ما جرى فى أفغانستان لا يخرج عن كونه هزيمة لقوات الولايات المتحدة فى معركتها التى خاضتها على مدى ٢٠ عاما فى جبال ودهاليز ولايات هذا البلد الآسيوى الذي أباد الكثير من القوى، ولم ينتصر فيه أحد فى أي معركة خاضها على أرضه.
أفغانستان من المناطق الأشهر فى العالم والمعروفة بـ"سقف العالم" فمن يحارب فيها هو يحارب الجغرافيا، ولا يحارب البشر، ولهذا كل فريق على أرض أفغانستان يعتبر نفسه الحاكم الأول والأخير، بل الأنكى هو أن القبائل الأفغان لم يتفقوا يوما، وظلوا فى خلاف دائم، وليس هناك مؤشر على أى تغيير فى هذا الفهم والثقافة الأفغانية.
وفى قراءة لما شهدته أفغانستان خلال الأسابيع الأخيرة، وهذا التسليم والهزيمة لكل ما سعت إليه واشنطن فى ٢٠ عاما، وتحديدا خلال ١٩ عاما و١٠ أشهر و٢٣ يوما" من ٧ أكتوبر ٢٠٠١ إلى ٣٠ أغسطس ٢٠٢١، يطرح السؤال نفسه... هل انتصر الإرهاب على الولايات المتحدة، وذهب كل ما فعلته أدراج الرياح؟!.. الإجابة المباشرة قد يقول البعض، هذا هو الواقع، بعد عودة طالبان للحياة فى مختلف الأراضى الأفغانية فى غضون أيام قليلة، لا تتجاوز أصابع اليدين.
ففى هذا الحرب الطويلة قتل ٢٤٦١ جنديا أمريكيا، بل تم توجيه ضربة قوية كانت الأكثر دموية قبيل أيام من مغادرة آخر جندى أمريكى للأراضى الأفغانية، عندما قام عنصر من "داعش خراسان" بعملية انتحارية فى مطار كابول، أسفرت عن مقتل ١٣ جنديا أمريكيا وهم يستعدون لحزم حقائبهم للعودة إلى بلادهم، ليعودوا فى صناديق.
وما يلفت النظر فى أحداث أيام كابول الأخيرة، هو فرض طالبان شروطها على كل القوى الدولية، برفضها أي تأجيل أو تمديد لعمليات إجلاء القوات الأجنبية، وطلب الالتزام بالإجلاء فى موعد غايته ٣١ أغسطس ٢٠٢١، لتقدم أمريكا تنازلا جديدا بإجلاء جنودها قبل ما يزيد على ٢٤ ساعة من الموعد المعلن والمحدد سابقا.
ثم يأتى اعتراف آخر من الجنرال "كينيث ماكنزى"، قائد القيادة المركزية الأمريكية، بقوله " لم يخرج كل من أراد الخروج من أفغانستان " ورغم فخره بما قامت به قواته بإجلاء الكثير، من المواطنين الأمريكيين والأفغان الذين ساعدوا القوات الأمريكية، بعد يأسهم من مغادرة أفغانستان بعد سيطرة طالبان، وتسجل رقم ١٢٢ ألف شخص تم إجلاؤهم، إلا أن اعتراف ماكنزى يؤكد أن هناك من هم أقوى فى معركة الإجلاء، في إشارة إلى ضغوط حركة طالبان.
إن عملية تقييم الحرب في أفغانستان والتى خاضها ما يزيد على ٧٠٠ ألف جندي أمريكى فى ٢٠ عاما، أصبحت ضرورية، من أجل صياغة شكل جديد للمعارك ضد الإرهاب، والمنظمات المتطرفة، والتى حتما تتطلب تعاونا دوليا، أكثر منه معارك فردية، وهو ما دعت إليه مصر تكرارا على مدى سنوات طويلة، من سنوات حكم الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وتمتد لهذه الأيام فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.
أخشى أن تكون هناك ترتيبات تمت لما جرى، وهو قد يكون يقينيا فى ضوء القراءة الدقيقة لبعض المعلومات، والتي تبدا من دخول حركة طالبان كابول فى ١٥ أغسطس من دون أي مقاومة بالتوازى مع انسحاب القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسى، وترتيب هروب أو فرار الرئيس الأفغانى أشرف غنى، معترفا أن"طالبان انتصرت" ومستخدما مبرر "تجنبت إراقة الدماء".
وما يثير الريبة أيضا هذا الزحف الدولى تجاه طالبان، حيث رأت موسكو وجود مؤشرات "إيجابية"، من طالبان، بل دعت روسيا "عدو طالبان السابق" إلى "حوار بين جميع القوى السياسية والدينية فى أفغانستان، لتأتى بعد ذلك الصين لتعلن رغبتها فى إقامة "علاقات ودية" مع طالبان، بينما تأتى بريطانيا لتعلن على لسان رئيس وزرائها "بوريس جونسون"، بأن الحكم على طالبان ستحكمه الأفعال وليس بالأقوال.
هذا الكلام يشير إلى أن شيئا ما حدث، وأن الأيام القادمة ستشكف حتما عن من باع ومن اشترى، ومن تلقى هزيمة مؤلمة، ولكن يبقى الخطر مستمرا رغم هذه السنوات والشهور والأيام من حرب طال أمدها، وعادت إلى نقطة الصفر،..وهل سنرى تحالفا بين قوى طالبان وداعش في المرحلة المقبلة، خصوصا أن هناك حالة تناغم سابقة بينهما لوجود تقطاع مصالح بينهما؟.. الإجابات ما زالت في غير محددة حتى الآن، ولكن كل شئ وارد طالما المصالح قائمة.