«صور أنميشن» و«تعبيرات بلاستيكية موحدة»؛ هكذا يسارع البعض بنشر صوره الشخصية المُعدلة عبر «فلاتر تحسين الصور» أو عن طريق «تطبيقات الموبايل» التي تُنتج صورة شخصية خالية من أي عيوب، وقريبة من معايير جمالية مطلوبة لهؤلاء الأفراد الذين يدمنون نشر صورهم التي يتم تحسينها بشكل مستمر وخيالي.
ترتبط ظاهرة معالجة الصور الشخصية ومثيلتها «فلاتر تحسين الصورة» بعدة جوانب من المنطقي أن يتم الالتفات إليها، أولها الدوافع النفسية والصحية للأفراد المستخدمة لها، ومدى تأثيرها على حياتهم المهنية والوظيفية وأيضا النفسية، ثانيها الجوانب الخاصة بأمن المعلومات الشخصية واختراقات الموبايلات من قبل تطبيقات مجهولة.
رغم الانتشار السريع والمستمر لتطبيقات الموبايل الخاصة بمعالجة الصور وتعديلها فإن البعض يُفضل تجنبها بل والتحذير منها بسبب الخوف من اختراق المعلومات الشخصية المتعلقة بالمكالمات الهاتفية والرسائل والصور الخاصة.
كما تشير مثل هذه التحذيرات إلى ضرورة التعرف على الشركات المُنتجة لهذه التطبيقات التي تقدم خدماتها مجانًا، والتي عادة ما تكون شركات مجهولة وغير ظاهرة لجمهور التطبيق، وتشير أيضا إلى ضرورة قراءة النشرة التعريفية بهذه التطبيقات المُحتمل وصولها إلى معلومات شخصية واختراقات جميع الموبايلات المتمتعة بهذه الخدمة.
وربما يؤثر انتشار هذه الصور على مقاييس الجمال وتحولها من صورتها النسبية إلى تثبيت معايير تتدخل في صنعها تطبيقات الموبايل، لكن: «ما معنى لجوء جمهور فيس بوك لنشر الصور الشخصية الخالية من العيوب؟ وعلاقتها بتجميل أو تشويه الواقع؟، وتأثيرها على رفض الواقع والتخلي عن صورنا الشخصية الحقيقية؟، فهل تستثمر شركات وأطباء التجميل الصور الخالية من العيوب المنتشرة على فيس بوك؟ وما نتيجة الخلل في مفاهيم الإنسان المتعلقة بالنظرة الإيجابية لذاته ولجسده تحديدًا؟».
«البوابة نيوز» تواصلت مع استشاريى الطب والصحة النفسية الدكتور وليد هندي والدكتور جمال فرويز، وبدورهما تحدثا عن ارتباط ظاهرة الصور المُعدلة بصفات مثل الخداع والكذب والاحتيال، حيث ربطها «فرويز» بالازدواجية الدينية والتجمل الأخلاقي المنتشر في مجتمعنا، بينما اهتم «هندى» بالحديث عن قصور وانخفاض مفاهيم الأفراد تجاه ذاتهم.
وقال الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، إن تعزيز المفاهيم الإيجابية نحو الذات يضمن للإنسان التمتع بصحة نفسية جيدة، مثل الثقة بالنفس والشعور بالكبرياء الذي يُقلل الإحساس بالقلق والإصابة بالأمراض النفسية، ما يجعل الفرد قادرًا على التمتع بمباهج الحياة والقدرة على التواصل مع الناس وإقامة علاقات اجتماعية ناجحة.
ويعتقد «هندى» أن الفرد الذي يتمتع بمفاهيم إيجابية نحو ذاته يمتلك الإقبال والإقدام في المواقف الاجتماعية المتباينة، وذلك على العكس من الأفراد الذين يتبنون مفاهيم سلبية نحو ذواتهم، ما يُشعرهم بالانسحاب الاجتماعي والإحجام عن المشاركة إلى جانب الشعور بالنقص والإحساس بالعجز.
وأوضح أن أي مشكلات نفسية وسلبية تكتنف الأفراد تكون بقدر انخفاض ونقص المفهوم الإيجابي نحو الذات، كما أن النظرة نحو الذات ترتكز على النظرة ناحية الجسد، فكلما رأى الفرد جسده بصورة مُستحبة أعطاه شعورا بالرضا، ينعكس على السلامة النفسية، ويؤثر على أمنه النفسي واستمتاعه بمباهج الحياة.
