منذ نعومة أظافره ارتدى «عبدالله»، الشاب صاحب الـ17 ربيعًا ثوب الرجال رغم حداثة سنة، لمساعدة أسرته محدودة الدخل على الحياة القاسية، وراح ينغمس فى العمل الشاق على مدى اليوم ليوفر لهم متطلباتهم من خلال أجره اليومى، وما يتبقى يدفع به لوالدته لمساعدتها فى توفير شئون المنزل.
لكنه لم يدر أن أسرته التى سخر حياته من أجلها ستفقده بسبب رفضه الانسياق وراء جاره الذى طلب منه أن يخالف ضميره، وينطق بشهادة «زور»، وهو الأمر الذى أغضب ذاك الشاب، فقرر الانتقام منه بقتله بطريقة بشعة أضحت حديث الساعة على لسان الأهالى داخل حى منشية ناصر، حزنا على فراق الضحية.
«حرمنى من نور عينى»
«حرمنى من نور عينى وحرق قلبى عليه»... بهذه الكلمات الممزوجة بالآسى والحزن، بدأت السيدة هناء صابر، والدة الضحية، تروى لمحرر «البوابة» كواليس مقتل نجلها «عبدالله»، على يد جاره.
وأشارت إلى أن المجنى عليه، كان رجلا منذ صغره، وكرس حياته للعمل لمساعدتها فى تدبير احتياجات باقى أشقائه، إذ قرر الطفل الذى لم يتخط عمره الـ١٣ عامًا، وقتئذ دخول معترك الحياة مبكرًا؛ مستطردةً: «عبدالله تحمل الشقى بدرى»، وكان يرضى بأقل شىء، قنوع زاهد، لا يعرف طريق المقاهى، ولا ينفق «قرشًا» فى ترفيه، وإنما مشغول طول الوقت بمساعدتى».
وأضافت الأم والدموع تنهمر من عينيها: «فى الوقت الذى كان أصدقاؤه يلعبون فى الشوارع، أو يجلسون على المقاهى، كان «عبدالله» يجوب شوارع منطقة العتبة لجمع «الكراكتين» لبيعها، ويعود لنا فى المساء محملا ببشاير الخير ما بين طعام وجنيهات، متابعة: «حياتى وقفت بعد موته ومبقتش قادرة أعيش من غيرة، ولما كنت أزعل بسبب ضيق الحال، كان يجلس معى يتجاذب أطراف الحديث ويحدثنى عن تحويل الألم لأمل ليطمئن قلبى بكلماته التى كانت تخطف قلبى، فرغم صغر سنه لكنه كان متزنا هادئ الطبع».
وأوضحت الأم: «يوم الواقعة التقيت به قبل أن أذهب إلى عملى، وأخبرنى بأنه سوف ينزل نحو الشارع ثم يعود سريعا، إلا أن السيناريو المعد سلفا قد تبدلت أحداثه، ولم يعد مرة أخرى إلى المنزل، إذ التقى باثنين من الجيران هما «عمرو» و«محمد»، وحينها وقعت مشادة كلامية بين «عمرو ومحمد»، بسبب رفض «عمرو» دفع مبلغ مالى باقى ثمن هاتف محمول سبق وقام بشرائه من «محمد» منذ فترة، ولم يكتف بذلك بل طلب من «عبدالله» أن يشهد بالزور أنه سدد باقى المبلغ لـ«محمد».
وهو الأمر الذى قوبل بالرفض من نجلى محدثا إياه قائلًا: «أنا مش هشهد زور معاك هتروح فين من ربنا ادفع فلوس الرجل»، وهنا غضب المتهم من كلام ابنى وقام بتهديده بقوله «هموتك يا عبدالله لو مشهدتش معايا»، فرد عليه نجلى: هتموتنى إزاى، وفى لمح البصر أخرج «عمرو» من طيات ملابسه سلاحًا أبيض «مطواة» وسدد لنجلى طعنة نافذة فى الصدر، ليسقط على الأرض غارقا فى دمائه، ويلقى مصرعه فى الحال».
واستطردت: «ابنى رفض يشهد زور فدفع حياته ثمنا لذلك، المتهم مكنش صاحبه هو كان بيجى هنا عند جدته اللى ساكنه معانا فى نفس العقار».
فى السياق ذاته؛ التقت «البوابة» الشقيقه الكبرى للمجنى عليه، وتدعى «فرحة»، والتى ناشدت المستشار حماده الصاوى، النائب العام، بالوقوف إلى جانبها، وإحالة المتهم إلى الجنايات فى أسرع وتطبيق القصاص عليه «ارجوك أقف معايا حق عبدالله».
وأضافت باكية: «عبدالله كان أخويا وابنى فى نفس الوقت، وكان متعلقًا بيا جدا، ومش عارفة هكمل حياته ازاى من غيره، كان شايل حملنا وعمره ما أشتكى ولا قال مش هشتغل، بالعكس كان يقولى صحينى بدرى علشان أقوم أشوف أكل عيشى «الحمل تقيل وعاوزين فلوس كتير يا بنت أبويا».
وأردفت: «الشغل لم يمنع عبدالله من إكمال تعلميه وبعد وفاته رحت أجيب له الشهادة لقيته ناجح فى الصف الأول الثانوى الصناعى، أنا عارفة إن أخويا فى الجنة بس صعبان عليا إنه يموت بسبب رفضه يشهد بكلام محصلش، مستطردة: «عايزة حق من القاتل، بإعدامه مفيش حاجة هتريح قلبنا غير لما أشوفه متعلق فى حبل المشنقة».