ينفتح الشعر على التجربة الإنسانية اللانهائية، متحركًا في فضاء الخيال والدهشة، محاولا إعادة بناء الوجود عبر أصواته الحميمية القريبة من روح المتلقي، ويُعد الشعر هو الوسيلة الأكثر فاعلية في التعبير عن الأحلام والانفعالات والهواجس التي تجوب الوعي الإنساني واللاوعي أيضًا، وتتنوع روافد القصيدة من حيث الموضوع والشكل ليستمر العطاء الفني متجددا ودائما كما النهر.
تنشر "البوابة نيوز" عددا من القصائد الشعرية لمجموعة من الشعراء يوميا.
واليوم ننشر قصيدة بعنوان "يا لَيلَةً شكـر الهَوى أَحبابُها" للشاعر أبو الحسن علي بن محمد بن فهد التهامي.
يا لَيلَةً شكـر الهَوى أَحبابُها
رَقَّتـ حَواشـيـهـا وَطابَ جنـابُهـا
ما كانَ أَقرَب شَرقَها مِن غَربِها
وَأَقَلُّ ما حجـب الصَبـاح حِجابُها
أَهـدَت لَنا أَسمـاء وَرداً زاهِراً
فيـهـا وَغُصـنـاً يَزدَهـيهِ شَبابُها
فَالغُـصـنُ مِنها ما حَواهُ وشاحها
وَالوَردُ مِنـهـا ما يَضُـمُّ نِقابُها
ظَـلَّت وَقَـد حـلت ذَوائب شـعـرهـا
بِـبــنــانــهـا فَتَهَـدَّلَت أَورابُها
كالجَـنَّةـِ الزَهراء طافَ بكرمِها
عـنـابـهـا فَتَـنـاثَـرَت أَعنـابُهـا
وَتَبَـسَّمـَت وَالكأس حَشـو بَنـانِها
فَرَأَيـتُ مِثـلَ الكَأس طابَ رضابُها
فَـلثـغـرهـا وَلريقِهـا وَلطيـبِهـا
نَـفـحـاتِهـا وَحبـابِهـا وَشَرابُهـا
وَالأَقحـوان عَلى الشَقائق ناثِرٌ
أَوراقه نثـر القُطـار سحـابـها
فَتَـراهـمـا كالكـأس عِندَ طُلوعِها
هَــذا لَهُ راحٌ وَذاكَ حُــبـــابُهـــا
لِلَهِ كـــاســــاتٌ ثَـــلاثٌ جَــمَّعـــَت
لِذاتِهـا فَـتَــنـاسَـبَـت أَسبـابُهـا
وَلَقَد نعـمـت بِها لَياليَ لَمّتـي
تَعـزي إِلى أَهل الضَنى أَنسابُها
حَتّـى إِذا لَعِبَ المَشـيـب بِحُسنِها
عـزَفَـت لَهُ نَفـسـي وَزالَ لُعابُهـا
لي عِـنــدَ أَيامـي تُراث لَو غَدَت
مَـحــسـوبَـة أَعيـا عَليَّ حِسـابُهـا
صاحـبـتـهـا عشـريـن حَولاً كامِلاً
سَيـراً وَقَد مَلَّ السُرى أَصحابُها
طوراً أَغورُ وَتارَةً أَعلو الذُرى
وَتـمُــجُّنــي أَهضـامُهـا وَهِضـابُهـا
وَكَـأَنَّنــي فـي الغَـورِ سِرٌّ ضائِعٌ
وَكَأَنَّنـي فَوقَ العِقـاب عِقـابُهـا
في حَيث لا يَلقى الغَريب غُرابها
أَبَداً وَلا يَرجو الأَياب ذُبابُها
يَـرمــي الوجوهَ سِهامِهـا وَالشَمسُ
يَـلعَــبُ فـي الفجـاج لعابُهـا
أَلقى بِحُـرِّ الوَجه حُرَّ هجـيـرها
وَكَذاكَ دأبي في الأَصيلِ وَدابُها
فـي كُـلِّ ذَلِكَ أَبـتَــغــي حُـرّاً لَهُ
نَفـس تَمـيـل إِلى العُلى آدابُها
حَتّـى رَأيتُ الكامِل العَلَم الَّذي
عطـفـت إِلَيهِ مِنَ الأَنامِ رِقابُها
لَمّـا أَنـخَــت إِلى ذراه مـؤمِّلــاً
هانَـت عَليَّ مِنَ الأُمورِ صِعابُها
لِلَّهِ دَرُّكَ أَيُّ كـــاشِــــفٍ كُـــربَــــةٍ
كثـر الجَوابُ بِها وَقَلَّ صَوابُها
يَهديـهـمُ طُرُقَ الأَصابـة بَعـدَما
حـارََت بِهِ مِـن مَـعـشَـر البابُهـا
رَفَعـتُ بِهِمَّتـِكَ المَمـالِك عَهدَهـا
وَتَمَـسَّكـتُ أَقوى العرى أَطنابُها
تَتَـسـاقَـطُ الأَعداء حَولَكَ رَهبَـةً
وَتَـظَـلُّ تَرمـي بِالدَنـيّ غِضـابِهـا
يَــبـــدون عِـنــدَكَ ذِلَّةً وَمَهـابَــةً
وَإِذا بـعــد تَـكَــشَّرَت أَنـيـابُهـا
مِثـلَ الكِلاب السائِمـاتِ وَإِنَّما
مِثـلَ الكِلاب مِنَ الأنامِ كِلابُها
يَنـبَـحـنَ مِن شَمِّ الهَزبَـر وَصَوتِهِ
وَإِذا رَأَتــهُ تَــحَــرَّكَــت أَذابُهـا