الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

عيد التجلي آخر الأعياد السيادية السبعة الصغرى

الأنبا مكاريوس
الأنبا مكاريوس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يحمل نورا ولمعانا وبريقا وقبسا من المجد عاينه التلاميذ قُبَيل الآلام والصلب
جبل التجلى يقع فى منطقة الجليل وارتفاعه 600 متر وبُنِيت فوقه ثلاث كنائس وديران واحد للروم الأرثوذكس والآخر للاتين
سر الجبل والنساك أنهم يقضون «سحابة» حياتهم مع المسيح فى تجل دائم
الأنبا مكاريوس
هو آخر الأعياد السيدية الصغرى السبعة، ويحمل طابعًا خاصًا لما فيه من نور ولمعان وبريق وسحابة وخوف التلاميذ ورجال من الماضى البعيد. إنه لمحة إلهية صغيرة لما وراء الستار، وقَبَس من المجد عاينه التلاميذ قُبَيل الآلام والصلب، ونقلوا لنا هذه الخبرة كشهود عيان، ليصبح التجلى واحدًا من أعظم الأدلة على الخلود، وأن الله هو إله أحياء وليس إله أموات.
وأما جبل تابور أو جبل التجلى، فقد وصفه القديس بطرس بـ«الجبل المقدس» (2بطرس 1: 18)، وأفاد التقليد أن اسمه «جبل تابور»، ويقع فى منطقة الجليل، ويصل ارتفاعه إلى 600 متر. وقد بُنِيت فوقه ثلاث كنائس إشارة إلى المظال الثلاث التى اقترحها القديس بطرس على الرب يسوع، وهناك ديران، واحد للروم الأرثوذكس والآخر للاتين.
كان التلاميذ سيخوضون تجربة مُرة بعد قليل وهى القبض على المسيح ومحاكمته وصلبه وموته، سيفقدونه بالجسد أولًا، ثم سيُطارَدون من اليهود بعده، ومَنْ كانت له طموحات زمنية فى المسيح لن يحققها، كما أنهم سيحزنون كثيرًا بسبب ذلك، وقد يُحارَبون فى ألوهية المسيح وهو أخطر ما فى الأمر، ومن ثَم لم يكن الإقناع بالكلام كافيًا وإنما احتاجوا إلى دليل أقوى؛ فأعلن لهم السيد المسيح مجده، وأثبت لهم أن الذى سيموت هو هو المسيا، وهكذا أسعدهم الله بالتجلى كلحظة مجد قبل الآلام.
1- التلاميذ الثلاثة: وقد أخذ السيد المسيح معه بطرس ويعقوب ويوحنا، وكانوا الثلاثة الذين خصهم بكثير من المشاركات معه مثل إقامة ابنة يايرُس، وبستان جثسيمانى، والتجلي؛ فبطرس الرسول لأنه كان يحتاج إلى دفعات إضافية، ويعقوب ويوحنا الرسولان هما الأكبر والأصغر سنًا.
2- موسى وإيليا: استدعى المسيح من الماضى البعيد اثنين من مشاهير العهد القديم، واللذين لهما مكانة كبيرة عند اليهود: موسى كليم الله والذى أخرجهم من مصر، وإيليا القوى فى الأنبياء. وبينما يمثل موسى الذين رقدوا، يمثل إيليا الذين يحيون. وبينما يمثل موسى الناموس، يمثل إيليا الأنبياء. موسى المتزوجين، وإيليا البتوليين. وقد عانى اثناهما الكثير فى حياتهما. ومثلما صام السيد المسيح أربعين يومًا، هكذا كلٌ من إيليا وموسى. هكذا نرى الخلود الذى أكدت عليه الحادثة، فموسى وإيليا موجودان على الرغم من مرور ألفى سنة على موسى، وألف على إيليا.
3- الخروج: كان النبيان يتحدثان مع الرب عن خروجه المزمع أن يكمله، وهنا إشارة إلى خروجين: الأول احتاج إلى حَمَل، والثانى إلى الحَمَل الحقيقى. الأول أعقبته راحة مؤقتة، والثانى راحة أبدية، كما أشار القديس بولس (عبرانيين 4: 8، 9). لهذا جاء التجلى بسبب قرب خروجه إلى الجلجثة. وهكذا كان الحديث عن خروجيْن وفصحيْن، الأول رمز والآخر حقيقة. وفى سفر الرؤيا صدى لهذا: «مِصر حيث صُلِب ربُنا» (رؤيا 11: 8). لقد دار الحديث قطعًا عن الخلاص الذى انتظره الآباء والأنبياء، والمواعيد التى تتحقق فيه والتى رأوها وصدقوها وحيوها عن بُعد. وها هو يشرح بنفسه، مرة هنا والأخرى مع تلميذى عمواس، مع التلاميذ الثلاثة عن الخروج المزمع، ومع ذينك عن أنه تم بالفعل. إن موسى وإيليا هنا يسلمان العهد القديم للمسيح.. كما أنه فى ظهور موسى وإيليا انفتاح السماء على الأرض.
4- المظال: انبهر القديس بطرس بالمنظر الخلاب، فآثر البقاء هناك.. لقد حلت السماء على الأرض، فلماذا النزول من هناك؟ فاقترح إنشاء ثلاث مظال للسيد المسيح، وللنبيين العظيمين، وأما هم فيكفيهم معاينة هذا المجد. وكلمة مظلة تعنى ”اسكيني“ وهى اللفظة التى استخدمها المسيح فى الإشارة إلى السُكنى الدائمة فى السماء «المظال الأبدية nickunh `nene\» (لوقا 16: 9)، ومنها جاء السكن والسُكان... وربما كان عيد المظال ماثلًا فى ذهن القديس بطرس حينذاك.. وهنا تبادر السماء: «فجاءت سحابةٌ وظلَلَتهم...».
