فاجأت الحكومة التونسية،الرأي العام الإقليمي والدولي، برفض استقبال رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، ردا على تصريحاته الأخيرة والتي قال فيها إن تونس تمثل مصدر قلق أمني يهدد الليبيين، بسبب إمكانية تسلل ونزوح الإرهابيين منها إلى داخل الأراضي الليبية.
تصريحات الدبيبة جاءت في أعقاب إعلان تونس، إحباط محاولة لاغتيال الرئيس قيس سعيد، وتورط قيادات إخوانية ليبية فيها، وهو ما جعل تصريحاته تبدو كالقشة التي قصمت ظهر البعير.
ويرى مراقبون أن الأمر ربما يكون أبعد من تصريحات الدبيبة، ويرتبط بخطة التنظيم الدولي
للإخوان، من أجل عزل بعض الدول، حتى يكون قادرا على فرض إرادته عليها؛ مشيرين إلى أن
هذه الخطة التي بدأت في المغرب، ربما يتم تنفيذها حاليا في ليبيا، لإبعادها عن محيطها الإقليمي، عبر دق الأسافين في علاقتها بدول الجوار.
ويؤكد متابعون أن الإخوان وقوى الشر، التي كادت تتسبب في ضياع تونس، قبل أن يتم تدارك الأمر من قبل الرئيس قيس سعيد، هي ذاتها التي دمرت ليبيا ومازالت تحاول الإبقاء على حالة الفوضى
والانقسام وعرقلة مسيرة البلاد نحو الاستقرار السياسي.
ويقول الدكتور محمد عثمان عبد الجليل، أستاذ التاريخ بجامعة الزقازيق، إن تصريحات الدبيبة تمثل
تشخيصا واقعيا لما يجري بين ليبيا وتونس.
وأضاف"عبدالجليل":"الموضوعية تقتضي القول بصحة ما جاء في تصريحات الدبيبة، وإن كان
كلامه الآن في غير محله، فلا أحد ينكر أن قيس سعيد جاء لتصحيح ما قام به قادة تونس بعد ٢٠١١، لكن هذه الأمور كان الأجدر أن تدفع حكومة الوحدة الوطنية الليبية، إلى أن تسير على خطى تونس،
في التخلص من قوى الشر وخفافيش الظلام والإرهاب، ما دام الدبيبة يعلم حجم الخراب الذي حل
بليبيا، بسبب جرائم الإخوان والميليشيات التابعة لها، كما أن هذا الوضع كان يحتم على حكومة الدبيبة، دعم جهود الرئيس التونسي في ذلك".
واستدرك قائلا:"لكن من حيث المبدأ فإنه بالفعل هناك مخاوف من تدفق الإرهابيين التابعين للإخوان
من تونس إلى ليبيا، بعد التضييق عليهم"؛ مشيرًا إلى أن الدور الإخواني المشبوه والخبيث والمحرض، ظهر في تصريحات رئيس مجلس الدولة الإخواني في ليبيا، خالد المشري، تعليقًا على الأحداث
الأخيرة في تونس، ووصفه لها بالانقلاب، لأنها أطاحت طبعا بحركة النهضة الإخوانية التي كانت
تمثل جناح الشر الآخر للإخوان في تونس.
تصريحات"المشري"، اعتُبرت تدخلا مباشرا في أجندة السياسة الخارجية الليبية، وتتعارض مع
المواقف السياسية التي يتبناها المجلس الرئاسي تجاه أحداث وقضايا دولية، هذا ما أكده عبد الجليل؛ مشيرا إلى أن تصريحات المشري وضعت السلطة الانتقالية الليبية في حرج.
أما وليد الحجام، مستشار الرئيس التونسي، فقد وضع الكثير من الأمور في نصابها الصحيح عندما
دعا إلى الكفّ عن التشويش وخلق الإثارة وبث البلبلة بين تونس وليبيا.
وأضاف"الحجّام"؛ أن ما يجمع البلدين من روابط أخوة وتعاون وشراكة، هي أقوى وأكبر من أن تتأثر بشائعات ومعلومات مغلوطة صادرة عن جهات لا تريد الخير للبلدين والشعبين الشقيقين، وأوضح الحجّام أن تبادل الزيارات على كل المستويات بين البلدين قائم، وسيستمرّ في المستقبل، لكن الظرف
الاستثنائي الذي تمرّ به تونس حاليا، فرض تأجيل بعض الاستحقاقات الثنائية، إلى تواريخ قريبة قادمة، في إشارة لزيارة رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة.
جرائم الإخوان وشهدت الأسابيع الأخيرة الكشف عن تورط قيادات جماعة الإخوان بتونس وليبيا، في تدبير محاولة لاغتيال الرئيس التونسي قيس سعيد، ردا على قراراته الجريئة ضد الجماعة وحلفائها.
الرئيس التونسي كشف، في أحد خطاباته للشعب، عن إحباط مخطط لاغتياله، وضبط عدد من المتورطين فيه.
مصادر تونسية كشفت تفاصيل المخطط، موضحة أنه كان مخططا معقدا، تورط فيه قيادات إخوانية تونسية وليبية.
وأشارت المصادر إلى أن التحقيقات مع المقبوض عليهم، توصلت إلى وجود غرفة عمليات في تركيا خططت لمحاولة الاغتيال، وعملت على التنسيق، مع الإخوان في ليبيا، من أجل نقل صاروخ أرض جو، إلى الأراضي التونسية، بمعرفة ميليشيات الجماعة، لاستهداف الطائرة الرئاسية والرئيس على متنها.
المصادر لفتت إلى أن قرار إقالة والي ولاية"بن عروس"، جاء بعد التأكد من تورطه ومعرفته بمكان تخزين الصاروخ؛ مضيفة أن الرئيس تحاشى ركوب الطائرة، خلال زيارته الأخيرة إلى فرنسا.
المصادر ذاتها أفادت بأن إحباط المؤامرة، تم من خلال تفكيك الكمبيوتر الشخصي لرئيس حركة
النهضة راشد الغنوشي، حيث تم كشف اتصالاته بزعيم تنظيم الإخوان في بريطانيا إبراهيم منير،
وبقادة التنظيم في ليبيا.
وفي وقت سابق، صرح عضو مجلس النواب الليبي، على التكبالي، بأن مسئولا ليبيا كبيرا، متورط
في محاولة اغتيال الرئيس قيس سعيد، وأن الأمن التونسي كان على علم بهذه العملية وأن قرار إغلاق الحدود بين البلدين ليس عبثيا.
ورغم رفضه الإفصاح عن هوية هذا المسئول إلا أنه كشف أنه شخصية سياسية نافذة من الغرب
الليبي متواجدة في الحكم حاليا، مضيفا أن له مصالح وعلاقات كبيرة مع تركيا.
وعي الشعب ضرورة
وتعلق البرلمانية فاطمة بوسعدة، رئيس تكتل الوحدة الوطنية الليبية النيابي، على ما يجري هناك وهناك من أحداث غرضها تعطيل التوجه نحو الانتخابات، قائلة: "وعي الشعب هو كلمة السر في إنقاذ البلاد عبر الانتخابات المنتظرة".
وأضافت"بوسعدة":"الشعب الليبي يتمسك بإجراء الانتخابات، في موعدها ٢٤ ديسمبر ٢٠٢١، كحل
لخروج البلاد من الأزمة المستمرة منذ عقد كامل"؛ مشيرةً إلى أن مجلس النواب يدرك تماما، جميع
محاولات العرقلة التي تقوم بها بعض الأطراف المستفيدة من تعثر هذا الاستحقاق، ويعمل المجلس
على الوفاء به في موعده ويجري اللازم من حيث كونه المجلس التشريعي الشرعي الوحيد في البلاد
الذي من حقه إصدار القوانين.
وتابعت بأن المجلس يعمل على تجهيز قانون انتخاب الرئيس وقانون الانتخابات العامة والدوائر
الانتخابية لتكون قاعدة تشريعية يتم على أساسها الاستحقاق الوطني المنتظر في موعده المحدد، وهو
يجرى النقاش بخصوصه خلال جلسة يوم الثلاثاء بالمجلس في مدينة طبرق دار السلام.
وأشارت إلى أن الوصول إلى هذا الاستحقاق يحتاج أيضا إلى جانب القاعدة التشريعية خطوات أخرى مهمة مثل توحيد المؤسسات خاصة المؤسسة العسكرية التي تقوم به لجنة ٥+٥ على الوجه الاكمل
مدعومة من الشعب الليبي كاملا والقيادة العامة والمسئولين الرسميين، وكذلك المصالحة الوطنية
العادلة الشاملة.
ولفتت إلى أن تكتل الوحدة الوطنية الليبية النيابي الذي ترأسه يتخذ خطوات جادة في هذا الإطار وتواصل مع عدد كبير من كبار المسئولين الرسميين والقيادات العسكرية والسياسية والاجتماعية من مختلف التوجهات والمناطق وقريبا سيتم الإعلان عن نتائج مبشرة للشعب الليبي في ما يخص موضوع
المصالحة.
