بعد عزلة دامت طويلاً قررت الخروج من عزلتها.
بدأت تستجمع ما تبقى من طاقتها، تنهض وهي تفكر ماذا ترتدي اليوم. على غير العادة، كانت تريد أن تكون مميزة في هذا اليوم كما لو كانت تحتفل!
تزينت بأكثر مما اعتادت، نظرت بدقة في المرآة وهي تضبط حاجبيها ببراعة، دار بذهنها أنها كانت تواعده ببساطة شديدة في المظهر، وقتها كانت تفرح بالموعد كالأطفال، لدرجة جعلتها لا تهتم إلا برؤيته؛ لكنها هذه المرة تألقت على عكس طبيعتها البسيطة قاصدة مكان كان يجمعهما دائماً. اعتادا الجلوس هناك بالساعات وتجاذب أطراف الحديث، عن الفن والسياسية والرياضة، وذكريات الطفولة، المبهجة منها والمحزنة.
كانت تختلس نظرات دون لفت الأنظار، جلست في موضع قصيّ وهي تسأل نفسها: ماذا جاء بي إلى هنا وحدي؟
سرحت، تذكرت نظراته الهائمة وهو ينظر إليها في إعجاب بينما تتحدث ببساطة تنافس أناقتها، بينما شفتيها الرقيقتين لا تكفان عن الإفضاء بما لديها..
قطع هذا الشرود النادل وهو يسألها عن ماذا تريد؟
- أريد ورقة وقلم
نظر لها في دهشة للوهلة الأولى، ثم ذهب ليحضر إليها طلبها.
كانت قد قررت منذ بضعة أيام ترتيب أفكارها بالطريقة التي اعتادت عليها دائماً، ولكن استسلم قلمها بشكل تام لمشاعرها التي تنكرها أمام نفسها مرارًا وتكراراً. هذه المرة التقطت القلم وكتبت:
كنت أسمع دائماً عن لغة العيون، ولكني لم أقع في مثل هذا الحديث من قبل. كان يحتضن خوفي بنظرة واحدة دون أي مجهود، كانت عيناه بمثابة شاطئ جميل يغمرني حين تضيق بي الحياة. كانت تلاحقني نظرات الإعجاب دائماً من الجميع ماعدا هذه النظرة التي كانت تنتشلني من نفسي أحياناً وكانت تعني لي الكثير.
كنت أتمنى الاستماع لما يقول، ولكن كانت نبرة صوته دافئة للدرجة التي تجعلني أشعر بالسعادة دون اكتراث لما يقوله، كانت هذه النبرة ترتب الحروف، وتربط على قلبي. أدركت مؤخراً هذا الشعور بعدما قضيت أيامًا في سماع تسجيلاته الصوتية دون علمه، عندما أدركت ماذا تعني الإنسانية، كان الجميع يتحدثون عنها، ولكنه كان يمارسها. لم يعرف قط أن ما يبهرني هو أنه لا يعلم أنه يبهرني أبداً.
يمتلك قلبًا طيبًا، وخفة ظل، وأشياء جميلة. لا توجد كلمات تليق بها، وبالرغم من أني أجيد التعبير دائماً، لكن هذه المرة أعجز عن وصفه، ولا أجد من الكلام ما يليق به.
كتبت هذا، ثم التقطت الورقة ودفعت ثمن مشروبها المعتاد دون أن تطلبه، ثم رحلت.