الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

رفعت السعيد.. مكوناته الفكرية وسماته السياسية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تمر هذا العام ٢٠٢١ أربعة أعوام على رحيل الدكتور رفعت السعيد المؤرخ والمفكر والقائد السياسي، وكان الراحل الكبير يتسم بعدة سمات أصبحت لصيقة بشخصيته، وهي سمات وصفات نابعة من تكوينه الفكري والسياسي وخبراته السياسية والنضالية والعملية، فهو من التيار اليساري التقدمي الذي يدور في فلك استراتيجيات الثورة الوطنية الديمقراطية ذات الآفاق الاجتماعية وقضاياها التقليدية الثلاثة: الاستقلال الوطني، والديمقراطية السياسية، والعدالة الاجتماعية.
لكن هذه الإستراتيجية عند الدكتور رفعت السعيد كانت لها مداخلها الجديدة وتعبيراتها الجديدة التي تنتمي لطريقته في تناول القضايا، بجذبها من توجهاتها العامة واستراتيجياتها إلى قضايا السياسة العملية وتفاصيلها اليومية، ودون أن تتخلى كتاباته عن البعد الوطني التقليدي في ارتباطه بقضايا الاستقلال الوطني ومواجهة تحديات الأمن القومي، أو تتخلى عن البعد الاجتماعي المرتبط بقضايا العدالة الاجتماعية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية للفئات الشعبية، قام السعيد بعمليتين معًا:
الأولى:
هي استثمار خبراته الخاصة وثقافته كمؤرخ ومفكر دارس للتاريخ المصري في عملية ربط القضايا الراهنة للثورة المصرية بجذورها التاريخية باعتبارها حلقات ثورية متتابعة منذ الثورة العرابية، وربطها بنضال القوى والتيارات الوطنية واليسارية في ظل هذه الحلقات الثورية عبر التاريخ الحديث.
والثانية:
هي قيامه بإضافة القضايا المعاصرة الجديدة لتكون في القلب من إستراتيجية الثورة الوطنية الديمقراطية في حلقاتها الجديدة، وأضاف في هذا السياق ثلاثة مداخل وأولويات مترابطة هي: 
المدخل الليبرالي الرافض لأي تمييز:
وصنع السعيد لنفسه بهذا المدخل وضعًا جديدًا كقائد حزبي يصبغ يساريته بصبغة ليبرالية واضحة في مجالات الفكر والرأي والتعبير، وذهب يدعم هذا المدخل بالعديد من الكتابات الصحفية والمؤلفات عن الشخصيات ذات التوجه الليبرالي وأهميتها في التاريخ المصري الحديث.
ومدخل الوحدة الوطنية والمواطنة الرافض للطائفية:
وشغلت قضايا الوحدة الوطنية والمواطنة وظهور الفتنة الطائفية والإرهاب الموجه ضد أقباط مصر مساحة كبيرة من النضال السياسي والكتابة الفكرية للدكتور رفعت السعيد، وما من ورقة – تخص بيان سيصدر أو تقرير سياسي يجري إعداده أو برنامج عام أو انتخابي – وقعت تحت يده إلا وأضاف فيها بقلمه جملة عن الوحدة الوطنية ورفض الطائفية ورفض التمييز بين المواطنين على أساس الجنس أو الأصل أو الدين، المرأة كالرجل والمسيحي كالمسلم، ولم يكن هذا التوجه الواضح في الدفاع عن الوحدة الوطنية وأقباط مصر مثار نقد قوى العنف والطائفية والإرهاب فقط، بل كان كذلك مثار نقد بعض اليساريين الراديكاليين ممن لا يرون في اليسارية سوى ما يتصورون أنه صراع طبقي، وبينما كانوا ينظرون لهذه التوجه للدكتور رفعت السعيد باعتباره تخلٍ عن اليسارية واستبدال الدفاع عن الطبقة العاملة والنضال الطبقي بالدفاع عن الأقباط، كان السعيد ينظر إلى نقدهم باعتباره طفولة يسارية. 
والمدخل المدني الرافض للدولة الإخوانية والتأسلم وخلط الدين بالسياسة:
وبينما كان هذا المدخل المدني في ارتباطه بـ المدخلين السابقين، مدخل الوحدة الوطنية ومدخل ليبرالية الفكر والسياسة وبناء الدولة المدنية واضحًا عند الدكتور رفعت السعيد في دعوته لإقامة دولة مدنية ديموقراطية حديثة ذات دستور مدني لدولة ليبرالية حديثة‘ فقد كان هذا المدخل هو الأكثر وضوحًا في شقه الرافض لتنظيم الإخوان من منطلق رفضه لعملية خلط الدين بالسياسة التي يمارسها الإخوان، واصفًا هذا الخلط بالتأسلم ورابطًا سياسات وتوجهات الإخوان والجماعات المرتبطة بها بما أسماه بالتأسلم وليس بالإسلام، وسمى الإخوان وهذه الجماعات بالمتأسلمين، ورفض تسميتهم بالإخوان المسلمين أو تسميتهم بالإسلام السياسي.
وحذر الدكتور رفعت السعيد مبكرًا من مخططات جماعات التأسلم التي تسعى لإقامة الدولة الإخوانية، وحذر من لجوء هذه الجماعات للعنف والإرهاب وإثارة الفتنة الطائفية تحت وهم الجهاد من أجل إعادة إحياء دولة الخلافة، وبينما كانت هذه النقطة هي إحدى أهم النقاط الإستراتيجية في الفكر السياسي لرفعت السعيد، كانت هي نفسها أهم نقاط الخلاف معه من بعض القوى الليبرالية والقومية واليسارية، التي كانت تسعى دائمًا للتحالف أو التنسيق مع الإخوان، ولم تفطن لتحذيراته إلا بعد صعودهم بعد ثورة ٢٥ يناير ولأسباب يطول شرحها لحكم مصر بين يونيو ٢٠١٢ ويونيو ٢٠١٣، ويبدو أن البعض لم يفطن بعد لتحذيراته وكأنها صرخات في صحراء، ولم يستطع أن يرى ما رآه الدكتور رفعت السعيد مبكرًا وما تنبأ به وسطره في كتاباته مبكرا. 
خاتمة:
حاولنا في هذه المساحة الاقتراب من السمات الفكرية والسياسية للدكتور رفعت السعيد كقائد حزبي وسياسي يساري، ونتمنى أن نكون قد نجحنا – بقدر الإمكان – في رسم صورة تقريبية للدكتور رفعت السعيد كقائد حزبي وسياسي يساري نساهم بها في المزيد من التعرف عليه وعلى أفكاره وتوجهاته وخبراته العملية، متمنين أن نسهم بذلك في ابتعاد الكتابة الفكرية والسياسية عن الخلافات الذاتية ودوائر الشخصنة المنطلقة من الحب والكراهية، والأهم من كل ذلك أن نتمكن من الحوار وممارسة عمليات الخلاف والاختلاف حول الأفكار بوعي يجعل من التنوع والتعدد والاختلاف ضرورة موضوعية ومقدمة لحوار مثمر. 
مع تقديرنا غير المحدود للراحل الكبير الدكتور رفعت السعيد، وتمنياتنا لكل المتحاورين اتفاقًا أو اختلافًا بالصحة وطول العمر والمزيد من الرقي والثقافة والإبداع الفكري والتنظيمي والسياسي.