تنتشر في ربوع مصر مدارس قبطية تتبع إداريا الكنيسة الأرثوذكسية ولها تاريخ حافل في دعم مسيرة التعليم، وتستعرض "البوابة نيوز" في هذا التقرير ملامح وشروط التعليم في هذه المدارس، التي تضم في جنباتها مسيحيين ومسلمين وأغلبهم يتسابقون للالتحاق بجميع مراحل التعليم فيها، لسمعتها الحسنة، وحصول أغلبها على شهادات الجودة العالمية، بجانب النظام الصارم والاختبارات القوية التي تكون شرطا أساسيا للالتحاق.
جذور الخدمات التعليمية الكنسية
يسرد الأب يوحنا نصيف، كاهن العذراء شيكاغو، كيف بدأ الاهتمام بالتعليم والمدارس على يد البابا كيرلس الرابع المُلقَّب بأبي الإصلاح، في النهوض بالكنيسة عام 1854، أدرك أنّ التعليم من أهم متطلبات الإصلاح، واهتمّ بإنشاء مجموعة من المدارس للبنين والبنات، وحذا حَذْوَه الكثير من المطارنة والأساقفة بالإيبارشيات، حتى أنّنا نجد أنّ كلّ كنيسة كان يُبنى بجانبها مدرسة قبطية.
وكانت في الكثير من الأحيان هي المدرسة الوحيدة بالبلدة.. حتى منتصف القرن العشرين كان عدد المدارس القبطية أو المسيحية عمومًا يقترب من 50% من إجمالي عدد المدارس في مصر.
وكانت بالطبع تضمّ المسيحيين وغير المسيحيين، ويشهد الجميع كم تربّوا على المحبة والتعايُش السِلمي، واحترام الآخر، وعدم التمييز في المعاملة لسبب الدين، كما كان التعليم راقيًا جدًا يبني الشخصية، ويُربّي على القِيَم الفاضلة والمعلومة الدقيقة والمعرفة الصادقة.
ويضيف نحن في أشدّ الاحتياج لإنشاء مدارس حديثة بمستويات راقية لتخدم أبناءنا، تحتضن المسيحيِّين والمسلمين، ليتربّى الجميع على مبادئ المحبة والتعايُش السِلمي وقبول الآخَر، نريد نهضة حقيقية في هذا المجال لا تقلّ أهميّة عن النهضة العمرانية التي تقوم بها كنائسنا في السنوات الأخيرة.
المدارس القبطية وشروط صارمة
أشرف فيليب، مدير مدارس سان مارك، قال شروط الالتحاق بالمدارس التابعة للكنيسة القبطية صارمة وقوية، ولا تشمل الطالب فقط، بل أسرته ومن يرعاه، ويتم عمل مقابلات، وكشف هيئة، يتم من خلاله الاطمئنان على أن ما ستقدمه المدرسة سيكون حصاده حقيقيا ومثمرا، وتنتشر في جميع أنحاء مصر المدارس التابعة للإيبارشيات.
والأمثلة كثيرة؛ مثل مدرسة العهد الجديد، ابتدائى.. إعدادى.. ثانوى، مختلطة، بنات وأولاد، 1250 طالبا وطالبة، مسلمون ومسيحيون، أنشطة رياضية وفنية، حمامات سباحة، معامل لغات حديثة، على كل مقعد دراسى يتقدم (37) متقدما سنويا، لتتقدم المدرسة إلى المراكز الأولى لتلبية احتياجات أبناء المدينة في سمالوط، وأحيي المديرة نيفين ناجى الأب، تلعب دور الأم تربويًا وتنظيميًا، وأدوارًا أخرى في خدمة المجتمع، أهلت المدرسة لأن تكون منارة علمية وتربوية وثقافية، أحدثت طفرة حضارية في المجتمع المحلى.
ولمست ذلك أيضا في مدارس سان مارك ومدارس الأقباط وارساني بالقاهرة، خدمات متميزة ومصروفات رمزية.
اللافت للنظر أنه مع كل بداية عام دراسي يحدث إقبال شديد على الالتحاق، وأرجع الكثيرون الأمر إلى أن أسعار المدارس ومصروفاتها تعتبر رمزية، رغم أنها تصل إلى ستة آلاف جنيه في العام، لكن مقارنتها بالمدارس الخاصة يجعل منها رمزية وخاصة أن بعض المدارس جعلت مصروفاتها بالدولار.
الراهبات والأقباط وسان ارساني في المقدمة
أعلنت مدارس الراهبات في مصر فتح باب التقديم للأطفال في مرحلة الكي جي، وتحديد سن قبول الأطفال في مدرسة الراهبات، وهو 5 سنوات 3 أشهر، بينما يزيد السن في بعض فروع مدارس الرهبات الاخرى، إلى 5 سنوات و5 أشهر، وتعتبر مدارس الراهبات الأكثر إقبالا خاصة في المراحل الأولي من التعليم، وفترة الحضانة.
وتأتي بعدها مدارس "سان أرسانى" التي أنشئت في عام 1903 برعاية البطريركية الأقباط الأرثوذكس، بغرض تعليم المرتلين المكفوفين حرفًا صناعية تعاونهم على تكاليف الحياة، وتم تحويلها بقرار من المجلس الملي العام عام 1950 إلى مدرسة خاصة، واعتبرتها وزارة المعارف مدرسة صناعية إعدادية.
وفي 26 يونيو 1953 تم تحويلها إلى ورشة صناعية إنتاجية تتبع المجلس الملي العام وأخطرت الوزارة بذلك وفى عام 2000 تم استلام المدرسة وأصبحت تحت تصرف الكنيسة مرة أخرى، وبدأت إجراءات ترخيص إعادة تشغيل المدرسة في 13 أغسطس 2013.
وتبلغ المساحة الإجمالية للمدرسة 5753 مترا مربعا، بينما تأتي مدرسة الأقباط في مقدمة وأشهر المدارس، التي يتم التقدم للدراسة بها، وتعتبر من أقدم المدارس وأعرقها، وأنجبت العديد من الشخصيات العامة والمشاهير، أمثال عبد الحميد مصطفى باشا، وزير المالية، ومحمود عبد الرازق باشا، وزير الداخلية، وإسماعيل حسين باشا، وزير المعارف (التربية والتعليم)، والمستشار حنا نصر الله باشا، وغيرهم من كبار المحامين وكبار الموظفين، ومن المؤرخين ميخائيل بك شاروبيم صاحب كتاب الكافى في تاريخ مصر القديم والحديث وهو نفس الحال لباقي المدارس، فقد تخرج فيها نوابغ وشخصيات مؤثرة.
وتجتمع مدارس الأقباط على تقديم ورش عمل مستمرة مع خطة تعليمية متقدمة، وتركيز مستمر على الجانب التربوي والنظافة الشخصية للطالب، والرعاية الصحية أيضًا، تمتلك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عددًا من المدارس في الإسكندرية، على رأسها مدرسة المرقسية، التابعة لأقدم كنيسة في أفريقيا، إضافة إلى مدرسة عيون مصر في منطقة الكينج، التابعة لإشراف البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية.