ينفتح الشعر على التجربة الإنسانية اللانهائية، متحركًا في فضاء الخيال والدهشة، محاولا إعادة بناء الوجود عبر أصواته الحميمية القريبة من روح المتلقي، ويُعد الشعر هو الوسيلة الأكثر فاعلية في التعبير عن الأحلام والانفعالات والهواجس التي تجوب الوعي الإنساني واللاوعي أيضًا، وتتنوع روافد القصيدة من حيث الموضوع والشكل ليستمر العطاء الفني متجددا ودائما كما النهر..
تنشر "البوابة نيوز" عددا من القصائد الشعرية لمجموعة من الشعراء يوميا.
واليوم ننشر قصيدة بعنوان "وَحيد" من بين قصائد المجموعة الشعرية "في صحة الجدوى" للشاعرة سلمى فايد.
وَحيد
آدمُ
يعرفُ أسماءَ الأسلحةِ جميعًا
ويخافُ النومَ بمُفردِهِ
التبغةُ تقتلُ يا أُمّي
والشجرُ يخاف
ينظر..
عصفورُ صديقي في القفصِ هُناك
وصديقي
يحسبُ أنّ العصفورَ يُغنّي
يا أمّي العصفورُ حزين
يتخيّلُ بيتًا عندَ الماء
نخلتُهُ سقفٌ
وضيوفُ الليلِ قبيلتُهُ
بومٌ وعفاريتٌ وأغانٍ يفزعُ منها الناس
جدّي الأكبرُ
لم يلقَ نهايتَهُ
كالرّايةِ
يحملُها نفَسٌ يصّعّدُ
من صدرٍ حُرٍّ
أو مثلَ دليلٍ ألقى السّكّةَ للعميان
وأطعمَ قلبَ المشغولينَ
- كما قالوا -
جدّي الأكبرَ
ماتَ
وكانَ بكاملِ فِعلتِهِ وإرادتِهِ
ينحازُ لزاويةٍ
تصلحُ كي تنتزعَ
ضحاياهُ الحيّةُ من دمِهِ
أسبابًا مُقنعةً للورطةِ
التبغةُ تقتلُ
أو لا تقتلُ يا أُمّي..
يعرفُ أنّ القصّةَ
قصّتُهُ
فيُجرّبُ كلَّ الأدوار..
يحكي عن رجُلٍ أزليٍّ
وامرأةٍ موّتَها الكاتبُ من أجل الحبكةِ
رجلٌ أزليٌّ في القصّةِ
يحكي عن رجلٍ أزليٍّ
في وقتٍ آخر..
لا يعرفُ ما اسمُ مؤلّفهِ
التبغةُ تقتلُ
والكاتبُ يتخفّى
من خلفِ الحرَسِ الشّخصيّين
لكنّ الإنسانَ وحيدٌ يا أُمّي
يصنعُ بيديهِ طريقًا
ويتوهُ بها
يتحسّسُ أجزاءَ الذاكرةِ
فيجدُ علاماتٍ وأماكِنَ
توحي - أحيانًا -
أنّ لهُ أُمًّا..
التبغةُ تقتلُ
والخيبةُ
العينُ المُمتلئةُ
البابُ المُغلقُ من خارِجِهِ
والفِكرةُ
لو حدثَ وصارت
سورًا وترابيسَ وخطًّا أحمر
ولَدي
لم يقتُلْ أحدًا
لكنّ الكاتبَ قرّرَ ذلك
لم تكُنِ الجثّةُ
إلّا ضربةَ حظٍ ماكِرةً
كي لا يُضطرَّ إلى النومِ بمُفردِهِ
آدمُ
علّمَهُ الكاتبُ
أسماءَ الأسلحةِ جميعًا
وتولّى عنهُ
فصارَ يخافُ إذا حاولَ
أن يعرِفَهُ
التبغةُ
تقتلُ؟
أم لا تقتلُ يا أُمّي؟
واللهُ كذلك.