ألقي قداسة البابا تواضروس الثاني عظة مطولة شملت دروسا في الحكمة كان في مقدمتها عدم الاختلاط بالاشرار والغيرة منهم
بدأ البابا بقراءة مزمور رقم ٣٧،
"لاَ تَغَرْ مِنَ الأَشْرَارِ، وَلاَ تَحْسِدْ عُمَّالَ الإِثْمِ، فَإِنَّهُمْ مِثْلَ الْحَشِيشِ سَرِيعًا يُقْطَعُونَ، وَمِثْلَ الْعُشْبِ الأَخْضَرِ يَذْبُلُونَ. اتَّكِلْ عَلَى الرَّبِّ وَافْعَلِ الْخَيْرَ. اسْكُنِ الأَرْضَ وَارْعَ الأَمَانَةَ. وَتَلَذَّذْ بِالرَّبِّ فَيُعْطِيَكَ سُؤْلَ قَلْبِكَ. سَلِّمْ لِلرَّبِّ طَرِيقَكَ وَاتَّكِلْ عَلَيْهِ وَهُوَ يُجْرِي، وَيُخْرِجُ مِثْلَ النُّورِ بِرَّكَ، وَحَقَّكَ مِثْلَ الظَّهِيرَةِ. انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاصْبِرْ لَهُ، وَلاَ تَغَرْ مِنَ الَّذِي يَنْجَحُ فِي طَرِيقِهِ، مِنَ الرَّجُلِ الْمُجْرِي مَكَايِدَ. كُفَّ عَنِ الْغَضَبِ، وَاتْرُكِ السَّخَطَ، وَلاَ تَغَرْ لِفِعْلِ الشَّرِّ، لأَنَّ عَامِلِي الشَّرِّ يُقْطَعُونَ، وَالَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ الرَّبَّ هُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ. بَعْدَ قَلِيلٍ لاَ يَكُونُ الشِّرِّيرُ. تَطَّلِعُ فِي مَكَانِهِ فَلاَ يَكُونُ. أَمَّا الْوُدَعَاءُ فَيَرِثُونَ الأَرْضَ، وَيَتَلَذَّذُونَ فِي كَثْرَةِ السَّلاَمَةِ."
أشار البابا تواضروس أنه سيكون المزمور ٣٧ مدار تأملنا لعدة أسابيع في وصايا كثيرة ومتعددة ونضعها تحت عنوان "دروس في الحكمة"،
واضاف أنه يقدم لنا عبر داود النبي دروس في الحكمة. أحب أن أتأمل معكم في هذا المزمور، ولهذا المزمور صفات خاصة ويسمى "بأدب الحكمة" أو "خزانة الحكمة" ويمكن أن نسميه "دروس أولية في حياة الحكمة"، كيف يتعلم الإنسان حكمة الحياة؟، لذلك أنا أعتبر هذا المزمور لحياة الإنسان، المزمور مكون من ٤٠ آية يشتملوا على أشياء كثيرة تخص حياة الإنسان، يتحدث عن الإنسان في مراحل عمره المختلفة، ويتحدث عن المشكلة الرئيسية التي تشغل الإنسان في كل الزمان وهى "ماهو الفرق بين الأبرار والأشرار" لماذا يوجد أشرار ناجحين وأبرار متألمين؟! وهذه مشكلة يواجها الإنسان عبر الزمان وحتى داود النبي واجها من ضيقاته في أحد الأيام وقف أمام الله وقال "إِلَى مَتَى يَا رَبُّ تَنْسَانِي كُلَّ النِّسْيَانِ؟ إِلَى مَتَى تَحْجُبُ وَجْهَكَ عَنِّي؟" (مز ١٣: ١). رغم أن داود إنسان بار وقال عن نفسه "أَمَّا أَنَا فَصَلاَةٌ." وشهد له الله قال عنه "فتشت قلب عبدي داود فوجدته مثل قلبي" ونحن نقرأ جزء من مزاميره قبل قرأة العهد الجديد في القداس والمزامير تمثل العهد القديم وكأن داود يمثل العهد القديم كله، القضية تشغل الإنسان لماذا يارب هناك أشرار متنعمين والأبرار متألمين؟ وفي المزمور يقدم فلسفة الحياة ورؤية الله لهذا الأمر، وهذا المزمور قصيدة حكمة موجها للإنسان وهناك عبارات كثيرة في هذا المزمور مذكورة في سفر الأمثال فهو ممتلئ بالحكمة، ويدور حول الفرق بين النجاح القصير للأشرار ومعونة الله المستمرة للأبرار، ويدخلنا في نقطة فلسفية "ماهية العدالة الإلهية" وهذه قضية كبير جدًا ويمكن أن تشغل محاضرات كثيرة ولكن نحن نأخذ فقط الجانب الروحي الذي يخص حياتنا كلنا، ويسمى هذا المزمور "مرأة العناية الإلهية" ومن الأشياء الجيدة عندما تدرس الكتاب المقدس أن تبحث عن مواضع عناية الله بالإنسان، وقيل عن هذا المزمور "دواء ضد التذمر" والتذمر صفة إنسانية متعبة والآباء الذين فسروا هذا المزمور أعتبروه دواء ضد التذمر، ومجموعة أخرى من المفسرين أخذوا آية من سفر الرؤيا وأطلقوها على المزمور " هنا صبر القديسين"، " بصبركم تقتنون أنفسكم" فالصبر هو الوسيلة التي بها يقتني الإنسان نفسه، المزمور يقوم بعمل مقارنة بين سعادة الأشرار الوقتية ومكافأة الأبرار الدائمة، ونجد هذه القضية في سفر الجامعة وسفر أيوب، ولكن أريد أن تعرف أن هذا المزمور ليس ترنيمة أو مرسية ولكنه حكمة، والحكمة نتعلمها واضاف أنه على مدار حياتنا كلها، مدخلنا للمزمور أن داود النبي يريد أن يقول لنا أن نضع ثقتنا في الله ولا تدع ثقتك تهتز، ونصلي في صلواتنا "ضابط الكل" الله ضابط الكل هو يضبط كل شيء، ثقتك التامة في الله أنه يقود حياتك مهما كان أمامك من ما يفعله الأشرار، لا يوجد شيء بعيد على يد الله حتى الأشرار وأن كان الله يعطي فرصة للأشرار، كما في مثل الحنطة والزوان الحنطة هى القمح ولكن الزوان نبات ضار "دعهما ينميان معا" في المعنى الروحي الله يعطي فرصة للأشرار للتوبة وهذه ما نسميه فرصة العمر، الله يعطي العمر للإنسان ليتوب مثل القديس أغسطينوس شفيع التائبين، والقديسة مريم المصرية والقديس بولس، ضع ثقتك الكاملة في الله وتأكد من فشل الأشرار في نهاية المطاف ودائما يكون مصيرهم الهلاك، وتعب الصديق وقتي وعقاب الشرير أبدي.
وهذا المزمور من المزامير الأبجدية كل آيتين يبدأوا بحرف من حروف الأبجدية العبرية مثل مزامير (٩ - ٢٥ - ٣٤)، وهذا المزمور يحتاج أن تقرأه مرات كثيرة وهو "كلمات مشجعة في أزمنة الضيق وفي رحلة الحياة"، وهذا المزمور مرتبط بالمزمور ٧٣ "وَأَنَا بَلِيدٌ وَلاَ أَعْرِفُ. صِرْتُ كَبَهِيمٍ عِنْدَكَ. وَلكِنِّي دَائِمًا مَعَكَ. أَمْسَكْتَ بِيَدِي الْيُمْنَى. بِرَأْيِكَ تَهْدِينِي، وَبَعْدُ إِلَى مَجْدٍ تَأْخُذُنِي.مَنْ لِي فِي السَّمَاءِ؟ وَمَعَكَ لاَ أُرِيدُ شَيْئًا فِي الأَرْضِ." يتكلم بصيغة مشابها لمزمور ٣٧، ويرتبطوا بسفر الأمثال أيضًا " فم الأشرار أكاذيب"، ومن الأشياء المهم أنه ذكر كلمة الشرير في هذا المزمور ١٤ مرة.
