غيرت هجمات الحادي عشر من سبتمبر2001 وجه العالم، ونبهت إلى خطورة الحركات الإرهابية وتأثيرها على الجميع، حيث أطلقت أمريكا بعدها حربها على الإرهاب.
في كتاب "الإرهاب.. مقدمة قصيرة جدا" ترجمة محمد سعد طنطاوي، ومراجعة هبة نجيب مغربي، الصادر عن مؤسسة هنداوي، شرح مؤلف الكتاب الإنجليزي تشارلز تاونزند، أستاذ التاريخ الدولي بجامعة كيل، صعود الإرهاب الأصولي منذ تأسيس جماعة الإخوان وصولا لهجمات تنظيم القاعدة على برجي التجارة في الولايات المتحدة الأمريكية.
قال "تاونزند": إن حركة الإسلام السياسي كانت حركة مهمة في مصر منذ تأسيس جماعة الإخوان على يد مدرس (وهي المرة الأولى التي لا يكون فيها ذلك على يد رجل دين) وهو حسن البنا.
في عام ١٩٢٨، كان البنا يهدف إلى مكافحة تقويض القيم الإسلامية من جانب النظام التعليمي الغربي، وكان من بين أول من وضعوا في عبارات واضحة الإسلام في مقابل «الغرب» باعتبارهما نظامي قيم غير متوافقين بالمرة.
في مصر، التي كانت خاضعة للهيمنة والتأثير السلبي البريطاني طويل المدى (الوصاية غير المباشرة) كان التوتر محسوسًا بقوة. ازدهرت جماعة الإخوان مع تأسيس ٥٠٠ فرع لها بحلول عام ١٩٤٠، ثم وصلت إلى ٥ آلاف فرع في عام ١٩٤٦، كل منها يشتمل على مسجد ومدرسة ونادٍ.
في ذلك الوقت، كانت هناك منظمة داخلية صغيرة من «الرُسل الروحانيين» الذين كانوا ينفذون عمليات إرهابية متفرقة، تهدف أولًا إلى قتل الخائنين للإسلام.
وتابع أستاذ التاريخ الدولي، أنه في أواخر أربعينيات القرن العشرين، أخذت الحكومة مجموعة من الخطوات العدوانية لسحق جماعة الإخوان؛ فحظرت الجماعة في عام ١٩٤٨، وقامت باغتيال البنا في عام ١٩٤٩.
وأشار أستاذ التاريخ لتنامي الصدام بين الجماعة والدولة بعد تأسيس جمهورية مستقلة على يد الزعيم جمال عبدالناصر، وخاصة بعد محاولة الإخوان لاغتياله في العام 1954 وصولا لإعدام أكثر خلفاء "البنا" وهو سيد قطب، المؤسس الثاني والأكثر تطرفًا في الجماعة.
كما يوضح دور الرئيس السادات في دعم نفوذ قوة الإسلام السياسي، حيث رفع الحظر عن الجماعة، حتى تم اغتياله في العام 1981 في مشهد درامي كرد فعل على تصالح السادات التاريخي مع إسرائيل، وعلى حملات الاعتقال الواسعة «للمتطرفين» الدينيين، لكنه كان يمثل أيضًا إشارة على الهجوم المتزايد على حياة الدولة المصرية العلمانية، من قبل جماعتين مروعتين انبثقتا عن جماعة الإخوان المسلمين؛ ألا وهما الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد.
ويضيف "تاونزند": أكملت جماعة الجهاد منطق حجة تيار الإسلام السياسي بالإصرار على مركزية «الفريضة الغائبة»؛ أي الصراع المسلح، لم يكن ذلك يعني الإرهاب بعد؛ إذ إن جماعة الجهاد خططت لاغتيال السادات باعتبار ذلك «انقلابًا» سيكون بمنزلة الشرارة الأولى لتمرد جماهيري عام، وهو ما لم يتحقق قط.
عانت الجماعة من قبل نظام حسني مبارك في السنوات التالية؛ إلا أن التجنيد في تلك الجماعات يبدو أنه يزداد، لا ينحسر، في ظل القمع، وفي هذه الحالة عوضوا أكثر من الخسائر التي تكبدوها مع عودة المئات من المتطوعين، الذين ذهبوا إلى أفغانستان للمحاربة في صفوف «مجاهدي» طالبان ضد الحكومة الماركسية. (للمفارقة بالطبع كان هؤلاء هم المحاربين الذين مولهم أكبر أعدائهم، الولايات المتحدة الأمريكية.)
