رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

في ذكرى توليه الخلافة.. المأمون أكثر الحكام علمًا وحلمًا

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تحل اليوم الجمعة ذكرى تتويج عبدالله المأمون ابن هارون الرشيد الخلافة العباسية بعدما انتصر على أخيه الأمين، حيث تولى الخلافة في الفترة من 198 هجرية وحتى العام218 للهجرة النبوية.

عُرف المأمون بحبه للعلم والفلسفة، فهو تلميذ أبي الهذيل العلاف أحد أعلام مدرسة المعتزلة، واشتهر بالحلم والعفو إلى جانب الفطنة وسعة الاطلاع والمعرفة وهو ما تظهره لنا عدد من المواقف التي يحكيها ابن طيفور في كتابه عن تاريخ بغداد.

ومن أقواله في الحلم والعفو قوله: لا معنى لعقوبة بعد قدرَة، الْحلم عَن الذَّنب أبلغ من الْأَخْذ بِهِ. ومن المواقف التي تروى عنه أنه اكتشف سرقة الخادم لطساسه التي يتوضأ منها فَعَاتَبَهُ ثمَّ قَالَ لَهُ يَوْمًا وَهُوَ يوضيه: وَيحك لم تسرق هَذِه الطست، لَو كنت إِذا سرقتها أتيتني بهَا اشْتَرَيْتهَا مِنْك. قَالَ الغلام: فاشتر هَذَا الَّذِي بَين يَديك. قَال: بكم؟ قَال: بدينارين. قَالَ الْمَأْمُون: أَعْطوهُ دينارين. قَال: هَذَا الْآن فِي الْأمان؟ قَال: نعم.

ووصف الشاعر حلم المأمون فقال:

صفوح عَن الإجرام حَتَّى كَأَنَّهُ... من الْعَفو لم يعرف من النَّاس مجرما

وَلَيْسَ يُبَالِي أَن يكون بِهِ الْأَذَى... إِذا مَا الْأَذَى لم يغش بالكره مُسلما

ونقل أيضا أن بشر بن الْوَلِيد قال لِلْمَأْمُونِ: إِن بشرا المريسي يشتمك، ويعرض بك، ويزري عَلَيْك، قَالَ فَمَا أصنع بِهِ؟ ثمَّ دس الْمَأْمُون إِلَيْهِ رجلا فَحَضَرَ مَجْلِسه وَتسمع مَا يَقُول فَأَتَاهُ الرجل يَوْمًا فَقَال: سمعته يَقُول حِين أَرَادَ الْقيام وَفرغ من الْكَلَام بعد حمد اللَّهِ وَالثنَاء عَلَيْهِ: اللَّهُمَّ الْعَن الظلمَة، وَأَبْنَاء الظلمَة من آل مَرْوَان وَمن سخطت عَلَيْهِ مِمَّن آثر هَوَاهُ على كتابك وَسنة نبيك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، اللَّهُمَّ وَصَاحب البرذون الْأَشْهب فالعنه. يقصد دابة الخليفة.

فَقَالَ الْمَأْمُون: أَنا صَاحب البرذون الْأَشْهب وَسكت عَلَيْهَا.. فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ بشر قَالَ لَهُ بعد أَن سَاءَ لَه: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن مَتى عَهْدك بلعن صَاحب الْأَشْهب؟ فطأطأ بشر رَأسه ثمَّ لم يعد بعد ذَلِك إِلَى ذكره وَلَا التَّعَرُّض بِهِ.

ومن المواقف التي يظهر فيها المأمون عالمًا ومناظرا، ما نقله ابن طيفور عن نقاش دار بين الخليفة وأحد المرتدين حول حكمة الاختلاف، انتهى إلى انتصار الخليفة لفكرة أن الاختلاف يدعم ويعزز سنة الكون القائمة على التنافس والتكامل.

ففي الرواية التي نقلها ابن طيفور الكاتب في تاريخ بغداد أن الرجل قال للمأمون: أوحشني مَا رَأَيْت من كَثْرَة الِاخْتِلَاف فِي دينكُمْ. فقَالَ الْمَأْمُون: إِن لنا اختلافين. أَحدهمَا: كالاختلاف فِي الْأَذَان، وتكبير الْجَنَائِز وَالِاخْتِلَاف فِي التَّشَهُّد، وَصَلَاة الأعياد وتكبير التَّشْرِيق، ووجوه القراءات، وَاخْتِلَاف وُجُوه الْفتيا وَمَا أشبه ذَلِك وَلَيْسَ هَذَا باخْتلَاف إِنَّمَا هُوَ تخير وتوسعة وَتَخْفِيف من المحنة. فَمن أذن مثني، وَأقَام فرادي. لم يؤثم. من أذن مثني وَأقَام مثنى لَا يتعايرون وَلَا يتعايبون، أَنْت ترى ذَلِك عيَانًا، وَتشهد عَلَيْهِ بَيَانا.

وَالِاخْتِلَاف الآخر كنحو الِاخْتِلَاف فِي تَأْوِيل الْآيَة من كتَابنَا، وَتَأْويل الحَدِيث عَن نَبينَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، مَعَ إجماعنا على أصل التَّنْزِيل، واتفاقنا على عين الْخَبَر، فَإِن كَانَ الَّذِي أوحشك هَذَا حَتَّى أنْكرت كتَابنَا، فقد يَنْبَغِي أَن يكون اللَّفْظ بِجَمِيعِ مَا فِي التوراة وَالْإِنْجِيل مُتَّفقا على تَأْوِيله كالاتفاق على تَنْزِيله، وَلَا يكون بَين الملتين من الْيَهُود وَالنَّصَارَى اخْتِلَاف فِي شَيْء من التأويلات، وَيَنْبَغِي لَك أَلا ترجع إِلَّا إِلَى لُغَة لَا اخْتِلَاف فِي ألفاظها، وَلَو شَاءَ اللَّهِ أَن ينزل كتبه وَيجْعَل كَلَام أنبياءه، وورثة رسله لَا تحْتَاج إِلَى تَفْسِير لفعل. وَلَكنَّا لم نر شَيْئا من الدّين وَالدُّنْيَا دفع إِلَيْنَا على الْكِفَايَة، وَلَو كَانَ الْأَمر كَذَلِك لسقطت الْبلوى والمحنة، وَذَهَبت الْمُسَابقَة والمنافسة وَلم يكن تفاضل، وَلَيْسَ على هَذَا بني اللَّهِ جلّ وَعز الدُّنْيَا.