عاشت مصر الكثير من الأزمات خلال العصور الماضية لكن ليس أبشع من المجاعة التي تعرضت لها عام 1036 والتي تعد من أصعب الفترات التي شهدها المصريون، ووثقها المؤرخون تحت مسمى "الشدة المستنصرية"؛ لأنها كانت في ظل حكم الخليفة المنتصر بالله، من تاريخ الدولة الفاطمية في مصر 1036 – 1094، وكان سبب المجاعة هو جفاف نهر النيل لمدة 7 سنوات متواصلة.
ونتيجة الجفاف بدأت الدولة في الانهيار والضعف، فانتشر الجوع والفقر والسرقات على مسمع ومرأى من الجميع، وبلغ سعر رغيف الخبز الواحد 50 دينارًا.
ووصل الأمر إلى أن الخليفة المستنصر بالله باع كل ما يمتلك، فباع 80 ألف ثوب، و20 ألف سيف، بالإضافة إلى الأحجار الكريمة والجواهر.
وتحول الناس من الطابع الطيب البسيط الذي تميزوا به إلى مفترسين يبحثون عن الطعام مهما كلفهم الأمر، إذ قاموا بقتل القطط والكلاب وأكلها، ولم ينته الأمر عند هذا الحد، إذ ازداد الأمر بشاعة حتى قاموا بتناول لحم البشر.
ووصلت المأساة إلى نبش القبور، وإخراج الموتى وطهيهم وتناولهم، وذكر التاريخ أن الناس كانوا يجلسون فوق أسقف البيوت ويصنعون الخطاطيف والكلاليب لاصطياد المارة بالشوارع من فوق الأسطح، وإذا تمكنوا منهم تناولوهم بسرعة.
وفي أحد الأيام كان وزير البلاد يمتلك بغل واحد يركبه، فأمر الغلام أن يحرسه، إلا أن الغلام من شدة جوعه لم يكن بالقدر الكافي من القوة ليستطيع مواجهة اللصوص الذين سرقوا البغل.
وبعد سرقة البغل، علم الوزير بذلك وغضب بشدة، وقام بالقبض على اللصوص، ثم أعدمهم على شجرة، وفي صباح اليوم التالي لم يجدوا من اللصوص سوي العظام، لأن الناس أكلوهم من شدة الجوع.
المؤرخ ابن الأثير
وذكر المؤرخ ابن الأثير، أنه من شدة الغلاء، كانت هناك امرأة أكلت رغيفاً بألف دينار، إذ باعت مقتنياتها التي تساوي 1000 دينار بـ 300 دينار، لتشتري بها شوالًا من القمح، وعند عودتها إلى المنزل، اعترضها الناس ونهبوه منها، فلم تستطع المرأة أن تحصل إلا على سوى قدر بسيط جداً من الدقيق مكنها من خبر رغيف واحد فقط.
وذكر المؤرخ سبط ابن الجوزي في كتابه "مرآة الزمان" أن هناك امرأة خرجت ومعها جوهر من اللؤلؤ، فقالت: “من يأخذ مني هذا الجوهر ويعطيني قمحًا:" فلم تجد من يأخذه منها، فقالت: "إذا لم تنفعني وقت الضائقة فلا حاجة لي بك"، ثم ألقته على الأرض وانصرفت، فظل اللؤلؤ مرميًا على الأرض 3 أيام دون أن يلتفت إليه أحد.