الثلاثاء 05 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بوابة العرب

الهروب الكبير.. «البوابة» تسرد كيف تمت أكبر عمليات هروب الأسرى من سجون الاحتلال

هروب الأسرى من سجن
هروب الأسرى من سجن جلبوع
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
  • كيف نجح الأسرى في إخفاء 17.5 طن من التراب خلال الفرار من سجن شطة؟
  • ما سر استخدام خلطة معجون الأسنان بالدواء فى الهروب؟
  • حفروا نفقًا بطول 25 مترًا بعمق مترين ونصف بـ«الملاعق»
  • فى عام 2014 وعقب عملية تهريب كبرى استبدل الاحتلال الحمامات «البلدى» بالـ«الإفرنجى» لصعوبة الحفر تحتها
  • «الصورى» استطاع قضم شباك الحمام والهرب بمنشار مخبأ في رغيف العيش
  • 100 أسير يحملون البطاقة الحمراء والتى تعنى أنه متهم بمحاولة الهرب
     

 

 


من غرفة 5 قسم 2 بدء 6 أسرى يعقدون أولى اجتماعاتهم للبحث حول كيفية الخروج من هذا الحصن المنيع، أسوار عالية والأسلاك الشائكة تكسوها، جنود الاحتلال فى كل مكان، وكاميرات المراقبة تعلو كل شبر في الأرض، فكيف ستتم عملية الهروب.
اجتماعات سرية كانت تتم كل ليلة بين أصحاب الزنزانة الواحدة وهم؛ مناضل يعقوب نفيعات، ومحمد قاسم العارضة، ويعقوب محمود قدرى، وأيهم فؤاد كمامجى، ومحمود عبد الله العارضة، وزكريا الزبيدى، ليبدأ التخطيط للعملية والاتفاق على القرار الأخير بالهروب عبر حفر نفق يبدأ من تحت المغسلة إلى الخارج ليصل طوله لعشرات الأمتار.
كان العمل يتم ليلا، وبأدوات بدائية، مهّد الأسرى كل ليلة طريقهم للحرية فى سرية تامة، إلى أن نجحوا بعد عدة أشهر وبالتجديد فجر يوم الإثنين السادس من سبتمبر 2021 بالهروب لتكتشف إدارة السجن العملية بعد تبليغ بعض المزارعين المتواجدين بجانب السجن عن وجود لصوص ليكتشفوا بعدها أن العملية ليست سرقة بل هروب من سجن «جلبوع».

ماذا يمتلك الأسير من أدوات فى السجن؟
فى سجون الاحتلال الأمر ليس أشبه بباقى سجون العالم، بل فى بعض السجون كسجن ومستشفى الرملة الأمر هناك صعب جدا لدرجة أن الأسرى يطلقون على مستشفى الرملة لفظ "السلخانة" فالأسير لا يملك من الأدوات ما يمكنه أن يحفر كل تلك المسافات والعمق بسهولة، لذا يضطر أن يستخدم الملاعق والأطباق وما يستطيع أن يحصل عليه من أدوات المطبخ ليستطيع الحفر ليلا، وهو ما يستلزم الكثير من الوقت، وفى بعض الأحيان يستخدمون أظافرهم فى عمليات الحفر.
فى عام 2014 كانت هناك واقعة شهيرة حيث اكتشف الاحتلال محاولة هروب لأسرى فلسطينيين فى سجنى شطة وجلبوع عبر حفر أنفاق من داخل زنازينهم باستخدام أدوات المطبخ لتصدر سلطات الاحتلال على الفور قرارا بمصادرة أدوات الطبخ والأكل التى بحوزة الأسرى.
كانت تلك العملية قد تمت فى أرضية المرحاض فى إحدى الزنازين، ومن ذلك الحين أصدرت مصلحة السجون قرارا عاجلا باستبدال المرحاض "البلدى" بالـ "الإفرنجى" وبناء أرضية من الباطون والشباك الفولاذية، وكما قاموا بتغيير قنوات الصرف فى أرضية ساحات السجن وفتحها يوميا للتأكد من عدم وجود تراب أو حجارة كإشارة أن هناك عمليات حفر.