دور مجلس النواب
تحديث بوسعدة عن دور مجلس النواب يقود إلى إلقاء الضوء على الانقسامات التي أضعفته، ومنعته
من أداء دوره، على مدى السنوات العشر الماضية، ومناوشات تطلقها جماعة الإخوان مدعومة من
الخارج، تتأرجح فرص حل الأزمة الليبية، بحثا عن سيناريو واقعي قابل للتنفيذ.
الأزمة الليبية التي لم تراوح مكانها منذ عشر سنوات، حققت تقدما ملحوظا في الأشهر الأخيرة، تركز في وقف إطلاق النار بين طرفي النزاع، وبدء مسار سياسي لوضع حل سلمي للنزاع، بناء على
مخرجات مؤتمري برلين الأول والثاني، اللذين تجسدا في القرار رقم ٢٥٧٠ لمجلس الأمن الدولي.
وعلى الرغم من هذا التقدم الذي كان حلما يوما ما، في ظل التدخلات الأجنبية الهائلة في الشأن الليبي، لا سيما من تركيا، فإن الأمور عادت للتعقيد والانسداد السياسي مرة أخرى، بسبب ضعف مؤسسات
الدولة الداخلية، وعدم وفائها بالالتزامات المنوطة بها.
ويأتي البرلمان الليبي على رأس هذه المؤسسات التي فشلت في أداء دورها، حتى أن البعثة الأممية
للدعم في ليبيا، اضطرت إلى إنشاء كيان مواز يضم ٧٥ شخصية، تمثل جميع طوائف الشعب الليبي، وأطلقت عليه"ملتقى الحوار السياسي"، وكلفته باتخاذ القرارات التي كان يتعين على مجلس النواب اتخاذها.
سلطة استثنائية
ويرى الدكتور إكرام بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن ملتقى الحوار السياسي،
استطاع إنجاز عدد من المهام، لكنه في الوقت ذاته لا يصلح أن يكون بديلا للبرلمان، لأنه مجرد سلطة استثنائية، أجرت مناقشات وتوصلت لتوافقات بشأن قضايا معينة، بغرض عرض اقتراحات محددة
على البرلمان، المنوط به وضعها في الإطار القانوني اللازم، وإجازتها.
وأشار"بدر الدين"، إلى أن مجلس النواب الليبي، لم ينجح في الاضطلاع بالدور الذي كان يجب أن
يطلع به، فغاص في خلافات تتعلق بإقرار ميزانية الدولة، وسحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية
الموجودة حاليا، وترك المهام الأساسية له، وأبرزها إقرار القاعدة الدستورية، والقوانين التي ستجرى بناء عليها الانتخابات المقبلة.
ووسط أجواء متوترة سادتها المناوشات والخلافات بين الأعضاء، عقد مجلس النواب الليبي عددا من
الجلسات، كان أحدثها يوم الاثنين، وحضرها ١٦٠ نائبا، من أصل ٢٠٠ نائب هم كل أعضاء البرلمان ذي الغرفة الواحدة.
المجلس بحث خلال جلسته، برئاسة المستشار عقيلة صالح، الطلب المقدم من الحكومة بتحديد نقاط
الاستجواب الموجه لها بشكل دقيق ومحدد، وتم اتخاذ قرار بتشكيل لجنة من النواب، تضم ممثلين
لجميع لجان المجلس، من أجل إعداد نقاط الاستجواب بشكل دقيق، وإحالتها للحكومة لدراستها
والاستعداد للرد عليها، في جلسة تعقد الأسبوع المقبل. أما فيما يتعلق بإنجاز قانون الانتخابات فإن المجلس قرر تشكيل لجنة من أعضائه لإعداد مقترح
بالدوئر الانتخابية، وتوزيع المقاعد، لعرضها في جلسته الأسبوع المقبل، وانتهى الأمر إلى تعليق
جلسة اليوم إلى غد الثلاثاء لاستكمال مناقشة جدول الأعمال. ونعود إلى الدكتور إكرام بدر الدين،
أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الذي علق على هذه المعلومات قائلا: "مجلس النواب الليبي يعاني خلافات خطيرة، تؤدي إلى إصابته بالشلل عند مناقشة الموضوعات
المهمة، مما يدفعه إلى الاتجاه لصناعة معارك جانبية، تهدر المزيد من الوقت الذي لم يتبق منه على
موعد الانتخابات سوى أيام". وأضاف "بدر الدين": "أحذر من أن استمرار هذا الأسلوب في التعامل مع القضايا المهمة، ولا سيما الخاصة بالانتخابات،
سيؤدي إلى فوات فرصة إحلال السلام في ليبيا، مما يشعل الصراع العسكري مجددا، الأمر الذي
سيكون تأثيره كارثيا هذه المرة".
