في مقال له بعنوان "حديث عن آفاق المستقبل" وصف المفكر الراحل فرج فودة حالته بالتردد في البوح بهذا الحديث وخاصة عندما سأله أديب نوبل نجيب محفوظ في إحدى جلسات "كازينو قصر النيل": ما هو تصورك للمستقبل؟ وكيف لمصر أن تخرج من عنق الزجاجة وتتمكن من المشاركة في مسيرة الحضارة؟
وشرح "فودة" إجابته لـ"محفوظ" الذي تحل ذكرى وفاته في الثلاثين من أغسطس، صعوبة الموقف لما يتحكم في العقل المصري والعربي عمومًا من إيمان بالمصادفات، وإلقاء مسئولية المستقبل على عاتق الأجيال القادمة، إلى جانب اهتمامنا بالجزئيات دون التطرق لمفاهيم الكلية، والعمل ضمن خطة طويلة المدى كما في الاقتصاد.
حدد "فودة" بعض النقاط الرئيسة المتحكمة في أزمة الواقع المصري آنذاك، أولها مشكلة الديمقراطية، فالنظم المستبدة التي حكمت بعض بلدان المنطقة ساعدت في تعاظم دور التيارات السياسية الدينية، وبات الصراع محصورا بينهما، ووقعت الشعوب في دائرة مفرغة.
يقول “فودة”: جناحا الديمقراطية هما حرية التعبير وإمكانية التغيير، وإطلاق الأولى هو مدخل الثانية، والديمقراطية ليست منحة وليست سماحًا بقدر ما هي مناخ، وأغلب بلادنا تدور في دائرة السماح، ولابد أن نكون منصفين، فالتطور الديمقراطي في أغلب بلادنا أتى بقرارات فوقية، وإذا كنا نتحدث عن المستقبل فلتكن نقطة البدء باستمرار السعي إلى هذا الهدف".
يؤكد "فودة" أن التعامل مع الأقليات بأنواعها السياسية والقومية والدينية يظهر النظر بنصف عين بصورة أوضح، ويكشف حقيقة وعمق الديمقراطية في بلادنا، فإن اعتماد التعامل مع الأقلية السياسية فقط ينذر بأوخم العواقب ويشوه وجه المستقبل ويؤثر بالسلب على التجربة، ويحيل فهم الديمقراطية إلى نوع من العبث، وذلك وفق رأي فودة.
يلفت "فودة" خلال حديثه للروائي العالمي نجيب محفوظ إلى ضرورة التنمية بمفهوم واسع يستوعب البُعد الجغرافي، وفق ما سماه جمال حمدان بـ"عبقرية المكان" كما يشيد مفكرنا بانتباه كل من محمد علي وابنه إسماعيل باشا لهذا البعد جيدا، كما أن الدوائر الثلاثة التي صنعها الرئيس جمال عبدالناصر "العربية والإسلامية والأفريقية" تؤكد مدى استيعاب ناصر للبعد الجغرافي وعبقرية المكان المصري ومدى استغلاله في ملف التنمية.
ولم يغفل "فودة" مسألة الصراع العربي الإسرائيلي، ومفهوم السلام المطروح بين الجانبين وعلاقة التنمية بتحقيق السلام العادل، ومخطط إسرائيل للمنطقة، واستعداد العرب لهذه المخططات ومدى تعاطيها معها.