 

أين ذهب تراب الحفر؟
يبقى السؤال الأكبر فى كل عملية تهريب هو أين يختفي التراب الناتج عن الحفر؟ للإجابة على هذا السؤال نعود قليلا لعدد من عمليات الحفر التى تمت بنجاح، منها كانت عملية هروب الأسير أمجد الديك والتى تمت عام 2003 تحديدا فى الثانى والعشرين من شهر مايو ولم يكتشف أمرهم سوى فى صباح اليوم التالى بعد وجود نقصان فى عدد الأسرى.
بعد عملية الهروب صرح أمجد الديك أن عملية الحفر استهلكت 17 يوما تمكنوا فيها من حفر نفق بطول 15 مترا تقريبا، وعن إخفاء التراب قال الديك أنهم كانوا يخفون التراب المستخرج داخل وتحت الأغطية المتوفرة، ولم يكشفهم أحد، وكان يقصد بتلك الأغطية هى السجاد ومراتب السرائر.
فى واقعة أخرى شهيرة كانت فى سجن شطة يروى الأسير عبد الحكيم حنيني أنهم قاموا بحفر نفق طولة 20 مترا وهو ما خلف كما هائلا من الأتربة كانت تمثل لهم عائقا يوميا، ولكن استطاعوا أن يخفوا ذلك الأمر بحيلة عبقرية.
حيث قال «حنينى»: «كنا نهرب الرمال الناتجة عن هذا الحفر فى البداية عبر الملابس إلى المغسلة عن طريق الأسير هلال جرادات بشكل يومى، وكان وراء المغسلة حمام مهجور بابه كان مغلقا نهائيا بلحام شديد، استطعنا أن نفتحه بمساعدة أسير درزى كان متواجدا معنا بالقسم، وكنا نذوب التراب يوميا بالحمام عن طريق الأسيرين (اياد القواسمى وشريف مسك) ليذهب التراب في المجاري ومن ثم نقوم بغلق الباب كما كان دون أن يظهر عليه أى آثار».
كانت تلك المرحلة الأولى ولكن في المرحلة الثانية وحتى لا ينكشف أمرهم قاموا بحفر نفق يؤدى إلى المرحاض والمغسلة حتى يقومون بتهريب التراب إليه بطريقة أسرع وأسهل حتى لا ينكشف أمرهم.

 