وأكد استشاري الصحة النفسية، أن الإنسان دائما ما يُجاهد لتجميل صورته الشخصية باختلاف الزمان واختلاف معطيات كل عصر، فقبل عصر الإنترنت مثلا كانت المرأة تسعى لتجميل شكلها عن طريق الإكسسوار واستخدام كريمات ومُنتجات التجميل.
أما الشباب فقد اعتمدوا على تسريحة الشعر وتشبهوا بالفنانين كي يرضوا عن صورهم الشخصية إلى جانب الرغبة في معالجة حَب الشباب والنمش، ثم دخلنا في عصر عمليات التجميل وحقن البوتكس وعدسات العيون، ثم جاءت تطبيقات الموبايل التي سهلت كثيرا على الشباب ووفرت الكثير من الوقت والجهد.
«كل فرد يحب أن تنال صورته الشخصية قبولا وإطنابًا»؛ هكذا يقول «هندى» الذى يلفت إلى زيادة الرغبة في التعامل مع «فلاتر الصورة» خاصة لو كان الشخص يعاني من التجاهل والملل والشعور بالرتابة والسكون أو انخفاض مفهومه نحو ذاته، فهو يبحث عن معززات وهمية من خلال «لايكات فيسبوك» والإشادة من الأصدقاء.
وتابع: «الشخصيات التى تعانى من بعض (الديفوهات) الجسدية يلجأون لتعويضها من خلال (فلاتر الصورة)، السيدات التي تعاني من أزمة منتصف العمر تجد فيها تسلية مناسبة، السيدات التي لا تجد مالا لعمليات التجميل و(البوتكس) وغيرها يجدون تطبيقات تحسين الصورة مناسبة جدا. كبار السن من الرجال يلجأون لاستعادة رونق الشباب عبر تطبيقات الصورة. أما الشباب الذين يحافظون على رونقهم ليسوا في حاجة لرونق مصنوع».
تحدث «هندى» عن الإيجابيات والسلبيات قائلًا: «من ناحية أخرى لها إيجابيات من خلال رغبة الفرد في تحسين صورته الذاتية أمام الآخرين ورغبته في القضاء على مشكلات الوحدة الاجتماعية، لكن أهم عيوبه هي محاولة خداع الفرد للآخرين وخداع نفسه».
ومن مخاطر ذلك إصابة الشخص بالإحباط لرؤيته أن الصورة الحقيقية له أقل كثيرا ومختلفة عن التي يروجها على فيس بوك، إلى جانب تأثيرها على أدائه الوظيفي وإنجازه المهني والعملي.
وأضاف أن «فلاتر الصور» نوع من الالتفاف حول المشكلة دون حلها أو مواجهتها، كونها تُنمي قيم الخداع، كما أن الصورة تأخذ الشكل البلاستيكي الخالية من التعبيرات الإنسانية الحيوية، لذا فمن الممكن أن يفقد الفرد سلوكه الإنساني على حساب الخمول.
من جانبه؛ عَلَّقَ الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسي بالأكاديمية الطبية العسكرية، على ظاهرة انتشار تحسين الصور الشخصية عبر الفلاتر أو تطبيقات الموبايل وإعادة نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، قائلا إنها ظاهرة تمثل رفضًا للواقع المعيش، ورغبة في التعويض النفسي، ورفع الإحساس بالذات إلى جانب الشعور بالارتياح النفسي. حتى لو تظاهر أصحابها أنهم يفعلونها من باب التسلية واللعب أو لفت النظر لكنها في حقيقتها مغايرة لما يقولون.
ويعتقد أن ظاهرة نشر الصور الشخصية المُعدلة والخالية من العيوب عبر "فيس بوك ترتبط بالكذب الحياتي والعالم الافتراضي الذي نتعايش معه.
وأضاف «فرويز» أن هذه الظاهرة ليست بعيدة عن حالة بعض الأفراد الذين يغرقون صفحاتهم بأدعية دينية وابتهالات وأحاديث ومأثورات في المناسبات الدينية، لكنهم في واقعهم يتعاملون بعكس هذا الوعظ الديني، ففي حياتهم اليومية يسرقون ويكذبون ويحتالون، لذا فهذه الممارسات نوع من التجميل والكذب.
وتابع أن البعض يستغل «فيسبوك» في رسم صورة تجميلية مخالفة للواقع، لذلك نجده يستمر في نشر القيم والحث على الأخلاق والتمسح في النصوص الدينية، ولكن رسائلهم الخاصة فيما بينهم بها مراوغات وتحرش ومحاولات اصطياد وإيقاع بالآخرين، وهي ازدواجية دينية غريبة على الشعب المصري، ليست أصيلة فيه، إنما تم تصديرها للناس مع انتشار الجماعات الوهابية في أوائل السبعينيات.