الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صنعتم الساعات ونحن نملك الوقت!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

مع الزحف السريع لقوات طالبان على المدن الأفغانية ومشاهد الهرولة لإجلاء مدنيين ودبلوماسيين غربيين من كابول، تزحف أيضا إلى الذاكرة صور الهزيمة الأمريكية في سايغون بفيتنام، ليعود الوضع في أفغانستان للمربع الأول قبل أن تدخلها القوات الأمريكية بأمر من بوش الابن قبل 20 عاما.

 ويبدو أن الأطراف الغربية كما الأمريكيين يتركون أفغانستان الآن لمصيرها. وهاهي طالبان في طريقها للسيطرة الكاملة على المدن الأفغانية بأسرع مما توقعت أمريكا نفسها، خاصة بعد الفرار المفاجئ للرئيس أشرف غني وتقدم قوات طالبان نحو كابول، وكأنها تثبت بذلك صحة شعار ترفعه منذ أكثر من عقدين: «صنعتم الساعات، فيما نملك نحن الوقت»! 

والسيناريوهات الكارثية مفتوحة حاليا على مصراعيها وتتضمن إعلان إمارة الخلافة الإسلامية بكل ما تعنيه من تهديد لأمن واستقرار الدول المجاورة وصولا لدولنا في منطقة الشرق الأوسط ومحاولات تفريخ الإرهابيين وتصديرهم لتكرار التنظيمات المتشددة في الدول الإسلامية والعالم كله. هذا بالإضافة إلى الكارثة الإنسانية حيث تدفق مئات الآلاف من اللاجئين الأفغان وعودة الحرب الأهلية طويلة الأمد ومعها معاناة المدنيين الذين سيسددون فاتورتها كالعادة وفي مقدمتهم النساء والأطفال والإصلاحيين والمفكرين المستنيرين. وهكذا تفشل وكالات الاستخبارات الغربية في تقديراتها للوضع مرة تلو الأخرى فقد سبق وأخطأت في غزوها للعراق وسوريا وليبيا وأنفقت مليارات الدولارات وأهدرت آلاف الأرواح، لكن تدخلاتها باءت بالفشل واليوم لا يفيد التراجع شعوبا شُرّدت وأرضا حُرقت وأوطانا دُمّرت!

وعند البحث عن قادة طالبان الذين يقودون حاليا التحركات على أرض الواقع دبلوماسيًا وعسكريًا نستطيع أن نفهم ما يدور وأنه لا يبدو بمنأى عن الجانب الأمريكي وأطراف أخرى مثل إيران والصين وروسيا. وعندما نستحضر الماضي نتذكر كيف استخدمت أمريكا أفغانستان كأرض لصراعها مع الاتحاد السوفياتي في 1997، ودعمت بالمال والسلاح المقاتلين من شتى البلاد فذهبوا للحرب «المقدسة» وتدربوا تحت إمرتها ومباركتها وعادوا إلى بلدانهم بعد هزيمة الاتحاد السوفيتي وخروجه من أفغانستان سنة 1989. وكونوا التنظيمات الإرهابية وحاربوا دولهم وقتلوا السيّاح والأبرياء ونشروا الخراب الذي مازلنا نعاني من تداعياته في العديد من دولنا. ثم انقلب السحر على الساحر بعد أحداث 11 سبتمبر وتدخلت القوات الأمريكية لضرب من ربّتهم ورعرعتهم في حضنها وانقلبوا عليها. لكن طالبان كانت قد قويت شوكتها وامتدت إلى طلبة المدارس الدينية ونصبت لها أميرا هو الملا عمر عام 1994 وازدادت قوتها بعد أن أنشأت المعسكرات التدريبية التي جمعت مقاتلين من عدة جنسيات في قندهار جنوب غرب أفغانستان وأصبحت تحكم البلاد من عام 1996 وحتى 2001 تاريخ التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان والذي تبعته قوات الناتو.

الآن يتصدر عدد من قادة طالبان المعركة للسيطرة على المدن الأفغانية. ولعل أهمهم الرجل الثاني في الحركة وهو عبد الغني برادر ويُطلق عليه العقل المدبر لطالبان نظرا لعلاقاته المتشابكة مع دبلوماسيين وأجهزة مخابرات عابرة للقارات. وهو أحد مