بعد نصف قرن تقريبًا من المشاهدة والمتعة بقيمة التراث الفنى القديم، الذى ظهر ولمع فيه أبطال مسرحية «مدرسة المشاغبين»، التى حققت نجاحًا كبيرًا، على مدى عرضها على شاشات التليفزيون من حين لآخر، وتحولت بعد ذلك باستخدام التكنولوجيا الحديثة، من صورة الأبيض والأسود إلى الألوان، بهدف الترميم والحفاظ عليها، بالإضافة إلى إظهار ملابس الفنانين وديكور العمل بالألوان الحقيقية، ليتعارف عليها الأجيال التى لم تعاصر تلك الفترة.
تناولت إحدى المنصات المرئية والقنوات الفضائية، بث هذه المسرحية بصورتها الجديدة الملونة، بعد 48 عامًا من عرضها بصورتها الأصلية، الأبيض والأسود للمشاهدين، وذلك بعد الإعلان الرسمى لها فى عيد الأضحى المبارك الماضى، وحين عرضها لاقت هجومًا شرسًا من قبل المسرحيين والمتخصصين.
يرى بعضهم، أن عملية التحويل مرفوضة تمامًا، ودليل على الإفلاس، بينما يرحب الآخر بهذه الفكرة، باستخدام التكنولوجيا الحديثة، بشرط ألا تؤثر على محتوى العمل وجودته، فعندما تتحول الأشياء من صورتها الأصلية، المُتعارف عليها، إلى صورة أخرى دخيلة باستخدام التطور التكنولوجى، قد تفقد قيمتها وتراثها القديم.
وقالت هند صالح، نجلة الفنان الراحل سعيد صالح، أحد أبطال العرض، فى تصريحات صحفية، : «لم تعجبنى فكرة تلوين المسرحية، اتركوا الفن مثلما قدمه صُناعه»؛ مشيرةً إلى أحد الأخطاء التى لاحظتها والدتها، عندما شاهدت إعلان العمل بالألوان، انزعجت من ملابس زوجها الفنان سعيد صالح، ووصفتها بأنها لم تكن فى الحقيقة مثلما عُرضت.
«البوابة» التقت بمجموعة من المسرحيين والأكاديميين، للتعرف على وجهة نظرهم تجاه هذا الأمر.
«أسامة أبو طالب»: تلوين «الأبيض والأسود» ضد العصر والجو العام
قال الدكتور أسامة أبو طالب، أستاذ النقد والدراما بأكاديمية الفنون، ورئيس البيت الفنى للمسرح الأسبق: لا بد أن نضع كل حدث فى زمنه الحقيقى، وموقعه السليم، وهذا ما ينطبق أيضًا على الأفلام الأبيض والأسود، التى جرى تلوينها، فلا أحد يستطيع أن يصادر على أفكار أحد على الإطلاق، أو على تجارب الآخر، ولا يستطيع أن يصدر قرارا بالمنع، إنما المسألة تتوقف إلى حد كبير على التجاوب، وقياس كل شىء بقياسه التاريخى.
وأضاف «أبوطالب»: أنا لم أستمتع بالأفلام الأبيض والأسود، عندما قاموا بتلوينها، وذلك يرجع إلى أن الألوان لها أبعاد كثيرة، أولها البُعد التاريخى، وهو أنه فى فترة الثلاثينيات أو الأربعينيات لم تكن بالتة الألوان، هى نفس الموجودة حاليا، حيث صممت بالتة أخرى جديدة، للتعامل مع سابقتها التقليدية القديمة، وهى ألوان قوس قزح ومشتقاته وتدرجاته خفة وثقلا.
واستدرك : لكن نجد أن منتجات خلط مثل هذه الألوان، أيضا لم تكن هى نفسها هذه المنتجات، وبعد التقدم العلمى بما فيه استعمال الكيماويات، والتصوير، والتحميض، والعمليات الفيلمية أو الفوتوغرافية، كلها تخضع لمعادلات ومواد كيميائية من الدرجة الأولى؛ تجعل هناك اختلافا كبيرا فى المزج بين الألوان.
وتابع «أبوطالب»: أما البُعد العاطفى الوجدانى، هو أن كل شىء نميل إليه فى زمانه، فهذا الحنين للفترة التاريخية، تلك يجعلنا ننقسم إلى قسمين: الأول الذى لم يعايشها يتقبل هذا التغيير للألوان، فى حين أن الآخر تعلّق بها لأن لديه أشياء قوية، تربطه بالزمن الماضى، وهذا النوع من الألوان بعد التحويل من الأبيض والأسود، ربما يكون «بهرجة زائدة» ولا تكون دقيقة بعناية، لأنها خضعت لبالتة اللحظة الحالية أو للعصر العلمى الحالى.
وأضاف أن المسألة هنا لها ارتباطات مهمة، تكتمل وتتوحد الصورة، وتتفق مع فوتوغرافيا الصورة نفسها، من حيث الألوان، والموضة، وقص شعر الرجال، وتسريحات شعر السيدات، وتصل إلى رائحة البرفانات أحيانا لو كان للأفلام رائحة، هذه المسألة كلها تتفق مع بعضها فى سياق فنى واحد، فتسريحات الشعر، والموديلات، والموضات المختلفة.
وتابع: كل هذه المسائل لها انجذاب خاص مع بعضها البعض، ومع اللغة القوية فى لحظة زمنية فنية واحدة، وهذا ما يحدث فى الارتباط بين الصورة واللغة المنطوقة، التى تعودنا عليها فى عصرها ومع الأغانى أيضا، فعندما يتوحد كل هذا فى «هارمونى» مع التعليقات والإفيهات كلها تصور صورة تاريخية مكتملة؛ مؤكدًا أنه ضد تلوين المسرحيات، والأفلام، فكل هذا ضد العصر والجو العام.