حذر أيضا "لاَ تَغَرْ مِنَ الأَشْرَارِ، وَلاَ تَحْسِدْ عُمَّالَ الإِثْمِ، فَإِنَّهُمْ مِثْلَ الْحَشِيشِ سَرِيعًا يُقْطَعُونَ، وَمِثْلَ الْعُشْبِ الأَخْضَرِ يَذْبُلُونَ" وهذه الآية مدخل للقضية وكلمة "لا تغر" تكررت ثلاث مرات، فهو يقدم لنا تشبيه مريح أن الشرير مثل العشب سطحي وبلا قيمة وليس له جذور وتحرقه الشمس سريعًا، والشمس تعبير رمزي عن يوم الدينونة، دائما يشبة الأشرار بالحشيش الأخضر بلاقيمة وبلا مستقبل ويذبل سريعًا ولكن عندما يتكلم عن الأبرار مثل أرز لبنان يسموه أرز الرب لأن الأبرار ينتموا لله "اَلصِّدِّيقُ كَالنَّخْلَةِ يَزْهُو، كَالأَرْزِ فِي لُبْنَانَ يَنْمُو." (مز ٩٢: ١٢). " وقارن بين الحشيش الأخضر ونخلة عالية، لذلك يقول "لا تغر " يريد أن يقول لنا لا تتذمر لنجاح الأشرار لأن نهايتهم قريبة،النجاح الخارجي نجاح زائل ومؤقت وإلى لحظة، في سفر الأمثال يقول آيات مماثلة "لاَ تَغَرْ مِنَ الأَشْرَارِ وَلاَ تَحْسِدِ الأَثَمَةَ" (أم ٢٤: ١٩)، "لاَ تَحْسِدْ أَهْلَ الشَّرِّ، وَلاَ تَشْتَهِ أَنْ تَكُونَ مَعَهُمْ،" (أم ٢٤: ١). "كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ الْخَطِيَّةَ يَفْعَلُ التَّعَدِّيَ أَيْضًا. وَالْخَطِيَّةُ هِيَ التَّعَدِّي." (١ يو ٣: ٤).
المرحلة الأولى: هى مرحلة الحسد "لاَ تَحْسِدْ عُمَّالَ الإِثْمِ".
المرحلة الثانية: الحسد يولد الغيرة.
المرحلة الثالثة: الغيرة تولد الغضب والتذمر "كُفَّ عَنِ الْغَضَبِ، وَاتْرُكِ السَّخَطَ"،الغضب يوصل إلى خطايا كثيرة فانتبه لنفسك.
يقول عن الأشرار "مِثْلَ الْحَشِيشِ سَرِيعًا يُقْطَعُونَ، وَمِثْلَ الْعُشْبِ الأَخْضَرِ يَذْبُلُونَ" كناية عن العمر القصير، كناية عن تفاهت الجدوى والهلاك السريع.
واختتم أن الخلاصة: الحسد يعدم الإنسان من خيرات الله نفسيًا وجسديًا، الإنسان الحسود يشبه الصدأ "الغيرة وحش يأكل نفسه بنفسه" انتبه لنفسك وهذا كله دعوة لحياة البر، الخلاصة أن نجاح الأشرار خادع ولا يعيش طويلًا، والأبرار يصفهم المزمور الأول "فَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِي الْمِيَاهِ، الَّتِي تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي أَوَانِهِ، وَوَرَقُهَا لاَ يَذْبُلُ. وَكُلُّ مَا يَصْنَعُهُ يَنْجَحُ." (مز ١: ٣). الخلاصة يا أخوتي "لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟" (مر ٨: ٣٦). هذا المزمور من أدب الحكمة وأريد أن تقرأه أكثر من مرة وممكن على أجزاء وتأخذ منه فقرات وتستخلص منها دروس للحكمة، ونعتبر تأملنا في هذه الليلة هو بداية هذه الدروس "دروس في الحكمة" يقدمها لنا داود النبي من خلال المزمور ٣٧، أقرأ المزمور وتأمل في كلماته، وسوف نأخذ خلال الأسابيع القادمة بعض الأجزاء ونأخذها كدرس من دروس الحكمة نتعلم منها حكمة الحياة التي نعيشها.
البوابة القبطية
37 محورًا فى عظة قداسة البابا تواضروس الثاني
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق