للمرة الثالثة يلمح الرئيس التونسي إلى محاولات اغتياله ولأول مرة تحدث منذ ساعات عن الأطراف المتآمرين مع دول أجنبية لتصفيته. فمن هي الأطراف التي تقف وراء محاولات اغتيال رئيس تونس؟
يبدو أن الاتهامات موجهة ليس فقط لحزب النهضة وإنما للحزام السياسي الثلاثي لتحالف السلطة المكوّن من قلب تونس وائتلاف الكرامة إضافة إلى النهضة. ليس هذا الثلاثي فقط بل وينضم إليه أيضا كل من لهم مصلحة في إزاحة سعيد عن الرئاسة وهم لوبيهات الفساد المتحالفة مع هذا الثلاثي.
قوات الأمن ألقت القبض قبل أيام على إرهابي يخطط لعملية اغتيال تستهدف رئيس الجمهورية، خلال زيارة كان سيؤديها إلى مدينة ساحلية.
ليبيا هي على سبيل المثال أحد أوراق إخوان تونس للنيل من قرارات الرئيس قيس سعيّد التي أحدثت لهم شللا في الحياة السياسية التونسية... ومن من الحدود الليبية مع تونس كان يجري التخطيط لدخول الإرهابيين إلى البلاد والبدء في سلسلة من العمليات تهدد الأمن والعباد وتستهدف الرئيس شخصيا وعدد من الشخصيات الأمنية. وهناك وثيقة متداولة حملت توقيع وزير الداخلية الليبي تؤكد صحة المعلومات عن محاولة " 100 عنصر إرهابي" التسلل إلى تونس انطلاقا من قاعدة الوطية الجوية. تونس من جهتها قررت إغلاق الحدود بالكامل مع ليبيا. وقبلها في يناير الماضي تمت محاولة استهداف قيس سعيد لاغتيالة بطرد مشبوه لتسميمه وصل لقصر قرطاج، وتسبب فى إصابة مديرة الديوان الرئاسى بوعكة صحية وبعمى مؤقت.
وقد أصبح الاغتيال والفساد عنوانًا كبيرًا لمعظم الفضائح التي تورطت فيها قيادات الإخوان، وآخرها أمس، اتهام وزير الصحة السابق والقيادي في النهضة عبد اللطيف مكي بتهريب الأسلحة القادمة من تركيا إلى ليبيا تحت غطاء سياسي وفره "مكي" عندما كان وزيرًا للصحة في العام الماضي 2020 لمرورها إلى طرابلس عبر الحدود كشحنات أدوية.
ورغم نفي الوزير السابق هذه الاتهامات إلا أن ذلك لا ينفي الشكوك المتزايدة لدى الرأي العام التونسي تجاه الإخوان وتغلغلهم في مفاصل الدولة وتورطهم في عمليات إرهابية وشبهات الفساد الذي يحيط بأنشطتهم وإقدامهم على ارتكاب جرائم لخدمة أهداف التنظيم.
قبل ذلك، واجهت النهضة اتهامات بإنشاء جمعيات غير مشروعة مرتبطة بأحزاب أجنبية، في ضوء الفضيحة التي تسبب فيها نشر وزارة الدفاع الأمريكية على موقعها عقودا بآلاف الدولارات توضح استعانة الحركة بشركات علاقات عامة أجنبية للتأثير على إدارة بايدن للتدخل في تونس والضغط على الرئيس سعيد للتراجع عن قرارات 25 يوليو. ولعل ما تحاوله النهضة حاليا لمطالبة الجهات القضائية بالتحقيق في تعرض الرئيس للاغتيال لم ينطل على أحد، لأنه ضمن الحيل الدفاعية التي يتحصن بها الإخوان لإبعاد الاتهامات أو التلميحات الموجهة إليهم بالوقوف وراء محاولات استهداف حياة الرئيس كما اغتالوا من قبل خصميهم بلعيد والبراهمي. وقد دأبت الحركة على تكتيك "المظلومية" المزعومة بعد الكشف يوميا عن سلسلة من الجرائم تتورط فيها قياداتها منذ قرارات تصحيح المسار التي اتخذها الرئيس قيس سعيد لتبرئة ساحتهم أمام التونسيين.
ومن ضمن حلقات هذا التكتيك أيضا ما يتم الترويج له تحت شعار التراجع في صلب الأخطبوط الإخواني تجاه الرئيس التونسي وقرارات 25 يوليو؛ من ذلك مثلا "تلطيف" نبرة الخطاب تجاه الرئيس سعيّد والدعوة إلى مراجعة داخلية للإخوان وتحمل المسؤولية عن الأوضاع الاجتماعية المتردية. وتنكشف خيوط هذه الحيلة عندما نجد وزير الصحة السابق عبد اللطيف مكي أكثر القيادات الإخوانية المتزعمة لهذا المنحى. وهو نفس القيادي الإخواني المتهم حاليا بتهريب الأسلحة القادمة من تركيا إلى ليبيا على أساس أنها شحنة أدوية عندما كان وزيرا للصحة. وهو أيضا أحد قيادي النهضة الذي كان يتهم الغنوشي بارتكاب أخطاء لإبتعاده عن المطالب الشعبية وطالبه بإعلان الاعتزال والتنحي عن رئاسة الحزب. ولم تكن تلك العنترية في مواجهة شيخه الغنوشي إلا محاولة لإغلاق فضيحة إخفاء ملفات الفساد السياسي وتسفير الشباب التونسي لمناطق الصراع في ليبيا وسوريا والعمليات الإرهابية التي تعلقت بالنهضة.
ومحاولة فهم ما يحدث على الساحة وربط الخيوط ببعضها تكشف "تقية" إخوانية تحمل شعار الانحناء حتى تمر العاصفة، بينما "يستمرون في الاغتيال ويفكرون في الدماء " كما قال الرئيس التونسي أول أمس، لكن العاصفة هبت أيضا في إيقاع متواصل وستزلزل كيان هذا الأخطبوط وتعجّل يوما بعد آخر في رسم نهايته بعد أن جثم على صدور التونسيين طيلة العقد الأخير.
olfa@aucegypt.edu