعددة في أماكن عدة- إذ يتعين أن يكون ذلك شعار العصر الجديد.
وأوضحت الصحيفة أن من انتهاج سياسة خارجية متوازنة من شأنه أن يدرك أن الولايات المتحدة قوة عالمية، وليست إقليمية وأنه يجب عليها التركيز ليس فقط على المحيطين الهندي والهادئ، ولكن على المناطق الأخرى التي تستمر فيها المصالح الأمريكية، مثل أوروبا وأمريكا الشمالية والشرق الأوسط. ويجب أن تدرك تلك السياسة أهمية الحاجة إلى محاربة الإرهابيين، ليس للدفاع عن الوطن فحسب وإنما أيضا لتجنب تأثيرهم المشوه على الأولويات الأمريكية الأخرى. كما يجب ألا تهدف هذه السياسة إلى حل المشاكل المستعصية ، سواء كانت الإرهاب أو كوريا الشمالية أو الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني ، بل تربو إلى تحقيق نتائج أفضل دون التوصل للحلول النهائية.
واختتمت الصحيفة الأمريكية تقريرها بالقول إنه بعد عشرين عاما من هذا اليوم المشؤوم، باتت تلك الحقبة المخيفة جزءا من الماضي، لكن آثارها المتتالية لا تزال واضحة عبر كامل نطاق مشاركة أمريكا تقريبا مع العالم. فبعد كل ما تعلمناه على مدى عقدين من الزمن، دعونا نستغل هذه الذكرى السنوية لتوجيه نظرنا نحو المشاركة الأمريكية بأكملها في العالم. وعند القيام بذلك ، سيقطع القليل من التوازن شوطا طويلا في السياسة الأمريكية.