على مدار يومي الـ 15 و 16 من أغسطس الجاري انطلقت فعاليات الدورة الثانية عشر من مؤتمر القصة الشاعرة والتي تقام تحت عنوان "القصة الشاعرة بين الخطاب المنفتح والمعنى المراوغ" وتحمل دورة هذا العام اسم الناقد الكبير الراحل الدكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافة الأسبق.
وناقش خلال فعاليات المؤتمر في 16 عشر ورقة بحثية حول القصة الشاعرة، والتي قدمت من قِبل مجموعة من النقاد والباحثين والأكاديمين، ومنها "القصة الشاعرة إشراقة جديدة" للدكتور منير فوزي أستاذ البلاغة والنقد الأدبي والأدب المقارن بكلية الآداب جامعة الجوف بالسعودية، و"القصة الشاعرة .. فن مرواغ، استطاع أن يحلق على جميع الفنون، ويتجاوزها لمواكبة متطلبات العصر" للدكتور عادل عوض أستاذ ورئيس قسم البلاغة والنقد الأدبي والأدب المقارن – كلية دار العلوم جامعة القاهرة، و "القصة الشاعرة ورؤى العالم الجديد- قراءات تطبيقية " للدكتور أيمن تعيلب، أستاذ النقد الأدبى المعاصر والعميد الأسبق لكلية الآداب جامعة السويس، القصة الشاعرة من العبارة إلى الإشارة : تأملات نقدية في قصص شاعرة لـ محمد الشحات محمد" للدكتور عبد الله رمضان، أستاذ الأدب والنقد المشارك بكلية اللغات جامعة المدينة العالمية – ماليزيا،ودراسة بعنوان "حتْمية حضور القارئ المثالي في القصة الشاعرة" للدكتور صبري فوزي أبو حسين، أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات، بمدينة السادات، و المقاومة بالأدب بين الفعل التواصلي والإرهاب الفكري، للكاتب محمد الشحات محمد، و "القصة الشاعرة جنس يجمع بين الحسنيين" "شرقاوي حافظ"، "القصة الشاعرة .. وأجيال الإبداع" لـ "عمرو الزيات"، كما تناولت الدراسات البحثية موضوع "تكثيف الصورة في القصة الشاعرة" للدكتور بديع فتح الله عليوه، وغيرها من الدراسات الهامة ، وفي السطور التالية أهم النقاط التي تطرق إليها مؤتمر القصة الشاعرة على مدار أيام المؤتمر.
وأشار الدكتور عادل عوض أستاذ ورئيس قسم البلاغة والنقد الأدبي والأدب المقارن – كلية دار العلوم جامعة القاهرة خلال ورقته البحثية التي حملت عنوان "القصة الشاعرة .. فن مرواغ، استطاع أن يحلق على جميع الفنون، ويتجاوزها لمواكبة متطلبات العصر" ، إلى أن القصة الشاعرة في تعريفها بأنها جنس أدبي جديد، نستعيد به "الانسجام بين الأجناس ورؤية العالم"؛ إذْ يجمع الفنون جمعًا تقنيًّا، وليس شكليًّا؛ فالقصة الشاعرة تجعل من هذه الفنون "تقنيات/عناصر"، لا يمكن فصلها، وإن تمايزت في السياق، لكن السياق نفسه هو البنية الضابطة لهذا الجمع، فتنصهر "الفنون/التقنيات" وتتضافر، كتفاعل كيميائي، مستندة إلى متغيرات العصر الرقمي. والارتباط الكوني.
ولفت إلى أن خصائص القصة الشاعرة هي الوعي بالعالم والموضوع، والاقتصاد الإبداعي، الذي تمتنع معه إحالة أي من "الفنون/العناصر/التقنيات" إلى جنسه السابق؛ ولذلك فإن "جنس القصة الشاعرة الأدبي حقق أعلى درجات الاقتصاد اللغوي"، وجدل الشفاهي والكتابي، فالقصة الشاعرة هي فن يعتمد الشفاهي بحكم القص، والكتابي بحكم الاتصال والشاعرية.
كما تعرف القصة الشاعرة بأنها: "قص إيقاعي تدويري وفق نظام التفعيلة، مؤسسة على التكثيف والرمز والمرجعيات الثقافية" ، فهي بالتالي "فن مرواغ"، استطاع أن يحلق بجناحيه على جميع الفنون الأخرى، كما استطاع - أيضًا - أن يتجاوز كل تلك الفنون، وقد أثبت فن القصة الشاعرة جدارته وتقنياته الخاصة به من حيث المفهوم، والتقنيات الجمالية، ووظائفه التى يسعى إلى تحقيقها .
