في ظل موسم التنسيق الجامعي والحلم الكبير للأسر بدخول أبنائهم لكلية الطب في الجامعات الحكومية والخاصة ويملأ قلوبهم الحزن والألم، إذا لم يوفقوا لذلك. إلا أن هناك حقائق لو يعلمونها لرضوا بقضاء الله وسنضع أمامهم هذا المقال الذي يلخص مناقشات مع طلاب بكليات طب من اللائحة القديمة والحديثة، وكذلك خلاصة إجابات أساتذة عمَّا سمعناه من مشكلات تمس المجتمع كله في المستقبل.
التحول الكارثي فى التعليم الطبي فى مصر بدأ منذ ثلاث سنوات، حين تم تطبيق لائحة ٥+٢ والتي قلصت سنوات الدراسة إلى ٥ سنوات بدلا من ٦، وضاعفت التدريب ليصبح سنتين بدلًا من سنة. وإحقاقًا للحق، هذا توجه عالمى، لن نعترض عليه. لكن الاعتراض على مجموعة من الكوارث التى نتجت عن تنفيذ اللائحة، وهي ما يلى:
١- اختلاف المقررات واللوائح بين كليات الطب.
٢ – فى كل بلاد العالم المتقدم يتم وضع مقرر موحد لجميع كليات الطب ملزم للطالب ولعضو هيئة التدريس، إلا أن اللائحة الجديدة تجاهلت ذلك فأضحى مواد طب الأقاليم تختلف عن نظيرتها فى المحافظات الأخرى، مما فتح الباب لمصراعيه أمام أعضاء هيئة التدريس بشرح مادة علمية غير مكتملة، لا تفيد الطالب ولا تكسبه المهارات اللازمة، بل ويأتي الامتحان من خارج ما تم شرحه للطلاب.
وللحق فإن في مصر علماء أجلاء وأساتذه كبار فى جميع التخصصات الطبية وحان الوقت أن يستعين بهم الطبيب الأستاذ الدكتور خالد عبدالغفار - وزير التعليم العالى- فى صياغة مقرر موجز ووضع بنك أسئلة له يتم إلزام جميع الكليات به.
٣- كان من أهم مميزات اللائحة الجديدة والغرض الأساسي منها هو التعليم التكاملي، أي التنسيق بين الأقسام الأكاديمية والأقسام الاكلينيكية والذي انعدم تمامًا، ففي اللائحة القديمة كان يتم دراسة المقررات الأكاديمية فى السنوات الثلاث الأولى والمواد الإكلينيكية فى الثلاث سنوات المتبقية. لكن بعد الاختزال، لم تستطع الأقسام الأكاديمية ولا الإكلينيكية اختصار الحشو الذى لا قيمة له، وأصبح المقرر متضخم بشدة، وبطريقة تمثل كابوسا للطلاب.
٤- نأتى الى نظام الامتحان وهو الكارثة الكبرى، وهى طريقة وضع الامتحان بنظام الاختيار من متعدد، حيث إنه لا يوجد بنك أسئلة يتدرب عليها الطلاب، بل يقوم بعض الأساتذة بوضع الامتحان باختيار أسئلة لا علاقة لها بالنص الذى تم تدريسه للطالب.
ونتج عن كل ذلك تقييم عشوائي لمستوى الطلاب، فربما يحصل طالب متفوق على درجة ضعيفة وقد يرسب رغم تفوقه.
٥- النظام الدراسي الحالى فرض علي طالب الطب أن لا يكتب كلمة واحدة فى ورقة إجابته طوال سنوات الدراسة، فقد تم امتحانه بواسطة الاختيار من متعدد وتظليل الإجابة الصحيحة، فنتيجة ذلك يتخرج طبيب لم يكتب جملة واحدة لها علاقة بالطب طوال سنوات دراسته، الأمر الذي يضعه أمام مصاعب فنية وقانونية أثناء الممارسة العملية بعد التخرج؛ حيث يكون مكلفًا بكتابة تقارير عن حالة أي مريض ولا سيما تقارير الإصابات وتقارير العمليات الجراحية وتفاصيلها الفنية، وهى جزء أصيل فى ممارسته اليومية للمهنة.
إن دراسة الطب ليست كأي دراسة، ولا تحتمل هذا العبث لأنها مرتبطة بأرواح الناس، فلو لم تكن الدراسة على مستوى عال من النواحي العلمية والعملية والمهارية، فإن الأخطاء الطبية ستزداد وسيكون ضحيتها أرواح بريئة ستزهق وسيسأل عنها من وضعوا هذه اللائحة دون تمهيد الطريق لها.
أين نقابة الأطباء من ذلك؟ ألم يَئِن لوزير التعليم العالي أن يستمع للطلاب والأساتذة فى تعديل عوار هذه اللائحة؟ وكيف يتم ترك هذا الأمر الذى في جوهره بريق التطور ومواكبة الدول المتقدمة وفي تنفيذه خطر داهم لأنه تُرك لأهل الحظوة وكما سمعنا أن على رأسهم إحدى الأستاذات التي رفضت الاستماع إلى أى مقترحات لإصلاح العوار البين فى لائحتها التى صاغتها وفرضتها على الجميع ؟ ولماذا لم يطلب كبار أساتذة كليات الطب لقاء الوزير لإصلاح العوار فى اللائحة ؟ وأين هم من هذه الكارثة؟
إننا ندق ناقوس الخطر من الآن لتدراك الكارثة التى سنواجهها بعد سنتين من الآن، حيث ستتخرج أول دفعة من طلاب هذه اللائحة التى بها عوار، وسيكون لهم ضحايا من أرواح المصريين، ورغم ذلك لن يكونوا جناة، بل مجنى عليهم أيضا!