كيف تمت أحد أهم وأبرز عمليات الحفر فى تاريخ الهروب؟
لا تختلف عمليات الحفر كثيرا بين العملية والأخرى فجميعها تكون بأدوات متشابه حيث لا يملك الأسير في السجن كما ذكرنا سوى أدوات المطبخ، فكيف تتم عملية الحفر، لمعرفة تفاصيل أكتر نعود لواحدة كانت من أهم العمليات رغم فشلها على اللحظات الأخيرة وهي ما تمت فى سجن شطه.
فى شرح تفصيلى روى عبد الحكيم حنينى أحد المنفذين لعملية الهروب التي تمت فى سجن شطة تجربته مع الحفر ويقول: «كان من المفترض أن نحفر نفقا طوله 20 مترا بحيث يبدأ النفق من الغرفة ويمر تحت ساحة السجن ثم ينتهى من خلف سور السجون».
يصف «حنينى» الصعوبات أولا فى أرضية الزنزانة التى يراها الجنود يوميا أكثر من مرة فكان يجب أن يزال بلاط الزنزانة بشكل احترافى بحيث يستطيعون أن يعيدوه مكانه كما كان كلما انتهوا من الحفر كل ليلة، وهو ما نجحوا فيه حيث قاموا بخلعه بشفرة حديدية صغيرة بحيث لا يحدث أى كسر وعن طريق الحفر على الحدود ما بين البلاطه والأخرى بدأوا ينتزعون كل بلاطة على حدة، وهو ما استغرق 7 أيام كاملة لينتهوا من المرحلة الأولى، ولإخفاء الفراغات التى خلفها إزالة الأسمنت بين البلاط، إبتكر السجناء خلطة من معجون أسنان وحبوب دواء كانت لونها مثل الأسمنت وكانوا كل ليلية يعيدو البلاط مكانه ويضعون تلك المادة بين البلاطه والأخرى حتى لا ينكشف أمرهم.
بعد حفر مترين ونصف المتر ازداد الأمر صعوبة فما كان منهم الا أنهم قاموا بإمساك الأسير عماد عبدالرحيم من قدميه ليدخل الحفرة برأسه ويقوم بتوسعتها من الداخل وهو ما نجحوا فيه، والغريب بحسب شهادات من حضرو تلك العملية أن كل ذلك الحفر تم بالمعالق والأظافر، وإستطاع بعدها «جرادات» أن يهرب للزنزانة لوح خشب وبلاطه إحتياطيه بحسب ما روى عبدالحكيم حنينى.
كانت لتلك الخشبة وظيفة مهمة حيث تم كسرها ووضعها فى الحفرة بداية من المتر السابع لعمل جسر بالنفق لأنه هذه النقطه بالتحديد يمر من فوقها سيارات ومن الممكن أن ينهار النفق بسبب ثقل السيارات، ولكن بعد تلك النقطة تعود الأمور لطبيعتها مرة أخرى.
فى مشهد مفاجئ هجم الجنود على الزنازين بعد أن وجدوا كميات تراب غير طبيعية فى المجارى ليعلموا أن هناك عملية حفر تتم داخل السجن، بدأ الجنود يدقون على البلاط داخل الزنازين لعلهم يسمعون صوت صدى ليعلموا مكان الحفر، ولكن ما إن وصلوا إلى الزنزانة التى كان بها الحفر الحقيقى كان الجنود قد تعبوا حيث إنها الزنزانة رقم 16 فلم يفتشوا كثيرا ورحلوا.
أما صعوبة التنفس فهى من أحد الصعوبات التى يواجهها الأسرى أثناء الحفر ولكن فى عملية سجن شطة قاموا الأسرى أنابيب من القماش ووضعوها فى النفق ووضعوا المروحة على باب النفق.
استمرت تلك العملية لمدة 77 يومًا لتسفر عن نفق طوله 25 مترا بعمق 2.5 مترا خلصنا، كان من المفترض أن يهرب من تلك الحفرة 24 أسيرا ولكن بعد خروج أول إثنين انكشف أمرهم مع الثالث بسبب صوت حركته خارج النفق والتى أيقظت الكلاب البوليسية.
وقتها خرجت دورية سريعة وانكشف كل شىء ومع ذهول الضابط قال لهم: «إنتو شو! مهندسين ولا مجرمين؟».
تم عزل الأسرى وحرمانهم من الزيارة عوضًا عن تعذيبهم ليصدم الجميع بعد ذلك بأن كمية التراب التى حفروها فى كل تلك المدة قدرت بـ 17.5 طن تراب وجدتها إدارة السجون على بعد 5 كيلو كانت قد ترسب فى الصرف لكثرتها وهو ما فضح أمرهم فى البداية.

أصحاب البطاقة الحمراء
وبحسب مؤسسات الأسرى فإن هناك أكثر من مائة أسير فلسطينى يحملون البطاقة الحمراء فى سجون الاحتلال، وجميعهم متهمون بمحاولة الهرب، ومن بينهم عدد من الأسرى اتهموا بحفر نفق أسفل مرحاض فى سجن جلبوع العسكرى شمال فلسطين المحتلة عام 2014، وينتمون لحركة الجهاد الإسلامى أيضا.
وتفرض على حامل البطاقة الحمراء عقوبات دائمة، وهى عدم البقاء فى غرفة أو زنزانة واحدة لأكثر من ثلاثة أشهر، ولا في القسم الواحد لأكثر من ستة أشهر، ويتم نقل الأسير من سجن لآخر كل سنة على الأكثر، كما يخضع فراشه للتفتيش أسبوعيا وتطلق يد السجانين عليه بلا رقابة، وهو الوحيد الذي يخرج لزيارة الأهل مقيدًا.

 

الهروب الكبير من سجن غزة عام 1987
ولكن لم يكن الحفر فقط هو وسيلة الهروب الوحيدة ففى غزة عام 1987 حيث واقعة الهروب الشهيرة والتى كان بطلها الأسير مصباح الصورى والذى استطاع أن يهرب بعد أن قص قضبان نافذة الحمام.
كانت البداية حين طلب الأسير مصباح من أحد أصدقائه في الزيارات أن يحضر له نصف منشار صغير داخل رغيف خبز ليتمكن من تهريبه داخل السجن تحديدا فى شهر مايو لتبدأ تنفيذ واحدة من أشهر وأغرب عمليات الهروب.
لم يكن الأمر سهلا وكان هناك برج عسكرى يبعد عن النافذة المراد قصها بنحو 10 أمتار وهناك برج عسكرى ثان يبعد عن الغرفة 30 مترا، وكان قسم المخابرات التابع للسجن فى الطابق الأول، أسفل الغرفة التي تم الهروب منها بالضبط.
فى مدة لا تتخطى الـ13 دقيقة فى المرة الواحدة كان يقوم الأسير «مصباح» ومعه أسيران بالعمل المتواصل من أجل قصّ القضبان دون أن يلفتو انتباه أحد خصوصا وأن الحمام يرتادوه نحو 26 أسيرا الأمر الذي استغرق 7 أيام إلا أن تمكنوا فى ليلة الأحد السابع عشر من أيار لعام 1987،من قصّ قضبان النافذة بالكامل، وعندما اكتملت عملية القص، أخبر الشهيد «الصّورى» زملاءه الأسرى الخمسة الآخرين من أصحاب المحكوميات العالية بنيّته الهروبَ ليشاركوه فى ذلك.
فى تلك الليلة، كان اليهود يحتفلون بأحد أعيادهم، وكان حراس السّجن منشغلين بالاحتفال والرقص والمشروبات. يروى أبو السرهد أحد المشاركين في عملية الهروب بأنه فى الساعة الواحدة والنصف من بعد منتصف الليل ساد الهدوء فى السجن، وسكتت الأصوات الصاخبة لاحتفالات الحراس، لتبدأ حفلة مختلفةٌ لدى الأسرى، فقد اقتربت ساعة الصّفر، وبدأ الأسرى الستة التجهيز لهروبهم الكبير.
كانت الأسرى تردد الآية القرآنية «وجعلنا من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا فأغشيناهم فهم لا يبصرون»، أثناء هروبهم وذلك بعد أن وضعوا الوسائد مكانهم على لأسرّة موهمين السّجان أنهم نيامٌ.
وقد كان صالح اشتيوي أول الفارين، ثم مصباح الصورى، ومن ثمّ سامى الشيخ خليل، تلاه محمد الجمل، فعماد الصفطاوى، ثم خالد صالح.
لينجحو الأسرى الستة في الهروب بعد أن صعدوا على سطح المطبخ قبل أن ينتقلوا إلى سجن المخابرات والشرطة العسكريّة، وصولًا إلى المنطقة الشرقية لمبنى السجن، وهناك ساعدتهم أشجار الكينيا على تجاوز جدار السجن، فقد اعتلوها واستعانوا بأغصانها من أجل القفز إلى ما وراء الجدار والأسلاك الشائكة.
أما إدارة السّجن فلم تعلم بهروب الأسرى السّتة إلا بعد مرور 4 ساعاتٍ، وعلموا بذلك فى السادسة صباحًا، فى فترة العدّ الصّباحى للأسرى.

 

حمزة يونس.. مهندس الهروب
لا يمكن ذكر عمليات التهريب إلا بذكر حمزة يونس ذلك الأسير والذي استطاع أن يهرب من السجن ثلاث مرات كلها ناجحة لدرجة جعلت إدارة السجون تقف عاجزة أمام ما فعل.
حمزة يونس بطل الملاكمة المشهور فى فلسطين وابن قرية عارة جنوب حيفا أصبح إسما لا تنساه سجون الاحتلال، حيث بدأت قصته فى العام 1964 حين سجن وقتها بعد مناوشات بينه وبين صهاينة فى إحدى محطات البنزين وكان بصحبة ابن عمه الأسير مكرم يونس، وكان سبب تلك المناوشات أن أحد الموظفين فى المحطة اتهمه أنه تهرب من دفع الفاتورة وقام بإهانته، ومن ثم تجمع عدد من الصهاينة حول «حمزة» وصديقه وبدءوا بالصراخ عليهم والإشارة أنهم «عرب»، لتبدأ إشتباكات عنيفه بينهم ويهرب بعدها حمزة وإبن عمه ليعلمو فيما بعد أن أحد الصهاينة الذين كانوا من ضمن المعتدين أصيب بارتجاج فى المخ وحالته صعبة،فهربوا إلى غزة ولكن في طريق عودتهم تم إلقاء القبض عليهم.
واعتقل كليهما تحديدا في الأول من أبريل عام 1964 وتم وضعهم في سجن عسقلان، بتهمة مغادرة البلاد والعودة إليها دون تصريح، والاتّصال مع العدوّ، وتزويد العدوّ بمعلوماتٍ تضرُّ بأمن الدولة، وخيانة الدولة، وإخفاء معلوماتٍ عن رجال الأمن، والإصرار على الاتصال بالعدوّ.
ذكر «حمزة» فى مذكراته والتى حصلنا عليها أنه كان يفكر فى الهروب منذ اليوم الأول من الاعتقال، ولكن باب الغرفة المتواجد بها من الحديد الثقيل كغيره من أبواب السجون وكان يغلق بإحكام شديد فكان من الصعب فتحه أو حتى خدشه، كما ان الحراس لا يغيبون لحظة عن حراسة الباب بخلاف أسوار السجن العالية والمراقبة المشددة والأسلاك الشائكة، فالأمر كان مستحيلا جدا.
بحسب مذكرات «حمزة» قرر أن يهرب يوم السبت الموافق 17 أبريل أى بعد دخوله السجن بسبعة عشر يوما فقط، واعتمد «حمزة» خطة بسيطة جدا فى الهروب تعتمد على المباغتة والجري السريع حيث ذكر فى مذكراته أن الخطة كانت إستدراج أحد الحراس لفتح الباب الحديدي، بينما يكون الأسرى الثلاثة «حمزة» وإبن عمه «مكرم» وصديقهم «حافظ» يختبئون خلف الباب وبمجرد فتحه يفرون الثلاثة بأقصى سرعة خارج السجن وهو ما لا يصدقه أى عاقل ولكنه ما حدث.
يحكي التفاصيل «حمزة» في مذكراته قائلًا: «طلبتُ من سجينٍ يهوديٍّ، هو أصغرُ المساجين سنًا، يُدعى (شلومو) وهو فى الخامسة عشر من العمر أن يدقَّ الباب ويقول للحارس إنّ المساجين العرب أخذوا فراشه، وفى الوقت نفسه رحنا نفتعل مع سائر المساجين ضجيجًا يُوهم بالعراك، فعل (شلومو) ما طلبتُ منه، وحين نظر الحارس من طاقة الباب، طلب من الفتى السجين أن ينتظر قليلًا حتى يستدعى زملاءه لفتح الباب».
وتابع: «كانت تقاليد فتح الباب تقضي بوجود قوّة لا تقلُّ عن ثلاثة حراس ليدخل اثنان منهما فقط، ويبقى الثالث مسلّحًا خارج الباب للحراسة، استدعى الحارس زملاءه، وفى هذه اللحظة وحسب الخطة، دخل (مكرم) و(حافظ) مصالحة إلى الحمام المقابل للباب الحديديّ، بينما كَمِنتُ خلف الباب مباشرةً وتحت النافذة بحيث لا يستطيع الحارس أن يرانى عند فتحها، انتظرتُ فى موقعي وشعرتُ بأنّ الوقت يمر ببطء شديد، فضربتُ الباب برجلي، فصاح الحارس: لحظة! نحن قادمون، لا تطرقوا الباب!».