5- خريستولوجية الحادثة: هذا واحد من المواقف التى تؤكد طبيعة السيد المسيح، فهو صعد معهم وهو فى الهيئة إنسان، ولكن مجده تجلى أمامهم، هو هو نفس الشخص، كما فى قانا الجليل والسفينة المضطربة، والعجيب هذه المرة أنه لم يقل كلمة فحدثت المعجزة، ولكنه هو ذاته يتحول أمامهم إلى الهيئة التى لم يستطعوا الثبات أمامها، فسقطوا مغشيًا عليهم.
6- ولكن كيف حدث التجلي؟ كلمة التجلى كلمة مهمة «ميتا مور فوسيس metamorphosis»، وتوحى بأن الطبيعة البشرية قد أفسحت مجالًا للاهوت أن يُعلِن عن ذاته وهو غير منفصل عنها. وتعبير «تغيرت هيئته قدامهم (هم)» (متى 17: 2)، يعنى أنه كشف عن وجهه الحقيقى.. عن طبيعته، وبمعنى آخر: هو كما هو لا يلحقه تغيير، وإنما سُمِح لهم بالاطلاع على قَبَس من مجده لدقائق. كان المسيح قد تخلى عن مجده آخِذًا صورة عبد، صائرًا فى الهيئة كإنسان، والآن هو يأمر الجسد أن يتوارى قليلًا ليُظهِر بعضًا من مجده، هذا بالطبع دون انفصال.. إن التجلى أمرٌ لم يحدث لا قبل ولا بعد القيامة.
ولكن ما الفرق بين هذا التجلى، وبين مجد الرب الذى أضاء لموسى؟ فى القديم كان انعكاس وجه الله، ولكن المسيح هنا هو وجه الله، كما أن هناك فرقًا بين مجد اللاهوت الذى ظهر فى التجلى -وينفرد به المسيح كإله ويحمل الطبيعتين معا، ومجد القيامة الذى سيشترك فيه البشر جميعًا.
وهكذا صار الرسل يتغنون بهذا الحدث وهذه اللحظات الخاطفة بقية حياتهم (2بطرس 2: 16-18؛ يوحنا 1: 14).
7- الثياب: إن لمعان الثياب لدرجة قصوى، يعنى أن الله طرح مجده وبهاءه على الثياب البسيطة أو على العالم المادى.. وكأن المادة تتجلى هى الأخرى.
8- تجلى الإنسان: تعبير يطلقه العامة على الشخص عندما يتخلى قليلًا عن طبعه العادى الضعيف، ويُظهِر أجمل ما فيه، أو تظهر شخصيته الحقيقية، أو عندما يبدع ويتفوق على نفسه سواء فى الكلام أو العمل أو المواقف، فتُطلَق أحيانا على المرتل والمطرب والشاعر والكاتب والفنان، فيُقال: «هذه إحدى تجلياته..».
ونلاحظ أن السيد المسيح أخذ تلاميذه على الجبل ليصلى، هكذا تسلمنا أن كل من يصلى ويسكب نفسه قدام الله، فإن الله يضفى عليه من نوره ومجده؛ هكذا حدث مع موسى النبى، وهكذا قيل عن الأنبا أنطونيوس بعد خروجه من المغارة بوجه مُشرِق، وهكذا كل من يخرج بعد الوجود فى حضرة الله، فيُقال: «لقد عاين مجد الرب».
9- بين القديم والجديد: مما يلفت الانتباه أن قصة التجلى تأتى بعد اعتراف القديس بطرس عن جماعة التلاميذ قائلًا: «أنتَ هو المَسيحُ ابنُ اللهِ الحَيِ!» (متى 16:16)، ولكن، وكما نزل موسى من الجبل بعد معاينة مجد الرب، ليجد الشعب قد ضل، هكذا التلاميذ بعد النزول من الجبل لم يقدروا على شفاء المرضى.
10- جيدٌ يا رب أن نكون ههنا: جيدٌ أن نكون فى معيتك بعيدًا عن الناس، ومرتفعين على جبلك المقدس عن كل ما هو مادى. جيدٌ أن نسمع حديثك مع رجالك القديسين، وأن تظلِلنا سحابة مجدك. جيدٌ أن نسكن داخل هذه الشاكيناه التى احتوتنا. مَنْ لنا فى السماء؟ ومعك لا نريد شيئًا على الأرض، وما السماء وما الحياة الأبدية سوى أن نعرفك وأن نوجد فى حضرتك. جيدٌ ألا نعود إلى ماضينا، نترجاك ألا ننزل ثانية إلى الأرض، لقد ذُقنا الملكوت هنا، فما حاجتنا بعد إلى الأرض وإلى الناس؟... (الآن نفهم سر الجبل والنُساك، فهُم يقضون «سحابة» حياتهم مع المسيح فى تجلٍ دائم).
ولكن يسوع يهز رأسه مبتسما وهو يقول: «هلموا لننزل لأُتمم ما جئتُ لأجله، وسوف تتألمون مثلى، وتحزنون، ولكن حزنكم سيتحول إلى فرح.. وكلُ من تألم معى، سيملك ويتمجد معى...».