شهد مهرجان فينيسيا السينمائى الدولى عددًا من عروض الأفلام، منذ انطلاقه الأربعاء الماضى، والتى حقق بعضها ردود فعل إيجابية من جانب النقاد، ولم يكن البعض الآخر على المستوى المنتظر.
البداية مع فيلم الافتتاح «Parallel Mothers» للمخرج الإسبانى بيدرو ألمودوفار، والذى يعود به إلى البندقية بعد غياب دام ٣٣ عامًا، وحاز على إشادات واسعة عقب عرضه.
فى الفيلم يرصد ألمودوفار قصة جانيس وآنا اللتين تلتقيان بالصدفة داخل غرفة واحدة بالمستشفى استعدادًا للوضع، فتحاول جانيس مساعدة آنا على تجاوز مخاوفها من الأمر وخلال هذه الفترة تنشأ بينهما علاقة صداقة تُغير حياتهما للأبد.
ويعتبر أوين جليبرمان، الناقد بموقع » variety»، ألمودوفار راويًا بارعًا ينظر إلى الأمومة المنفردة من منظور التشويق المنزلى. لا يوجد تضارب خاطئ على مستوى القصة، ولا تضليل فى العمل.
ويدرك الفيلم أن كلا من جانيس وآنا تتحملان عبئًا هائلًا، ومع تطور أوضاعهما، يبقينا الفيلم على اتصال بكيفية تشابك العاطفة والقلق واللوجستيات الخاصة بالأمومة.
وتطرق جليبرمان إلى أن البعد السياسى للفيلم قوى للغاية، حيث يتم فتح المقابر الجماعية لعائلة جانيس وهم ضحايا لفظائع نظام فرانكو المستبد.
وقد تتساءل فى البداية عن كيفية ارتباط هذا الخط ببقية الفيلم. سيدتان تتحدان لمواجهة فرح وآلام الأمومة؛ القتل التاريخى للمدنيين. إنهما مرتبطان بالفعل لأن الفيلم يدور حول كيف أن الدافع الذى يدفعنا لإعالة عائلاتنا، مهما كان التحدى، ليس أقل من قوة الحياة المستمدة من الأجيال والمحتفظ بها داخلنا. فى النهاية، عندما يوحد الفيلم تلك القوة بشكل واضح، فإنها واحدة من أكثر اللحظات المؤثرة فى أفلام ألمودوفار.
ويرى زان بروكس، الناقد بموقع «الجارديان»، أن ألمودوفار عالج تقلبات الحبكة وخداعها ويصبح احتفالًا قويًا ودافئًا بالتضامن النسائى والعائلات المؤقتة التى تعمل كقوارب نجاة لأولئك الذين يشعرون بالضياع. تحب الأمهات بعضهن البعض وتربى أطفالهن بأفضل ما يمكن.
المشكلة هى أن جانيس تعرف الحقيقة وأن آنا لا تعرفها، وهذا الخداع وتداعياته هو الذى يوجه الفيلم نحو الفصل الثانى الأكثر غرابة والأكثر قتامة. وذكر بروكس أن الفيلم ذات نزعة شاقة ومأساوية لكنه ينحنى فى النهاية برسالة أمل. إن دلالات ألمودوفار واضحة من خلال مواجهة جرائم الماضى (سواء كانت حديثة أو تاريخية)، وأنه يمكن لمواطنى إسبانيا المعاصرين المتعثرين تصحيح الأمور والمضى قدمًا.
وأشار لى مارشال، الناقد بموقع «Screen Daily»، إلى أن ألمودوفار يعود إلى منطقة مألوفة كمرثية خالصة يلعب فيها القدر والفرصة دورًا رئيسيًا، وكفيلم نسائى، وكتأمل فى العلاقات بين الأجيال وسوء الفهم. كما يتطرق الفيلم لإشكالية أخرى عن أولئك الذين قُتلوا على يد نظام قمعى.
وينعكس هذا الجدل المستمر حول الذاكرة التاريخية والبحث عن قبور مجهولة، وهى رغبة لدى ألمودوفار لكشف الحقيقة والمساءلة والبحث عن الهوية الذاتية.
أما نيكولاس باربر، الناقد بموقع «Indiewire»، يذكرنا مرة أخرى بالأجواء الألمودوفارية، حيث نستقر فى تلك الشقق الأنيقة ومقاهى مدريد المشمسة، ونعجب بالأثاث والملابس الأنيقة التى تحتوى على الألوان الحمراء والزرقاء والصفراء والخضراء النابضة بالحياة؛ نسمع موسيقى الأوركسترا الخافتة لألبرتو إجليسياس، بينما تتقلب الحبكة وتضيق؛ ونرى بينيلوبى كروز تجتاحنا وكأنها عاصفة قوية وفى نفس الوقت جميلة.
وأقيم يوم الجمعة الماضى، العرض العالمى الأول لفيلم الدراما «Spencer» للمخرج بابلو لارين، والمشارك ضمن عروض المسابقة الرسمية التى يترأس لجنة تحكيمها المخرج الكورى بونج جون هو.
وعقب انتهاء عرض الفيلم الذى تقوم ببطولته النجمة الأمريكية كريستين ستيوارت، حصل الفيلم على تحية من الحضور لمدة ٥ دقائق متواصلة، كما حاز على إشادات نقدية واسعة سواء على مستوى القصة أو أداء ستيورات فى شخصية الأميرة ديانا.
وقال أوين جليبرمان، الناقد بموقع «variety»، أت فيلم «Spencer» تم إنتاجه إلى حد كبير بروح فيلم لارين السابق «Jakie»، والتى صورت خلاله ناتالى بورتمان ببراعة جاكى كينيدى خلال الأسبوع الذى تلا اغتيال زوجها جون كنيدى.
هنا كذلك تجد الأميرة ديانا (كريستين ستيوارت) نفسها فى مواجهة لحظة مصيرية من الحقيقة والتحول. تدور أحداث الفيلم بالكامل خلال عطلة الكريسماس، بعد نحو ١٠ سنوات من حفل زفاف ديانا والأمير تشارلز عام ١٩٨١، ويتخذ شكل يوميات متلصصة لما تمر به ديانا عندما أدركت خيبة أملها مع حياتها.
وأضاف أن الفيلم هو دراما تأملية حميمة تبقى أقرب ما يمكن إلى كل ما نعرفه عن ديانا. ينعكس تصميم الإنتاج الرائع، الذى صممه جاى هندريكس دياس، على التصميمات الداخلية لمدينة ساندرينجهام من الستائر المزخرفة وورق الحائط المذهب، والمنحوتات، والضوء الدافئ للستائر، واللوحات والمفروشات والمرايا. يصور لارين القصر على أنه سجن مشدد كان يصنع نسخة ملكية من «The Shining».
كما يرى جليبرمان، أن لارين حول بطلته إلى سندريلا عصرنا الواقعى. حيث يتمتع الفيلم بالجرأة والخيال لتصوير ديانا ليس على أنها «أميرة» أو كأميرة متمردة أيضًا، ولكن بصفتها امرأة من لحم ودم، ليخلق صورة كنوع من إسقاط الحلم على حياتها الداخلية.
وعن أداء كريستين ستيوارت، ذكر أنها لا تقوم فقط بانتحال هوية ديانا (على الرغم من أنها رائعة على مستوى انتحال الهوية). هى تتحول، تغير إيقاعها، نرى صدى، ربما، لعلاقة ستيوارت المتناقضة مع النجومية والشهرة كذلك، وهو ما نراه فى (ديانا ستيوارت) امرأة ذات أناقة محلية مع لمعان يتدفق منها، باستثناء أن جزءًا منها مدفوع لسحق هذا الإشراق، لأن حياتها أصبحت حطامًا.
أما جوناثان رومنى، الناقد بموقع «Screen Daily»، ذكر أنه يتم تصوير تجربة ديانا خلال الأيام الثلاثة التالية لعطلة حفل عيد الميلاد. تقضى الكثير من الوقت بمفردها، أو فى صحبة عدائية إلى حد ما، حيث ندرك مدى قسوة وجودها الملكي؛ فهى منعزلة ومساء فهمها، تتجول فى مملكة ليست ملكها، لا تُمنح فقط جدولًا زمنيًا صارمًا لوجبات عائلية محطمة للروح، ولكن خزانة ملابسها مرتبة مسبقًا بدقة فى انعدام تام لوجود أى مساحة للمعارضة.
وقال ديفيد رونى، الناقد بموقع «Hollywood Reporter»، أن لارين سلط عدسته المخترقة عاطفيًا قبل ٥ سنوات على جاكلين كينيدى، وهى تترنح فى أعقاب صدمة اغتيال زوجها.
