ما يحدث في أفغانستان يدعو ويثير أسئلة عديدة!، فربما حيرت الأحداث في "كابول" البعض، وربما أقر آخرون بأن ما كان لهذا أن يحدث إلا بمباركة أمريكية، وإعطاء الضوء الأخضر، بل قبلة الحياة لحركة طالبان لإحياء الإرهاب العالمي مرة أخرى وصنع "حاضنة" جديدة له، ينتشر من خلالها للوجهة التي تستهدفها الإدارة الأمريكية وخاصة دول الجوار ومنها الصين.
وربما فسر البعض، أن ما يحدث فى أفغانستان، بعد سيطرة حركة "طالبان"، على السلطة، جاء بمثابة هدية الرئيس الأمريكى جو بايدن للصين، ولعلهم ذهبوا إلى ذلك متذكرين ما حدث في"سايجون" في 30 أبريل 1975، من سقوط مهين لـ "سايجون" أمام الشيوعيين الفيتناميين، وانهيار جدار برلين وانتصار الولايات المتحدة فى الحرب الباردة، لكن هذه المرة قد يؤدي انهيار نظام كابول،إلى تعزيز الصين الشمولية فى مواجهة الديمقراطيات الليبرالية.
كل هذا وأكثر، قد يطرأ على الأذهان، بعدما وصلت حركة طالبان إلى القصر الرئاسي في العاصمة كابول، تلك الحركة التي ظهرت خلال الحرب الأهلية التي أعقبت انسحاب القوات السوفييتية في عام 1989، وكانت تتواجد بشكل أساسي في الجنوب الغربي ومناطق الحدود الباكستانية، وتكونت في بدايتها من 53 من طلاب المدارس الدينية، بايعوا الملا محمد عمر أميرًا عليهم، كحركة تحمي المدن والقرى الأفغانية من قطاع الطرق، ثم انتقلت من الحماية إلى الوصاية.
وبعودة سريعة بالذاكرة، نستحضر صورة وأحداث صعود حركة طالبان لحكم أفغانستان في المرة الأولى، عقب الانسحاب السوفيتي تسعينيات القرن الماضي، ووقتها كانت الحركة مجرد تجمع للمجاهدين ضد السوفيت، وآنذاك تلقت الإمدادات والمعونات من الولايات المتحدة الأمريكية بسخاء ودون تردد، حتى تستطيع التصدي والوقوف في وجه الاتحاد السوفيتي الغريم التقليدي لأمريكا.
ولكن، وبعد 20 عاما من الحرب، وانسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان في أعقاب اتفاق بين الولايات المتحدة، ومقاتلي طالبان الذين تركوا السلطة في 2001، قد يكون السؤال الأهم: هل سلم الجيش الأفغاني السلطة لحركة طالبان دون مقاومة؟ أم حارب من أجل شعبه؟
وللإجابة عن هذا السؤال، علينا أن نعرف في البداية أن تعداد الجيش الأفغاني لا يقل عن 350 ألف جندي، تم تدريبهم وتجهيزهم من قبل الولايات المتحدة، مما حدا بالجميع التوقع بأن يكون الجيش رادعا قويا وحائطا لصد متمردي طالبان، الذين يقدر عددهم بما يقرب من 60 ألف مقاتل، بخلاف مؤيدي الحركة.
والإجابة هنا من وجهة نظري، وكما أكدت تقارير عدة أن الجيش الأفغاني لم يحارب من أجل شعبه، وكما قال " رحيم الله" المجند بالجيش الأفغاني: "الجميع سلموا أسلحتهم وفروا، ولم نستلم أي مساعدة من الحكومة المركزية، لذا سقطت المدن دون قتال، رغم أن "طالبان" حاربت بعدد أقل من المقاتلين، وكانت بلا دروع أو أسلحة ثقيلة".
ولعل فشل الجيش الأفغاني في الدفاع عن المدن ومؤسسات الدولة، ارتبط ارتباطا وثيقا بانسحاب القوات الأمريكية التي كانت تقدم له الدعم والإمدادات بشكل مستمر، لكن مع الانسحاب ضعفت خطوط دفاع الجيش الأفغاني وبات بلا غطاء جوي يحميه، ومع بدء تحركات متمردو طالبان نحو المدن والقرى والمؤسسات للاستيلاء عليها، شلت حركة القوات الأفغانية أمام تلك التحركات السريعة، وأصيبت بالإحباط لدرجة أنها لم تبد أي مقاومة تذكر.
ناهيك عن التقدم المتسارع لمسلحي حركة طالبان على حساب قوات الجيش الأفغاني، وعدم قدرة الجيش الأفغاني على القيام بمهام صعبة ومعقدة كانت تقوم بها القوات الأمريكية، ومنها الجمع بين العمليات البرية والقوة الجوية، واستخدام الطائرات لتزويد المواقع الأمامية بالإمدادات، وضرب الأهداف ونقل الجرحى والاستطلاع وجمع المعلومات الاستخباراتية، وهو ما لا يستطيعه الجيش الأفغاني.
والحقيقة الجلية الآن، هي العودة المشئومة لمقاتلي طالبان لحكم أفغانستان، لنراقب جميعا وعن كثب، ماذا ينتظر العالم بعد عودة الحركة لقصر "كابول"؟