التنين والدب واليانكي.. مآلات الصراع العالمي على أطلال أفغانستان
يمثل التطور السريع للأحداث على أرض أفغانستان من سيطرة حركة طالبان المسلحة على البلاد، حدثا له ما بعده سواء من حيث الأبعاد التي أدت إليه، أو المآلات التي سيقود إليها، خاصة في ظل حقيقة يعلمها الكثيرون، وهي أن تلك الدولة الموجودة في آسيا الوسطى، تمتلك ثروات ضخمة، على الرغم من فقرها المدقع.
ولعل ما تملكه أفغانستان من ثروات معدنية نفيسة، يجبرنا على طرح تساؤل حول مصير هذه الثروات، وما يمكن أن تطلقه من صراع عالمي، بحثا عن الفوز بها.
المتابع للأحداث في الدولة الأفغانية، يرى جليا كيف يرسم المال والاقتصاد، السياسة الخارجية للدول، بل وللجماعات الأصولية المتطرفة، التى أعلنت عصيانها على الأنظمة الديمقراطية في بلادها، الأمر الذي يسوقنا عند تحليل الأوضاع الراهنة، وأثرها على مستقبل تلك الدولة، للتفكير في شيء مهم يتعلق بالكيفية التي ستعمل طالبان بها، من أجل توفير موارد للدولة، وهل سيدفعها هذا إلى التحالف ـ ولو اقتصاديا ـ مع كيانات طالما اعتبرتها الحركة عدوا لها؟
الحديث عن مستقبل أفغانستان، تحت حكم طالبان، يستدعي تأكيد أن تجارة الحركة في الأفيون، ومختلف أنواع المخدرات الأخرى، الذي قد يصلح لجلب المال إلى جماعة متطرفة، مطاردة قانونا، لكنه لا يبدو كذلك إذا تحدثنا عن نظام حكم راسخ ومستقر، إذ كيف ستسمح الحركة لنفسها بتجريم ما تتاجر به؟ وكيف ستتعامل مع دول أخرى وهي في نظرها عصابة يجب مكافحة نشاطها؟
هذا الطرح يشير إلى أن حركة طالبان، مضطرة للتعاون اقتصاديا مع الدول الأخرى، وبالطبع سيبدأ هذا التعاون بالدولتين الأقرب، والأكثر رغبة في الفوز بثروات الأفغان، وهما: التنين والدب.
فالتنين الصيني يتلهف للحصول على ثروات أفغانستان، من معادن مثل: الليثيوم، والكوبلت، والحديد، والنحاس، وغيرها، وذلك حتى تستطيع أن تحقق التفوق على المنافس الأمريكي العتيد، وتركيعه إذا لزم الأمر.
الأمر ذاته ينطبق على الدب الروسي، الذي اعتاد على التعامل بمنطق "فيها لاخفيها"، حتى يتسطيع تحقيق أكبر المكاسب، بأقل التكاليف.
ويخطئ من يتصور أن هذا يمكن أن يحدث بعيدا عن أعين أحفاد اليانكي، القابعين في واشنطن، إذ يشير تقرير أعده مجموعة من الخبراء العسكريين والجيوسياسيين الأمريكيين، عام 2010، إلى أن أفغانستان تمتلك ثروة معدنية تقدر بقرابة تريليون دولار.
وزارة الدفاع الأمريكية ـ بنتاجون ـ ذكرت في تصريحات سابقة لمسؤوليها، أن أفغانستان تمتلك احتياطيا هائلا من الليثيوم، يشبه ما تمتلكه المملكة العربية السعودية من احتياطات نفطية، هذا بخلاف معدن النحاس الذي يمثل وحده ربع الثروة المعدنية لأفغانستان.
وبالنظر إلى أن معظم هذه المعادن تدخل في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، والهواتف الذكية، وأجهزة الحاسب الآلي المحمولة، فإن الصراع عليها سيحتدم قريبا جدا، ما يصنع لأفغانستان، وبالتالي حركة طالبان، أهمية قصوى، تجبر الدول العظمى على خطب ود الحركة التي أصبحت نظام حكم.
تطورات الأحداث تشير إلى إدراك قادة الحركة لكل ذلك، وإلى أنهم أيضا لن يكرروا أخطاء وقع فيها سابقوهم، بل ووقعت في الحركة نفسها، خلال ولايتها الأولى على أفغانستان خلال الفترة من 1996 إلى 2001.
وهذا الإدراك لأبعاد الموقف، دفع الحركة إلى البدء فورا في تدشين أعمال تجارية مع الصين وباكستان، ولعل التنين الصيني الأقرب لصناعة تحالف مع طالبان، لأن نظام الحكم الشيوعي القائم في بكين، لا يقيم وزنا لحقوق الإنسان، وبالتالي فلن يعيقه تاريخ الحركة المليء بالانتهاكات الوحشية، من التعاون معها، مثلما قد يحدث لبعض الدول الغربية، التي ستجد ولو في البداية، حرجا من الانفتاح على الحركة التي تحولت إلى نظام حاكم.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل يمكن تصديق أن أحفاد اليانكي الأمريكيين، لم يكونوا على دراية بكل هذه المآلات المرتطبة بخروجهم من أفغانستان؟!
السذج فقط من يمكن أن يصدقوا أن واشنطن لم تتحسب لكل ذلك، لذا أظن، ومعظم الظن ليس إثما، أن المفاجأة ستأتي من الغرب هذه المرة أيضا، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أنه لا مجال لبقاء طالبان كنظام حاكم، من دون أن تحدد بوضوح موقفها من إسرائيل.. ولا أعتقد أنه يمكن أن يأتي من الغرب ما يسر القلب.