يلفت أستاذ التاريخ إلى نقطة هامة في تطور الحركات المتطرفة وهي أنهم رغم عداوتهم للغرب واعتباره عدوا، فإنهم انخرطوا بشكل مباشر مع الغرب ومع العالم الحديث، واستفادوا من جماعات يسارية متطرفة، حيث يقول "تاونزند": أولى الجماعات الإسلامية التي برزت إلى الوجود في مصر بعد إعدام سيد قطب، كان مصدر إلهامها ليس فقط الكتابات الإسلامية، بل مبدأ «الدعاية بالفعل» الذي كان يدعو إليه المتطرفون اليساريون مثل جماعة بادر ماينهوف. في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، تحولت هذه الجماعات إلى إطلاق حملة إرهابية بالكامل تستهدف صناعة السياحة، وهو الهدف الذي كان صادمًا بصورة خاصة في الغرب، وأيضًا يتضمن هجومًا على الغرب نفسه من خلال الإضرار الاقتصادي بالدولة المصرية.
وتبع ذلك سلسلة من حملات إطلاق النار على الحافلات السياحية والرحلات النيلية في أواخر عام ١٩٩٢، سلسلة من الهجمات واسعة النطاق باستخدام البنادق الآلية والقنابل اليدوية على أهداف واضحة مثل فندق أوروبا في القاهرة في عام ١٩٩٦، ثم مذبحة قتل ٥٨ سائحًا في معبد الأقصر في عام ١٩٩٧.
كان الضرر الاقتصادي هائلًا؛ إذ فقدت الدولة فرصة تحقيق عوائد تصل إلى ملياري دولار أمريكي مع بداية القرن. وهكذا على الرغم من أن الآلية النهائية التي تستشهد بها هذه الجماعات هي الله، إذ أعلنت الجماعة الإسلامية في عام ١٩٩٦ أنها «ستواصل معركتها» في ثبات «حتى يمن الله علينا بالنصر».
ومن الواضح أنه أينما توفر للجماعات الإسلامية القوة العسكرية اللازمة مثلما هو الحال في أفغانستان فإنها لا تقصر استخدام العنف على ما يعكس حوارها البياني أو الرمزي مع الله، بل ينتقلون بمفهوم الجهاد إلى مجال الحرب المفتوحة.
وعن تنظيم القاعدة أكد "تاونزند" أن هيكلهم ظل سرًّا غامضًا، بالطبع بالنسبة للوكالات الاستخباراتية الأمريكية، على الأقل حتى هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وكان يجمع أعضاء تنظيم القاعدة فكرة جوهرية أكثر من تنظيم رسمي يوحدهم، وكانت أحداث حرب الخليج في عام ١٩٩١ سببًا في تحوُّل أسلوبها في الدفاع عن الإسلام. حتى الوقت الذي رفضت فيه الحكومة السعودية عرض بن لادن بإنشاء قوة عسكرية للدفاع عن المملكة العربية السعودية ضد تهديد الغزو العراقي، كان بن لادن ينظر إلى العمل العسكري التقليدي باعتباره عملًا في غاية الأهمية. لكن قبول السعودية التدخل الأمريكي ضخَّم بشدة في عيني بن لادن الخطر الذي يمثله الغرب، والذي تنبأ به البنا وقطب قبل وقت طويل. لقد عاد «الصليبيون»، ويجب مقاومتهم بكافة الوسائل الممكنة: ربما تتراوح هذه الأعمال بين تفجير السفارات الأمريكية، مرورًا بالتفجير الذي كاد ينجح لمركز التجارة العالمي في نيويورك في عام ١٩٩٤، إلى الهجوم على المدمرة الأمريكية يو إس إس كول في ميناء عدن في ١٢ أكتوبر ٢٠٠٠.
ربما ترجع زيادة المعدلات التدميرية لهذه الأعمال إلى الحظ، قدر ما يرجع إلى الاستراتيجية المتبعة، لكنها تشير بالطبع إلى أن إعلان بن لادن الحرب على الولايات المتحدة الأمريكية في أغسطس ١٩٩٦ كان أكثر من مجرد بلاغة خطابية. بعد تفجير نيويورك على وجه الخصوص، الذي كان من شأنه أن يتسبب في دمار هائل لولا وقوع خطأ في عملية زرع القنبلة، يشير اعتبار هجوم سبتمبر ٢٠٠١ مفاجأة كاملة تقريبًا إلى مدى سهولة التقليل من قدر مثابرة الجماعات الإسلامية وتطورها الفني. بل لقد كان رمزي يوسف، مصمم القنبلة، يخطط لتدمير برجي التجارة. وأعلن يوسف بوضوح عن أن هدفه يتمثل في جعل أمريكا تدرك أنها في «حالة حرب» من خلال تكبد خسائر على غرار خسائر هيروشيما وناجازاكي: إذ إن «هذه هي الطريقة التي ابتكرتموها … اللغة الوحيدة التي يستطيع من خلالها المرء التعامل معكم.»