اجتماع الجزائر وليبيا
الشعور بخطورة الموقف، وصل سريعا إلى الدول المعنية بالأزمة الليبية، التي استجابت فورا لدعوة
الجزائر من أجل عقد اجتماع تشاوري لدول الجوار الليبي، والدول المعنية بإنهاء النزاع، على مستوى وزراء الخارجية.
الاجتماع تشارك فيه بجانب الجزائر وليبيا، كل من: مصر، وتونس، والسودان، والنيجر، وتشاد،
بالإضافة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، ووزير خارجية الكونغو الديمقراطية، رئيس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي، ومفوض الاتحاد الأفريقي للشئون السياسية وقضايا السلم والأمن، والمبعوث الأممي إلى ليبيا.
الاجتماع حظي بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، التي أعربت وزارة خارجيتها عن أملها في أن
يسفر عن تقدم في سيناريوهات حل الأزمة، بما يسمح بحلحلة الخلافات والتوصل إلى حلول عملية
تنهي حالة الانسداد الحالية.
وزير الخارجية الليبية، نجلاء المنقوش، قالت في كلمتها الاجتماع، إن بلادها تتطلع إلى بناء شراكة
إستراتيجية مع دول الجوار، بعد أن تجاوز مرحلة توحيد مؤسسات الدولة، حتى يمكن توحيد المؤسسة العسكرية، العصية على تحقيق هذا الهدف حتى الآن.
"المنقوش" دعت إلى بلورة رؤية موحدة لدول الجوار، والتنسيق لمراقبة الحدود، ومعالجة ظاهرة
الهجرة غير الشرعية، وتبادل الخبرات دعما لمبادرة الحكومة الليبية لاستعادة الاستقرار.
بدوره؛ قال رمطان لعمامرة، وزير خارجية الجزائر، البلد المستضيف، إن أمن واستقرار ليبيا، جزء من أمن واستقرار دول المنطقة، مطالبا بوضع حد للتدخلات الخارجية في الشأن الليبي، والعمل على تعزيز الجهود لتحقيق تسوية نهائية للأزمة التي طال أمدها. المبعوث الأممي يان كوبيش، شدد هو
الآخر على حاجة ليبيا إلى إطار قانوني، وقاعدة دستورية، تصدر قريبا، من أجل إجراء الانتخابات
في موعدها نهاية العام الجاري، داعيا في الوقت نفسه دول الجوار، إلى الانخراط في جهود سحب
القوات الأجنبية والمرتزقة ودعم مسار تسريح المجموعات المسلحة وإعادة إدماجها.
أزمة الميليشيات
ويعلق الدكتور فتحي العفيفي، أستاذ الفكر الاستراتيجي، على تلك التطورات؛ مؤكدًا أن اجتماع
الجزائر، يستهدف تحريك المياه الراكدة، لكنه لن يقدم جديدا بحسب توقعه.
وأوضح "العفيفي"، أن الاجتماع لا يملك آلية لإصدار قرارات، أو ضمانة للالتزام بما سيتم الاتفاق عليه؛
مشيرا إلى أن غياب أطراف فاعلة عنه مثل: الولايات المتحدة، على الرغم من دعمها له، وروسيا
الموجودة في الأزمة منذ بدايتها.
وتابع:"اجتماع الجزائر لم يناقش أزمة وجود المرتزقة والقوات الأجنبية، ولا الآلية الواجب اتباعها
لطردهم من البلاد، ولا حتى كيفية إنجاز الانتخابات في وجودهم، الذي يبدو أمرا واقعا لن يمكن تغييره خلال المدة الباقية على هذا الاستحقاق المصيري". وحذر "العفيفي"، من أن بقاء الميليشيات في ليبيا، يمثل خطرا أمنيا داهما يهدد بانهيار العملية السياسية
بالكامل، في ظل استخدام الإخوان لهذه الميليشيات، في مناوشات تستهدف إشعال الأوضاع وضرب
وقف إطلاق النار، لإدارة رحى المعارك مرة أخرى.
وأتم بالقول:"مناوشات الإخوان لعرقلة المسار السياسي، تعتمد كليا على وجود الميليشيات، ما يعني
أنه قد لا يمكن الوصول إلى إجراء الانتخابات في وجود هذه الميليشيات، ما يستلزم وقفة حازمة من
المجتمع الدولي لتصفية هذه العقبة قبل أن تؤدي إلى ضياع كل شيء".