ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية في عددها الصادر اليوم الجمعة أن شبحًا جديدًا يُطارد أوروبا حاليا، منذ استيلاء حركة طالبان المسلحة على كابول، تجلى في مخاوف أبرزها إمكانية تكرار أزمة اللاجئين التي اجتاحت المنطقة في عام 2015، وسممت سياساتها لسنوات، مع اللاجئين الأفغان الفارين من بلدهم خشية الموت على يد المسلحين.
وأفادت الصحيفة في مستهل تقرير (نشرته على موقعها الالكتروني) أن القادة الأوروبيين من جميع الأطياف أبدوا قلقهم من أن القارة قد تواجه تدفقًا هائلًا لطالبي اللجوء من أفغانستان، وهو ما قد يُعزز نفوذ الشعبويين اليمينيين قبل الانتخابات الحاسمة في ألمانيا وفرنسا.
وقالت: إن هذا الخوف دفع السياسيين من ستوكهولم إلى أثينا هذا الأسبوع إلى الإصرار على أنه لا يمكن أن يكون هناك "تكرار لعام 2015". وكان من بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يستعد للترشح لولاية ثانية كرئيس لبلاده في العام المقبل.
وقال ماكرون لشعبه في خطاب تلفزيوني:"يجب أن نتوقع ونحمي أنفسنا من التدفقات الكبيرة غير النظامية للهجرة والتي من شأنها أن تعرض للخطر أولئك الذين يستخدمونها بجميع أنواعها".
مع ذلك، أبرزت الصحيفة أن معظم دول الاتحاد الأوروبي وافقت على استقبال أعداد صغيرة من الأفغان، لا سيما من عملوا مع جيوشهم، داخل سفاراتهم أو لصالح منظمات المعونة الدولية.غير أن الجميع بدا مترددًا في التفكير بقبول تدفقات أكبر، خاصةً ألمانيا، التي أدى قرارها بقبول أكثر من مليون طالب لجوء في عامي 2015-16 إلى زعزعة النظام السياسي في البلاد.
وأضافت أن المخاوف الألمانية من أزمة لاجئين أخرى تصاعدت عندما أخبر وزير الداخلية هورست سيهوفر أعضاء البرلمان بأن استيلاء طالبان على السلطة قد يدفع ما بين 300 ألف إلى خمسة ملايين أفغاني إلى الهروب.
ولكن على الرغم من صدمة المجتمع الدولي إزاء انتصار طالبان على الحكومة الأفغانية والمشاهد الفوضوية التي عمت مطار كابول بعد ذلك، قال خبراء، في تصريحات خاصة للفاينانشيال تايمز، إن مقارنة الأزمة مع أحداث 2015 في غير محلها.
وقالت لويز أمتسبرج، المتحدثة باسم أحد الأحزاب السياسية الألمانية، بشأن الهجرة: "إنها مجرد مخاوف نظرية؛ حيث أن أفغانستان مغلقة، والدول المجاورة عززت حدودها والناس لا يستطيعون الخروج. لذا، فإن أي محاولة لمقارنة الوضع مع عام 2015 تعد خطأ فادح".
مع ذلك، لم يكن هناك من ينكر استمرار صدى تدفقات 2015، التي أدخلت الاتحاد الأوروبي في أزمة وجودية، وعمقت انقسامات عميقة بين دول مثل المجر، التي رفضت قبول المهاجرين وأقامت أسوارًا حدودية لإبعادهم، ودول أخرى مثل ألمانيا التي أرادت توزيع الوافدين الجدد بالتساوي عبر الكتلة، حسبما قالت الصحيفة البريطانية.
وأشارت إلى أن أبرز تداعيات 2015 تمثلت في عزلة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في الداخل والخارج حول الجناح اليميني المناهض للهجرة، المتمثل في حزب البديل لألمانيا، إلى قوة برلمانية جادة.
ولا تزال مسألة كيفية التعامل مع اللاجئين- وعدم إحراز الاتحاد الأوروبي تقدما في إصلاح قوانينه بشأن الهجرة واللجوء- شوكة في عنق أوروبا، كما أظهرت الأحداث الأخيرة في بولندا، التي تركت في هذا الأسبوع مجموعة من المهاجرين، بعضهم أفغان، عالقين في منطقة خالية بالقرب من قرية أوسنارز جورني الحدودية بعد أن رفضت السماح لهم بالدخول، كما رفضت بيلاروسيا استعادتهم.
وأرسلت وارسو عدة مئات من الجنود إلى الحدود وأمرت بإقامة سياج من الأسلاك الشائكة. فيما قال نائب رئيس الوزراء بيوتر جلينسكي يوم أمس الأول:" إن بولندا دافعت عن نفسها ضد موجة اللاجئين في عام 2015، وستدافع عن نفسها مرة أخرى الآن".
وأخيرا، قالت "فاينانشيال تايمز"، في ختام تقريرها، إن قادة أوروبا كانوا يأملون في أن يبقى معظم الأفغان في بلادهم، أو أن يظل أولئك الذين فروا في آسيا والبلدان المجاورة لأفغانستان بدلًا من القيام برحلة طويلة وشاقة إلى أوروبا، لكن المستقبل القريب ربما يحمل ما دون هذه التوقعات!.