فيما أوضح الدكتور أيمن تعيلب أستاذ النقد الأدبي المعاصر خلال ورقته البحثية التي حملت عنوان "القصة الشاعرة ورؤى العالم الجديد: قراءة تطبيقية"، أن القصة الشاعرة بوصفها فن الاختصار الكثيف المكتنز الدلالة من خلال بنيات تشكيلية ومعرفية بينية قائمة على التعدد والتداخل والترامى بعيدًا عن نقاء فكرة الحد الجمالى أو حتى فكرة تداخل حد القصة بحد الشعر بحد الدراما.
مشيرًا إلى أن القصة الشاعرة تعلو على كل قيد، فهى جمالية نوعية جديدة لا تستمد شرعيتها الجمالية والمعرفية من خلال تأطيرها ضمن أشكال الفن ، ونجدها تؤسس لشرعيات شعرية تعددية خارج نطاق حدود الأشكال الجمالية السائدة، فهى لا تعد امتدادًا تطوريا لأشكال سابقة عليها، ولاتهجينا تشكيليا بينها وبين غيرها من الفنون الأخرى بقدر ما تمثل قطعًا جماليًّا ومعرفيًّا بدئيًّا مع هذه الأشكال لتستقل بكينونة تشكيلية تجريبية خاصة بها خارج الأشكال السابقة.
فيما أشارت الدكتورة وفاء محمد سيد ، المدرس المساعد بقسم علم النفس – كلية الآداب جامعة حلوان ، خلال ورقتها البحثية التي حملت عنوان " دور القصة الشاعرة في تعزيز الهوية المجتمعية ومواجهة الحرب النفسية على اللغة العربية " إلى أن أدوات العولمة الثقافية قد غزت العالم؛ وباتت المجتمعات في حالة من الصراع الحضاري على الهوية المجتمعية الأصلية، حيث أصبح أفراد المجتمعات في حالة من التفاعل المستمر مع الكثير من المتغيرات الثقافية، مما أدى إلى زيادة التخبط الفردي والجماعي بين سلوكيات وأخلاقيات عديدة. وباتت المجتمعات في خطر حقيقي نتيجة لذلك الغزو الثقافي الممنهج.
وتابعت قائلة :" وتُعد اللغة العربية من أهم مقومات هوية الشعوب، وتعبر عن ثقافتها، فهي تعد وطناً ينتمي له كل من يتحدث العربية، كما أن اللغة بصورة عامة ترتبط ارتباط وثيق بتقدم الأمة، فكلما ارتقت اللغة يعد ذلك مؤشراً على تقدم الأمة، وإذا ما انحدرت كان دليلاً على انحدار الأمر. وقد كرم الله سبحانه وتعالى اللغة العربية بإنزال القرآن الكريم بها، قال تعالى "إنا جعلنه قرءانا عربيا لعلكم تعقلون"، وأصبحت اللغة العربية على مر العصور أساس القومية العربية.
وواصلت قائلة: "كما ترتبط اللغة بصورة وثيقة بهوية المجتمع والأمة، وتعد أخطر التحديات التي يمكنها أن تواجه هوية المجتمع هي التحديات والتشوهات التي قد تلحق باللغة، وذلك لأن اللغة هي حلقة الوصل بين الأجيال لنقل الثقافة والعادات والتقاليد، ومن ثم صبغة الجيل الجديد بالهوية المجتمعية لمجتمعه، وقد تعرضت اللغة العربية إلى تشوهات لم تحدث صدفة، ولكنها نتيجة لمحاولات مستميتة من العديد من الجهات لتشويه اللغة العربية، وذلك باستخدام الأدوات المختلفة للحرب النفسية ومن بينها الإعلام وأسلوب الدعاية وأسلوب الإقناع بالتكرار، وذلك مثل أن يتم كتابة جمل أجنبية بحروف عربية، وتستخدمها بعض الشركات الكبرى في مجال الدعاية والإعلام، كما يتم الترويج لاستخدام اللغات الأجنبية الأخرى على حساب اللغة العربية. وذلك يجعلنا ننظر للقصة الشاعرة باعتبارها جنسًا أدبيًّا جديدًا قائمًا على استخدام اللغة والتراكيب اللغوية العربية، كلوحة فنية إبداعية تتلاقى فيها الألوان لتشكل شعاع نور في تلك العتمة القاتمة".
وأشارت إلى أن البحث يسعى إلى تسليط الضوء على دور القصة الشاعرة في تعزيز الهوية المجتمعية ومواجهة الحرب النفسية على اللغة العربية، وأن الأدب بصورة عامة والقصة الشاعرة بصورة خاصة تُعد وسيلة للدفاع عن الهوية المجتمعية، لا سيما وقد استخدم الأدب والشعر خاصة منذ زمن بعيد كأداة مهمة في الحرب النفسية، والتاريخ الإنساني مليء بالمواقف التي قد كان فيها الأدب والشعر وسيلة لإنزال الهزيمة النفسية بالخصم".