فى حين أن الفيلم الجديد لديه علاقة حميمة مماثلة، إلا أنه يفحص امرأة أخرى وهى تواجه حتمية أزمة متصاعدة، تتوقع وهجًا قاسيًا من الأضواء التى أحرقتها بالفعل فى مناسبات متعددة.
كما أكد على أن لارين والكاتب المشارك ستيفن نايت، حرصا على عدم تجريد الشخصيات المحيطة بديانا من إنسانيتها، ما يجعلنا فى النهاية نكتشف لماذا أصبحت ديانا تُعرف باسم «أميرة الشعب»، التى اكتسبت شعبية ربما أثارت غضب أفراد العائلة المالكة المنعزلين. لكن هذا التصور مروع للغاية لامرأة بمفردها، مدركة أن خياراتها بدأت تنفد.
وذكر بيت هاموند، فى مقاله بموقع «Deadline»، أنه لا يمكنه قول ما يكفى عن أداء ستيوارت، التى انتقلت من انطباع شخصية مستحيلة التأريخ جيدًا لتحقيق جوهر ما هى عليه بشكل جميل. وتأخذ القصة منعطف مرير ومتحرك ومذهل تمامًا، يأخذ ديانا إلى أسفل الطرق التى لم نشهدها تمامًا كما فى هذا التصوير الساحر.
وفى نفس اليوم أيضًا، أقيم العرض العالمى الأول لفيلم الخيال العلمى المنتظر «Dune» للمخرج دينيس فيلنوف، ضمن عروض خارج المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائى الدولى فى نسخته الـ٧٨، والمقامة حتى السبت المقبل.
وقد أثار الفيلم عقب عرضه انقساما فى آراء النقاد الذين رأى عدد كبير منهم أن رواية فرانك هربرت الكلاسيكية لا تزال عصية على التناول البصرى، ليظل السؤال هل استطاع المخرج الكندى أخيرًا انصاف قصة هربرت «سينمائيا"؟!
وبحسب سكوت كولرا، الناقد بموقع «IGN»، فإنه لسوء الحظ، الجواب.. ليس تمامًا. على الرغم من التصوير السينمائى المذهل وقائمة نجوم الدرجة الأولى والتناول الرائع للجوانب الأكثر ذكاءً فى رواية هربرت، فإن هذا الإصدار الفيلمى من «Dune» لا يعمل بشكل متكامل.
يرى كولرا، أن فيلنوف بمساعدة فريق الكتابة إريك روث وجون سبايتس، اتخذوا قرارًا سليمًا على ما يبدو بتقسيم الرواية إلى فيلمين منفصلين، لذلك فالفيل يعتبر الفصل الأول من جزئين فى هذه القصة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن المعالجة لا تسمح بظهور اللحظات الصغيرة فى الرواية أو جعل الشخصيات الداعمة تتنفس بحرية أكثر، وأن أكبر خطأ وقع فيه فيلنوف هو مدى تشوه وتثاقل النصف الأول وهو ما أثر على الجزء الثانى وجعله كما لو أن الفيلم لا يعرف كيف وأين ينتهى.
أما زان بروكس، الناقد بموقع «الجارديان»، والذى منح الفيلم العلامة الكاملة، يرى أن السينما التجارية فى أفضل حالاتها من التألق والابهار، وأن ملحمة فيلنوف الخيالية ذات الميزانية الكبيرة لا يجب بالضرورة أن تكون غبية أو مفرطة النشاط.
وذكر أوين جليبرمان، الناقد بموقع «Variety»، أن نسخة فيلنوف مذهلة وجذابة وتتميز باتساع مهيب، ومعظم جوانبها منطقية بالفعل، ويمكننا القول بأنها تحفة فنية مقارنة بنسخة لينش، فلقد نجح فى بناء عوالم مذهلة ولكن لم يوفق على مستوى رواية القصة التى تفتقد للنبض.
أما ديفيد إلريش، الناقد بموقع «Indiewire»، قال إن الفيلم يمثل خيبة أمل كبيرة للجمهور، وجزء كبير من الأزمة يتمثل فى السيناريو الذى يتعمق فى رواية هربرت بشكل سطحى ومحبط خاصة فى النصف الأول.