لا تزال أصداء سيطرة طالبان على أفغانستان، تشغل الساسة والمفكرين حول العالم، وعلى رأس هؤلاء وزير الخارجية الأمريكى الأسبق هنرى كيسنجر، الذى تحدث فى مقالة له نشرتها مجلة «الإيكونومست» الأمريكية، عن مستقبل القوة الأمريكية وأسباب فشلها فى أفغانستان.
وقال «كيسنجر»: «يركز استيلاء طالبان على أفغانستان على القلق المباشر على إخراج عشرات الآلاف من الأمريكيين والحلفاء والأفغان الذين تقطعت بهم السبل فى جميع أنحاء البلاد، ويجب أن يكون إنقاذهم أولويتنا الملحة، لكن الشاغل الأساسى هو كيف اتخذت أمريكا قرار الانسحاب، وهو قرار اتخذ دون الالتفات لكثير من التحذيرات أو المشاورات مع الحلفاء أو الأشخاص الأكثر انخراطًا بشكل مباشر فى ٢٠ عامًا من التضحية، ولماذا تم تصور التحدى الأساسى فى أفغانستان وتقديمه للجمهور كخيار بين السيطرة الكاملة على أفغانستان أو الانسحاب الكامل».
وأشار وزير الخارجية الأمريكى الأسبق، إلى أن «هناك قضية أساسية تعترض جهود الولايات المتحدة لمكافحة التمرد من فيتنام إلى العراق لأكثر من جيل، فعندما تخاطر الولايات المتحدة بحياة جيشها، وتهتم بمكانتها وتشرك دولًا أخرى، يجب أن تفعل ذلك على أساس مجموعة من الأهداف الاستراتيجية والسياسية»، متابعا «وإستراتيجية لتوضيح الظروف التى نقاتل من أجلها؛ وسياسيًا، لتحديد الإطار الحاكم للحفاظ على النتيجة داخل البلد المعنى ودوليًا». وأردف الوزير الأمريكي، قائلًا «مزقت الولايات المتحدة نفسها فى جهودها لمكافحة التمرد بسبب عدم قدرتها على تحديد أهداف قابلة للتحقيق وربطها بطريقة مستدامة من خلال العملية السياسية الأمريكية، وكانت الأهداف العسكرية مطلقة للغاية وغير قابلة للتحقيق، والأهداف السياسية مجردة للغاية ومراوغة».
وأوضح «كيسنجر»، أن «سبب الفشل هو إشراك أمريكا فى صراعات بدون نقاط نهائية محددة ودفعنا داخليًا إلى حل هدف موحد فى مستنقع من الخلافات المحلية».
وقال إن الجيش الأمريكى دخل أفغانستان وسط دعم شعبى واسع ردًا على هجوم القاعدة على أمريكا الذى انطلق من أفغانستان الخاضعة لسيطرة طالبان، وسارت الحملة العسكرية الأولية بفعالية كبيرة، وهربت حركة طالبان بشكل إلى باكستان، حيث نفذت تمردًا فى أفغانستان بمساعدة بعض السلطات الباكستانية».
وأكمل «بينما كانت طالبان تفر من البلاد، فقدنا التركيز الاستراتيجي، لقد أقنعنا أنفسنا أنه فى نهاية المطاف، لا يمكن منع إعادة إنشاء القواعد الإرهابية إلا من خلال تحويل أفغانستان إلى دولة حديثة ذات مؤسسات ديمقراطية وحكومة تحكم دستوريًا، ومثل هذا المشروع لا يمكن أن يكون له جدول زمنى قابل للتوافق مع العمليات السياسية الأمريكية. فى عام ٢٠١٠، وفى مقال رأى ردا على زيادة القوات الأمريكية، حذرت من عملية مطولة للغاية ومقتطعة بحيث تحول حتى الأفغان غير الجهاديين ضد العملية برمتها».
وقال «كيسنجر»، إن «بناء دولة ديمقراطية حديثة فى أفغانستان حيث تسرى أوامر الحكومة بشكل موحد فى جميع أنحاء البلاد يجتاح إطارًا زمنيًا يمتد لسنوات عديدة، بل عقودًا؛ فلقد كان الانقسام الأفغانى وغياب السلطة المركزية جعل من البلد الأسيوى قاعدة جذابة للشبكات الإرهابية».
وأوضح الوزير الأسبق هنرى كيسنجر، أن أمراء الحرب فى أفغانستان يتحدون عادةً فى تحالفات واسعة فى المقام الأول عندما تسعى بعض القوى الخارجية، مثل الجيش البريطانى الذى غزا عام ١٨٣٩ والقوات المسلحة السوفيتية التى احتلت أفغانستان فى عام ١٩٧٩، إلى فرض المركزية والتماسك.
وأضاف «كان الانسحاب البريطانى المأساوى من كابول فى عام ١٨٤٢، حيث نجا أوروبى واحد فقط من الموت أو الأسر، إلى جانب الانسحاب السوفييتى الخطير من أفغانستان فى عام ١٩٨٩ نتج عن هذا التعبئة المؤقتة بين العشائر».
وأشار إلى أن «الحجة المعاصرة التى تقول إن الشعب الأفغانى ليس على استعداد للقتال من أجل نفسه هى مقولة يكذبها التاريخ، وإنما الحقيقة هى أن الأفغان كانوا مقاتلين شرسين من أجل عشائرهم ومن أجل الحكم الذاتى القبلي».
وأكد وزير الخارجية الأمريكى الأسبق، أنه يمكن احتواء طالبان ولكن لا يمكن القضاء عليها، وربما تم تقليص مكافحة التمرد إلى احتواء طالبان بدلًا من تدميرها، وربما يكون المسار السياسى الدبلوماسى قد اكتشف أحد الجوانب الخاصة للواقع الأفغاني، وهو أن جيران أفغانستان يشعرون بالتهديد العميق من قدرة أفغانستان الإرهابية.
وتساءل «كيسنجر»: «هل كان من الممكن تنسيق بعض الجهود المشتركة لمكافحة التمرد؟ من المؤكد أن الهند والصين وروسيا وباكستان غالبًا ما يكون لديهم مصالح متباينة، وربما تكون الدبلوماسية الخلاقة قد استخلصت إجراءات مشتركة للتغلب على الإرهاب فى أفغانستان».
وأشار إلى أنه لا يمكن لأمريكا الهروب من كونها مكونًا رئيسيًا فى النظام الدولى بسبب قدراتها وقيمها التاريخية، ولا يمكن تجنبه بالانسحاب، وستظل كيفية مكافحة الإرهاب المعزز والمدعوم من قبل البلدان ذات التكنولوجيا المتطورة أكثر من أى وقت مضى، والحد منه والتغلب عليه، تحديًا عالميًا، ويجب أن تقاوم المصالح الإستراتيجية الوطنية إلى جانب أى هيكل دولى يمكننا إنشاؤه من خلال دبلوماسية مناسبة.
وأوضح، أنه يجب أن تدرك واشنطن أنه لا توجد أى خطوة إستراتيجية متاحة فى المستقبل القريب لتعويض هذه الانتكاسة الذاتية، مثل تقديم التزامات رسمية جديدة فى مناطق أخرى، والاندفاع الأمريكى من شأنه أن يفاقم خيبة الأمل بين الحلفاء، ويشجع الخصوم، ويزرع الارتباك بين المراقبين.