الحياة صعبة، لكنها تصبح سهلة بوجود سند، فبوجوده نشعر بالراحة والأمان، ونستطيع أن نقف مرة أخرى حتى وإن سقطنا، فهناك يد ممتدة دائما لتمسك بنا، وتشدنا لنصبح أقوياء، لا تهزمنا الظروف مهما كانت قوتها.
قصتنا اليوم، قصة حب لا نشاهدها سوى في الأفلام وقصص الخيال، لكنها واقع تحكى عن أبطال هزموا الظروف، وأصبحوا سندًا ومصدر إلهام لجميع الأزواج.
بطلة قصتنا هى الدكتورة إيمان كريم، أستاذ اللغويات التطبيقية بإحدى الجامعات الخاصة، وعضو مجلس إدارة في إحدى الأندية الكبرى، وتشارك بأعمال تطوعية في العديد من المؤسسات الخيرية، وعضو مجلس أمناء بمؤسسة الحسن لدعم ذوى الهمم، مستخدمى الكراسى المتحركة.
تحكي إيمان قصتها لـ"البوابة نيوز" فتقول: "كنت بطلة سباحة، وشخصية رياضية واجتماعية، وكنت عاشقة للبحر، وفى إحدى المرات ذهبت مع أصدقائى لأمارس الغطس، لكنني قمت بحركة خاطئة، نتج عنها إصابتى بالنخاع الشوكى، لأصبح مريضة بالشلل الرباعى، وينتهى بي الأمر على كرسى متحرك، وأنا في الرابعة عشر من عمرى.
وتقول "إيمان": هذه الحادثة غيرت حياتى بالكامل، فقد رأى كل من حولى أن الحياه أصبحت صعبة، خاصة أن حياتى أصبحت على كرسى متحرك، لكن بعد خضوعى للعلاج لفترة كبيرة، وخروجى من المستشفى، أدركت أن الابتلاء يأتى بمقدار تحملك وقدرتك، وشعرت حينها أن الحياة لم تنته بعد، وساندتنى والدتى في حياتى، وكانت هى السند الأول، يليها أبى وإخواتى وأصدقائي.
وتضيف: لقد عانوا معى كثيرا، وشجعوني على أن أستكمل دراستى وقد فعلت ونجحت بتقديرات وقد ساعدنى أيضا على ذلك مديرة مدرستى فلقد كانوا يقدمون لى الدعم وكل سبل الراحة وبعد حصولى على الماجستير بدأت قصة حياة أخرى مع سندى في الحياة وتوأم روحى وحبى الذى أدين له بجميع نجاحاتى".
وعن قصة حبها؛ قالت "إيمان": "بدأت القصة في نادى الصيد، في يوم ممطر، لم أكن أعلم أنه يوم سعادتى، عندما قابلت العميد البحرى يسرى عبد العزيز، لأجد رجلا وسيمًا يدخل على كرسى متحرك، ويحاول التعرف على، وعندما علمت بمنصبه بالنادى، واهتمامه بذوى الهمم، توقعت أنه مهتم بأمر مرضى.
وتستدرك "إيمان" بقولها: لكنني اكتشفت أنه يحبنى، حب من أول نظرة، يمكن ناس كتير مبتصدقش إن فيه الحب ده، بس ده شيء واقعى حصل معايا، أنا كنت متحفظة وخايفة، بس هو كان شخص نادر جدا، وشخصية ملتزمة ومحبة ومحترمة، وجدت رجلا جذابًا ووسيمًا وذا شخصية قوية، وبالتالى وقعت في غرامه، وحبيت حبه لي".
وأضافت: كان يسرى عميد بالبحرية، لكنه في يوم عندما كان يمارس عمله، أصيب في حادث، مما أدى إلى إصابته، ووصوله إلى كرسى متحرك، وهذه الإصابة كانت قبل إصابتى، أو تعرفى عليه، فقد مر بنفس تجربتى، لكن قبلى بفترة كبيرة، وكان تعرفى عليه السبب في خروجي للمجتمع والحياة بقوة، فتجربته وخبرته شجعونى على ذلك، خاصة وأن فارق العمر بيننا نحو ٢٥ عامًا، وبعد أن كانت كل اهتماماتى الدراسة فقط، بدأت أهتم بالمجتمع والحياة.
