باتت التطورات المتلاحقة التي شهدتها أفغانستان سببا إضافيا لزيادة حالة الانقسام القائمة بالفعل داخل المجتمع الأمريكي، كما وضعت إدارة الرئيس جو بايدن في مواجهة اختبار ربما يكون الأصعب منذ توليه السلطة قبل نحو سبعة أشهر،لكنها قد تحدد أجندة سياسة بايدن الخارجية في باقي سنوات حكمه.
أفغانستان، أو عقدة العشرين عاما، والتي جاء بايدن راغبا في إسدال ستارة النهاية عليها، باعتبارها واحدة من المآسي الحديثة في السياسة الأمريكية، وعبئا محمولا على أكتاف الإدارات الأمريكية المختلفة، ظن الديمقراطيون، الذين في السلطة الآن بواشنطن،أنه آن الأوان للتخلص من هذا العبء الثقيل بعد أن فقدت بلادهم بسببه في تلك الحرب أكثر من 2400 جندي، كما أنفقت تريليوني دولار عبر العقدين الماضيين من بينها 83 مليارًا في تدريب 300 ألف من القوات الأفغانية لم تستطع الصمود أمام زحف طالبان.
وجاءت الأزمة الأفغانية فرصة سانحة لخصوم بايدن من الجمهوريين الذين حملوا على الرئيس بمنتهى القسوة، ووجهوا سهاما هي الأشرس على الإطلاق،
وتعرض بايدن لانتقادات لاذعة من جانب أعضاء بالكونجرس من الجمهوريين، واتهموه بسوء إدارة ملف القضية الأفغانية ونددوا بسحب القوات الأمريكية مبكرا،ودون تخطيط جيد تاركين الأرض نهبا لمقاتلي طالبان ولتعود أفغانستان تهديدا خطيرا للمصالح الأمريكية في المنطقة.
وقد عكست التغطيات الإعلامية واسعة النطاق للأزمة الأفغانية هي الأخرى حجم الانتقادات الكبيرة الموجهة للرئيس الأمريكي وخصوصا بعد استيلاء طالبان على أفغانستان والانهيار السريع للحكومة الأفغانية.
وبينما شبه البعض الأزمة الأفغانية بالنسبة لإدارة بايدن بأنها على غرار حرب فيتنام،التي أدت إلى وصمة عار في جبين الولايات المتحدة عبر تاريخها، عندما أخلت بصورة متسرعة السفارة الأمريكية في مدينة سايجون بجنوب فيتنام بعد دخول القوات الفيتنامية الشمالية إلى هناك ما مثل هزيمة مخزية لأمريكا هناك في عام 1975.
ويرى مراقبون أن الولايات المتحدة تقف الآن في مفترق طرق خطير، وبعد إجلاء الأمريكيين وبعض الأفغان من كابول، لن يتوقف الأمر عند هذا الحد، فكيف سيتم التعامل مع الملف الأفغاني ؟، حيث من المستبعد العودة إلى استخدام القوة وغزو أفغانستان مرة أخرى، في ظل رفض شعبي عارم لهذا الاحتمال، ولكن هل من الممكن السعي مجددا للتفاوض مع طالبان التي باتت في موقع القوة، وعلى الأرجح سوف تحتمى ببعض جاراتها ممن توصف ب"أعداء" الولايات المتحدة، اختيار قد لن يكون سهلا في هذه القضية الشائكة والتي من المؤكد أن تكون لها توابعها في الفترة المقبلة على الصعيد الدولي.