محمد أبو العلا السلامونى: دليل على الإفلاس
وقال الكاتب المسرحى محمد أبوالعلا السلامونى، إن عملية تحويل الأعمال الفنية من الأبيض والأسود إلى الألوان تُعد دليلًا على الإفلاس، ولكن المفروض أن الواحد يعتز بقيمة وشكل التراث المصرى القديم، فعلى سبيل المثال نحن نعتز بقيمة التراث الفرعوني، وفى حالة إخضاع الأثر لبعض عمليات الترميم فإنها تتم على أكمل وجه، وذلك حفاظًا على قيمة هذا الأثر وتراثه القديم.
وأضاف «السلامونى»، أن فكرة تحويل الأشياء من القديم إلى الحديث غير محببه على الإطلاق، فإن تراث السينما المصرية والكلاسيكية يتميز بقيمته وعظمته، فعلى سبيل المثال لقد شاهدنا «شارلى شابلن» فى صورته الأبيض والأسود، فقيمته فى شكله المُتعارف عليه، إذن لا بد وأن نحتفظ بقيمة الأشياء كما هى بصورتها القديمة سواء فنيا أو ثقافيا أو اجتماعيا أو سياسيا وتظل كما هى.
عصام السيد يخشى المساس بالمحتوى
وأوضح المخرج المسرحى عصام السيد، أنه يجوز تحويل الأعمال الفنية خاصة المسرحية من الأبيض والأسود إلى الألوان باستخدام التكنولوجيا الحديثة، شرط أن لا تؤثر على محتوى العمل وجودته، فأعتقد أنها فكرة جيدة.
وأكد «السيد»، أنه فى حالة التحويل، إذا وجدنا تأثيرًا على المحتوى، لا يمكن تحويله نهائيًا، وذلك حفاظًا عليه وعلى جودته؛ مشيرًا إلى فيلم «ذهب مع الريح» الذى تحوّل من الأبيض والأسود إلى الألوان، كان بجودة عالية دون المساس بالمحتوى، وكذلك مسلسل «فريندز» إلى صيغة HD بجودة عالية أيضا وغيرها، لاقت استحسان من قبل المشاهد.
أحمد عبدالرازق يتهم التلوين بتشويه العمل الفنى
وقال الناقد المسرحى، أحمد عبدالرازق أبو العلا، إننى ضد هذا الإجراء تمامًا، وذلك لأن الأعمال الفنية «الأبيض والأسود»، تُعبر عن فترتها، ومرحلتها، وهذا التعبير مرتبط بسياق فني، واجتماعى، وثقافى، لا يمكن تغييره بإضافة ألوان باهتة، تجعل العمل يبدو مسخًا، ومشوهًا، ليس فقط للتاريخ، أو التراث الفنى، لكنه من الناحية الجمالية ليس جميلًا، لأن التقنيات ليست نفسها التى تتميز بها كاميرات اليوم.
وتابع «أبو العلا»: أعتقد أن تلك البدعة لا ينبغى أن نشجعها، على الرغم من أن أصحابها يدافعون عنها، ويتهمون معارضيهم بالتخلف، قائلا: «هذا بالنسبة لكم عمل تجارى بحت، لكنه بالنسبة لنا تشويه لتراثنا الفنى الذى ينبغى أن نعمل على ترميمه، والمحافظة على النسخ الأصلية لكل الأعمال الفنية «الأبيض والأسود».
وعلى سبيل المثال الذى يؤكد وجهة نظرى، هو قناة «ماسبيرو زمان»، لماذا يُقبل عليها المشاهد، وتُعد واحدة من القنوات المتميزة؟، لأنها حافظت على التراث الفنى والفكرى، وقدمته لنا بسياقه التاريخى والثقافى، الذى يدفعنا إلى الفخر بما لدينا، فلماذا نقوم بعملية التشويه، بزعم التحديث؟ فالتحديث ينبغى أن يهتم بترميم الأعمال القديمة، والمحافظة على النسخ الأصلية، وعدم الاقتراب منها والعبث بها، بأى وسيلة حتى لا تصبح مسخًا.
«مدرسة المشاغبين»
شارك فى بطولة العمل، مجموعة من الفنانين، هم: سعيد صالح فى دور «مرسى الزناتى»، سهير البابلى فى دور المُدرسة «عفت عبدالكريم»، عادل إمام «بهجت الأباصيرى»، عبدالله فرغلى «علام الملوانى»، يونس شلبى «منصور عبدالمعطى»، أحمد زكى «أحمد الشاعر»، حسن مصطفى «الناظر عبدالمعطى»، هادى الجيار «لطفى عبدالوهاب»، نظيم شعراوى «مراد بيه الأباصيرى» والد بهجت، سمير ولى الدين فى دور «جابر» فراش المدرسة، ديكور نهى برادة، أغانى عبدالرحمن شوقى، موسيقى وألحان سيد مكاوى، إعداد على سالم، أخرجها للمسرح جلال الشرقاوى، ونقلها للتليفزيون عبدالله الشيخ.
وتحولت هذه المسرحية بعد ذلك إلى فيلم سينمائى، لكنه لم يلقْ نفس النجاح الذى حققته المسرحية، نظرًا لاعتماده على نفس الأدوار، دون تغيير فى الشخصيات أو فى منطلقاتها، بالإضافة إلى عرضه فى وقت تزامن مع عرض المسرحية على التليفزيون.