وعن دعم زوجها لها؛ قالت الدكتورة إيمان: "كان سندًا لي بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وحبه لى كان تلاقى أرواح، كان بيفهمنى، وبيحب يساعدنى في كل حاجة، من غير ما أتكلم، يسرى يشغل مناصب كثيرة جدا، ومن خلال خبرته وتجاربه قدر ينقل لي كل ده ويساعدنى".
وقالت "إيمان": قرار جوازنا لم يكن سهلا، لا علينا ولا على الناس، لم يكن له أي أغراض سوى الحب، وقررنا نتزوج مع عدم وعى كبير في المجتمع في الوقت ده، وتساؤلات كثيرة من الناس هل ينفع اثنين على كرسى متحرك يتجوزوا، هيعيشوا إزاى، هيقدروا يخدموا نفسهم؟، ده غير فارق السن الكبير، خاصة أن المجتمع الشرقى دائما يفضل عدم وجود فارق كبير في السن.
وأضافت: لكن بالنسبة لى لم يسبب هذا أي عوائق، خاصة أن عمرى ما حسيت ده، هو كان شباب باستمرار، وكان وسيما، وعمرى ما حسيت إنه أكبر منى، والإيجابى في الموضوع إنه كان بطل حرب، فكان بيلتزم بكل شيء، ويقدر المرأة، فتجربة الزواج لم يكن مرحب بها من ناس كتير، بس والدتى وأصدقائى كان لهم رأى آخر، شجعونى ودعمونى، وكانوا شايفين قد إيه هو بيحبنى، وهيسعدنى، وإني هعيش حياة مريحة وسعيدة معاه".
وعن حياة ما بعد الزواج؛ أوضحت "إيمان": خضنا التجربة، وهذا يعتبر التحدى الثانى بعد تحدينا الأول لظروفنا، وكان تحديا ناجحا، وفعلا اتجوزنا، واستمر هذا الزواج الناجح نحو ٢٠ عاما، وكانت حياة زوجية كلها سعادة وأمان وحب وانطلاق، كنا نذهب إلى كافة الأماكن، وكنا مصدر إيجابى وإلهام لكل اللى حوالينا، بقينا نقطة جاذبة جدا لكل الناس اللى عايزة تتجوز وهى على كرسى متحرك، خاصة أننا كنا شخصين محبوبين ومعروفين والناس كانت معجبة بتجربتنا.
مواقف صعبة
وعن المواقف الصعبة التي واجهتها في حياتها؛ قالت "إيمان": عدينا بمواقف كتير صعبة، ومن أصعب المواقف أنى كنت بحتاج حد يساعدنى في البيت، وده كان صعب جدا، لأن مصر مفيهاش ناس مدربة، بس تحدينا الظروف، وكان بيعدى علينا أوقات كتير أنا مبقدرش أتواجد معاه لوحدينا، وديه كانت لحظة قاسية، بس كنا بنحاول نتخطاها، ونستعين بناس مدربة، أما بالنسبة للمواقف الأخرى، وعند تعرض أحد منا لموقف كان الطرف الآخر بيسانده، ويقف بجانبه، خاصة أننا كنا بنحس ونستوعب كل واحد فينا بيمر بايه، إحنا حلينا كل مشاكلنا بالاحتواء، وعدينا بتجارب قاسية كتير، فأى مشكله كنا بنشوفها سهلة وبنحلها بسرعة ونعديها.
وأوضحت أنه "دائما كان يساعدنى، ويقدر طموحى، ويقف بجانبى، وهو كان السبب أني أمارس التدريس في الجامعة، وشجعنى أنى أشتغل، وبالفعل أصبحت أنا الدكتورة الوحيدة في جامعتى اللى بتدرس للطلاب على كرسى متحرك، وكان دايما بيعلمنى، اتعلمت منه كتير، وأهم الحاجات اللي اتعلمتها منه إزاى أخدم الآخرين، وأهتم بمشكلاتهم، وأنسى مشاكلى.