«الترند» مصطلح جديد أصبح يحاصرنا فى السنوات الأخيرة، ويعنى الموضوعات الأكثر شيوعا وتداولا على مواقع التواصل الاجتماعى «السوشيال ميديا»، ولا تمر بضعة أيام إلا ونجد موضوعا بعينه يتصدر الترند، ويطاردنا على كل الصفحات والمواقع، فيحظى بالاهتمام والمشاركة والتعليقات، وكأن هناك من يتحكم فى عالم السوشيال ميديا، ويحرك جمهوره كالعرائس الماريونت التى يوجهونها كيفما شاءوا!.. مرات نجد الترند عن فتاوى دينية، ومرات أخرى عن زيجات فنانين أو مشاهير، ومرة فتاة الفستان، وفتاة البوركينى وغيرها من فقاعات هوائية تتلاشى بعد أيام.. ورغم رفضى الانسياق لتلك الموضوعات التى تفرض علينا، إلا أننى لم أستطع منع نفسى من التعليق على التريند الأخير عن منح الدكتوراه الفخرية للفنان محمد رمضان من المركز الثقافى الدولى بلبنان، ثم تريند الشماتة لسحبها منه!.. حيث أصدر ذلك المركز بيانا يتضمن: «مجلس إدارة المركز الثقافى الألمانى الدولى يعتذر من الشعب المصرى حكومة وجيشا من تكريم المدعو محمد رمضان المطرب والممثل.. لم نكن نعلم أبدًا بحادثة الطيار المصرى المؤسفة الراحل أشرف أبواليسر، والتى ندين ونشجب ونستنكر تلك الواقعة، وكذلك اللقاء والتصوير مع مطرب وممثل صهيونى الذى ندين ونستنكر ونشجب أيضا.. لذلك اتخذ مجلس إدارة المركز قرارا بسحب شهادات التكريم مع فائق الاحترام لكل من لفت نظرنا لذلك».. والواقع أن سبب استفزازى من هذا الموضوع يختلف عن الكثيرين الذين استفزهم حصوله على دكتوراه فخرية!.. فما أثار تعجبى هو كم الإساءة والسخرية والغل من فنان شاب، حقق نجاحا كبيرا فى عمر صغير، لمجرد حصوله على تكريم ليس هو من منحه لنفسه!.. فالمشكلة ليست فى رمضان أو غيره ممن يحصلون على ألقاب فخرية وهمية، ولكن فى الجهات التى تمنح تلك الألقاب تحت بصر الجميع دون عقاب.. فهو ليس أول أو آخر من يحصل على تلك التكريمات والشهادات والألقاب الوهمية، والتى تنهال علينا منذ سنوات دون حسيب أو رقيب، ودون ردع لأصحاب الدكاكين الذين يمنحون لأنفسهم سلطة منح درجات علمية ومسميات- كمستشار وسفير- يتلاعبون بها ويمنحونها لمن شاءوا!.. والأكثر فجاجة هم من يقدمون أنفسهم بتلك المسميات، وبعضهم شخصيات شهيرة يحملون تلك الألقاب المزيفة، ويعرفون أنفسهم بها فى وسائل الإعلام، ورغم فضح حقيقة ألقابهم وشهاداتهم يحظون بكل الاحترام من المجتمع!.. هؤلاء هم من يستحقون الاستهجان والهجوم، كما نحتاج لقوانين رادعة تمنع التلاعب بالشهادات والمسميات والألقاب العلمية والدبلوماسية وغيرها.. ورغم تفهمى لغيرة الكثيرين ممن يحملون الدكتوراه على هذه الدرجة العلمية، والتى لم ينالوها إلا بعد سنوات من الجهد والمشقة، إلا أننى أتحفظ على هجومهم الشديد على رمضان أو غيره ممن حصلوا على تلك الشهادات الفخرية الوهمية!. فرغم أننى ممن يحملون الدكتوراه، وبذلت جهدا كبيرا فيها، وإستغرقت منى سنوات عديدة لمحاولتى قدر استطاعتى تقديم مادة علمية جديدة ومفيدة، إلا أننى على يقين أن هناك من يحملون درجات علمية كالماجستير والدكتوراه، وشهاداتهم لا تزيد قيمتها الحقيقية عن تلك الشهادات المزيفة!.. وقد شاهدت رسائل علمية ركيكة اللغة والمستوى لموضوعات قتلت بحثا، ولم يكلف أصحابها أنفسهم عناء البحث، أو حتى تنظيم وتنسيق السرقة!.. بخلاف الدرجات العلمية المزيفة التى يتم الحصول عليها من بعض الجهات فى الخارج وتتم معادلتها هنا كماجستير ودكتوراهعلى خلاف الحقيقية!.. فليس كل من حمل شهادة دكتوراه باحث أو عالم بحق، فهناك من يحملون دكتوراه ولا يفقهون شيئا حتى فى تخصصاتهم الدقيقة!.. كما أن هناك من لا يحملون أى شهادات ونجدهم بالقراءة والثقافة العامة أكثر علما وخبرة، فقيمة الشخص ليست بما يحمله من شهادات.. أما محمد رمضان فشاء من شاء وأبى من أبى، فنان ناجح وموهوب، وله جماهيرية كبيرة وخاصة بين الشباب والأطفال، وهذا التكريم لم يكن ليزيده، كما أن سحبه منه لن ينقصه.. ولكن الشماتة التى رأيتها من كثيرين لسحب تلك الشهادة الفخرية منه فهى حقا مدعاة للحزن، فلماذا هذا التشفى والغل والتحامل على فنان موهوب لم يهبط النجاح عليه من السماء، بل اجتهد منذ ظهوره فى أدوار صغيرة، واستطاع إثبات نفسه، حتى وفقه الله تعالى للنجاح.. بالتأكيد أخطأ رمضان فى مواقف أو تصريحات عديدة، ربما بحكم السن أو قلة الخبرة، أو بحكم الشهرة والثراء المفاجئ.. ولكن ليس معنى ذلك أن نحاول تحطيمه، وكأننا كمجتمع أصبحنا نحقد على النجاح! فلا مانع أن ننقده دون تجريح أو إهانة أو شماتة، ونفرح حين يصوب أخطائه ونأخذ بيديه كشاب مصرى موهوب وناجح.. أما الأكثر استفزازا فكان الزج بموضوع الفنان الصهيونى!.. فلا أعلم بكم مكيال نكيل؟! وإلى متى سنظل نتعامل مع هذا الأمر وغيره دون معيار ثابت! وردا على من هاجم رمضان أو غيره لهذا السبب، أذكرهم بأن وزارة الثقافة ودار الأوبرا المصرية استقبلتا عام ٢٠٠٩ المايسترو العالمى/دانيال بارينبويم «صوليست البيانو» أحد أهم الموسيقيين الإسرائيليين، وقاد أوركسترا القاهرة السيمفونى وسط حضور جماهيرى وإعلامى ضخم، وتم استقباله كالفاتحين بمنتهى الود والترحاب من المسئولين السابقين وبعض الحاليين.. فليتنا نكف عن التعامل بمنطق الحديث الشريف: «إذا سرق فيهم القوى تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد»!
آراء حرة
محمد رمضان وترند الفقاعات الهوائية
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق