قال لي هل التصوف انطواء عن الحياة وارتداء ثياب مهلهلة وحمل نبوتا خشبيا، وزعبوطا في الرأس، وتواكل على الناس؟
قلت من فعل ذلك فهو مفلس جاهل... والتصوف منه برئ براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام.
فالتصوف أسمى من ذلك وما هو إلا اهتمام بالظاهر والباطن معا.
فالصوفي جميل المظهر عالي الفكر غزير الثقافة إذا حضر في مكان يشار إليه بالبنان.
فهو مميز بين أقرانه
والصوفي الحق ناجح في حياته بشقيها العام والخاص.
فأهل الطريق إلى الله
(رهبان بالليل فرسان بالنهار ).
فصفوة المجتمع في كل زمان ومكان كانوا من أهل التصوف،وما زال وسيظل يذكرهم التاريخ بكل الخير.
كحجة الإسلام الغزالي وشيخ الإسلام العز بن عبد السلام وشيخ العرب القطب الكبير سيدي أحمد البدوي الذي ظلم هو الآخر حتى تم تسويقه إلى العامة أنه كان رث الثياب!
في حين أنه ما زالت عبائته ومسبحته الكبيرة في مسجده المبارك بطنطا علامة كبيرة على مدى الأناقة والجمال،وتناسق الألوان وروعتها.
وحديثا مولانا الشعراوي في جمال طلته،وبهاء هندامه،وشيخ الإسلام الدكتور عبد الحليم محمود والدكتور مصطفى محمود وغيرهم الكثير والكثير من رعيل التصوف في العصر الحديث.
استوقف أحد الادعياء ذات يوم القطب الصوفي الكبير أبا الحسن الشاذلي رضي الله عنه قائلا له:
كيف تدعي الزهد والتصوف وانت ترتدي أرقى الثياب؟
فقال له الشيخ الجليل:
يا بني ثيابي تقول: الحمد لله
أما ثيابك تقول: اعطوني شيئا لله
وشتان يا بني بين الحامد لله وبين الطالب من الناس!
إنها وبحق فلسفة التصوف،وفلسفة الفكر،ووضوح الرؤية،ردا على الغوغائيين الذين ضجت من رؤوس المصلحين !
حتى انك إذا هممت بنصح أحدهم تصنع الجذب والاحوال.
ولا يدري إن كان بالفعل مجذوبا فقد رفع عنه القلم فلا به نقتدي ولا عليه نعتدي ولكنه على كل لا يصلح للاقتداء.
ولقد كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جميل المحيا يرتدي أجمل الثياب وإن كنت ضد ما سوقته بعض المصادر من أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان فقيرا معدما وكان يعجبه من الثياب ما قصر!
بل كان ذا مال وجاه فهو من بني هاشم حيث المجد والشرف وكان يعمل في رعي الاغناممهنة الأنبياءثم بعد ذلك في تجارة أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها فكيف يتأتى القول بعد ذلك أنه كان معدما؟
إننا حين ندلف إلى حجرة الآثار النبوية بمسجد الإمام الحسين عليه السلام نرى مدى جمال ثيابه الشريفة حتى أن نعله الشريف مع مرور مئات السنين عليه لينطق بجمال وروعة الشكل والمظهر..
و لما كان التصوف منهجا رصينا، يعني الجانب الروحاني في الإسلام، وهو مقام الإحسان، في أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
فإنه كغيره من بقية المناهج الفكرية لم يخلوا من الدخلاء والمشعوذين، الذين ألصقوا به التهم الثقال.
ولكن هؤلاء وغيرهم كثير كالخبث الذي يلفظه بحر التصوف الزاخر بالطهر والعفاف.
فما أحوجنا جميعا إلى محاربة هؤلاء الدخلاء،بكشف الستار عنهم،لازاحة الأقنعة عن وجوههم الزائفة،بل وتمزيقها بالحجة والبرهان.
وما أحوج جل أبناء التصوف أن يقرأوا كتاب(أبجدية التصوف)لرائد العشيرة المحمدية القطب الكبير فضيلة الشيخ محمد زكي الدين ابراهيم طيب الله ثراه.
هذا المؤلف الذي يعد شجون وهموم حول التصوف، وبه الإجابة الشافية على الكثير من الأسئلة والشبهات حول الطريق الصوفي.
ولعلك تؤيدني القول وما زال الحوار موصولا مع صديقي الليبرالي أن التصوف جاء في عصرنا الراهن ضحية بين صنفين من الناس لا ثالث لهما:
متمصوف ألصق بجبين التصوف التهم الثقال،ولم يكن على قدر المسؤولية التي تشرف الطريق!
ومتمسلف لم يك منصفا في نقده بل كان متحاملا كعادته في تكفير السواد الأعظم من الأمة المحمدية وليس التصوف فحسب!
إن حبنا لأهل البيت عليهم السلام اقتداء واتباع لا ابتداع.
لانهم بأخلاقهم وهيئتهم النورانية أسروا قلوب من حولهم !
فحبنا لهم ليس طريقا للتسول والانبطاح والرجعية، بل طريقا نحو التقدم والنجاح والريادة في شتى دروب الحياة.
حين نعلن أننا نحب هؤلاء القوم يجب علينا أن نكون على قدر هذه المسؤولية الكبيرة، فكرا وسلوكا وجانبا عمليا ينعكس على أفعالنا وأقوالنا، بعيدا عن الادعاء.
آراء حرة
حوار مع ليبرالي
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق