لازالت الدولة المصرية، تبرهن على حنكتها السياسية في التعامل مع القضايا الملتهبة على الساحة، وتثبت بالفعل لا بالقول، أنها الابنة البارة للوطن العربي، القادرة على حل أزماته،وأنها الترس المفصلي بين الوطن العربي والغرب.
استضافت القاهرة الأسبوع الماضي، قمة فلطسيننية أردنية مصرية، كان من المطروح دعوة نفتالي بينت رئيس الوزراء الإسرائيلي لها ولكن على ما يبدو أن للقاهرة رؤية ذكية أرادت من خلال تلك القمة الثلاثية، وما لها من دلالات في التوقيت، أن تقوم بإحياء وانتعاشة جديدة لتدويل القضية الفلسطينية ولكن بشكل جديد.
فمصر والأردن، من الناحية السياسية هما من أكثر دول الوطن العربي أمنَا واستقرارًا الآن، كما أن مصر والأردن والإمارات هم من أكثر الدول التي لديها لغة حوار سياسية مع الغرب، أمّا جغرافيًا فمصر والأردن لهما حدود متاخمة لدولة فلسطين، ولذا كانت تلك الدولتين هما الأجدر بالحديث عن القضية الفلسطينية اليوم، ومناشدة عودة فتح مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية والتوكيد على مركزية القضية والحث على إعادة ضخ المساعدات من قبل الأونروا لتشغيل وإغاثة اللاجئين الفلسطينيين.
أمّا عن توقيت عقد القمة، فكان من الذكاء عقده في مطلع الشهر الجاري، للوقوف على أخر تطورات القضية قبل عقد القمة العربية في الجزائر التي أصرت على استضافتها هذا الخريف وقبل أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ولا سيما أيضًا بعد مرور بضعة أشهر على تولى حكومة " بينت- لابيد"، وهى الحكومة ذات الطابع الغريب والتوليفة الأغرب التي لم تشهدها إسرائيل من قبل، ولنا أن نقول أن تلك الحكومة – ربما- ستكون أكثر معارضة لحل الدولتين، وإقامة دولة فلسطين على حدود دولة 1967 كدولة منفصلة وعاصمتها القدس الشرقية وعلى الرغم من أن هناك زيارة مرتقبة بين الرئيس السيسى ونفتالى بينت، ولكن لا أحد يتوقع مواقف سياسية بعينها من تلك الحكومة الجديدة خاصة أن بينت يمنى متشدد وسيسعى لإنجاز كثير من الأمور في فترة رئاسته للحكومة قبل تولى يائير لابيد خلفا له.
ومن ثمّ، تسعى الدولة المصرية بين الحين والآخر تثبيت أقدام الدولة الفلسطينية ومبادرة إعادة الاعمار، فمحاولات إعادة الإعمار والأموال التي تٌنفق بها هي استثمار في أمن واستقرار وطن، هي أكثر فائدة من مجرد نقود تتبرع بها الدولة لوطن يعانى من الاستيطان والوعكة الاقتصادية والسياسية والانقسام.
فما أسرع السنوات التي مرت رياحها على منطقة الشرق الأوسط، وما أعجب عندما تتبدل الأقدار، ففي عام 2013م، كانوا يسعون لإقامة الوطن البديل في سيناء وتثبيت وطن غير شرعي في طرف غالى من أطراف الدولة المصرية، ولكن بعد سنوات ليست بكثيرة، أصبحت مصر هي التي تثبت أقدام وطن شرعي من أجل أبنائه، ومن أجل استقرار المنطقة بأكملها.