وأكمل: «سمعت وقع أقدام تتّجه نحونا، ثمّ فتح الباب بالمفتاح، وبعد ذلك فتح القفل. عندما سمعتُ فتح القفل وقفت ودفعت الباب بقوّة، ولأنّ الباب من حديد فقد توقعت أن يسقط كل من يقف خلفه، لكنى فوجئتُ به ينفتح بسهولة وأسقطنى الاندفاع فى حضن الشاويش، ولحسن الحظ أنه كان كهلًا قصيرًا أصلعًا».
وأضاف: «فى هذه اللحظة، ظهر (مكرم) من ورائى وضرب الشاويش الأصلع على رأسه فأسقطه على الأرض، بينما قمتُ بضرب العسكريّ الذي يحمل السلاح فسقط على الأرض كذلك، ثمّ ضربتُ العسكريّ الثالث. كان هذا العراك يجري أمام الحراس الجالسين فى النظارة، وعندما صاح الحارس: شرطة، شرطة! انطلقتْ صفّارات الإنذار، فاتّجه الحرّاس نحونا يحملون مسدساتهم فقط، فاشتبكنا معهم بالأيدي، وحسب تعليمات الخطّة كنا نتفادى التماسك معهم لنختصر الوقت مدركين أنّ سلاحنا الوحيد هو عنصر المباغتة واختصار الوقت ومغادرة السجن قبل أن يفيقوا من ذهولهم ويجتمعوا حولنا».
واستطرد: «استعملنا في الاشتباك الكراسى وكلّ الأشياء الموجودة فى النظارة، ونظرًا لجرح اثنين من الحرّاس، وارتفاع صراخهما، ونزيف دمائهما، فقد ساد المكان جوٌّ من الذعر والفوضى، وانتقلتْ المعركة إلى ساحة السجن حيث جاء بعض الحرّاس بالبيجامات. انطلق (مكرم) إلى الباب الخارجيّ للسجن وكان أمامه رجلٌ مسلّحٌ، وعندما رأى (مكرم) متّجها إليه حاول إطلاق النار من رشاشه، وكنتُ أجري خلف (مكرم)، فصرختُ فى الحارس فابتعد، فانطلقتُ مسرعًا خلف (مكرم)، فتناول حجرًا ليقذفنى به معتقدًا أننى من الحراس، فصرختُ به وقلت: حمزة، حمزة».
واختتم: «عندما صرنا على بعد مائة متر من مبنى السجن، بدأ إطلاق النار بشكلٍ كثيفٍ وعشوائى، لكنّنا واصلنا الجري نحو البيارة التي تقع على بعد مئتى مترٍ من ذلك المبنى الكريه، وكان حافظ قد سبقنا إلى البيارة فناديناه وانطلقنا ثلاثتنا باتجاه غزة».
نجح «حمزة» ومن معه بالذهاب إلى غزة وكانت تلك العملية مصدرا كبيرا لسخرية الإعلام الصهيونى من حكومته ومن إدارة السجون حيث نشرت جريدة «معاريف» الصهيونية فى اليوم التالى خبر الهروب تحت عنوان «هروبُ ثلاثة مساجين أمنيّين من سجن عسقلان، وقام رجال الجيش وحرس الحدود بمطاردتهم مع 152 شرطيًا معهم كلاب الأثر»، وأرفقتْ الجريدة إلى جانب الخبر رسمًا كاريكاتيريًا يُبيّن أنّ الكلاب عادت خائبةً وأن الهاربين وصلوا سالمين. أمّا جريدة «يديعوت أحرونوت» فقد نشرتْ رسمًا كاريكاتيريًا يُظهر مدير السجن ساقطًا على الأرض، بينما يمرّ من فوقه شابٌ عربيٌّ قائلا له: «عن إذنك.. أنا ذاهبٌ إلى غزة».
أما المرة الثانية فكانت فى العام 1967، حين أصيب «حمزة» بالرصاص فى قدميه بعد نفاد ذخيرته فى حرب النكسة ووقع أسيرًا فى يد قوات الاحتلال، لينجح فى هروبه الثاني من المستشفى التى كان يعالج فيها ليصل إلى عمان ومن عمان إلى بيروت لينضم هناك إلى حركة «فتح» بحسب ما ذكر، ليعتقل فى المرة الثالثة عام 1971 خلال مشاركته فى خلية حاولت التسلّل إلى فلسطين عبرَ البحر، ليحكم عليه بالسجن المؤبد فى سجن الرملة، لينجح في الهروب للمرة الثالثة، عن طريق الهروب من نافذةِ غرفة المغسلة فى سجن الرملة، حتّى وصل لبنان مرة أخرى، ورجع للعمل فى حركة فتح.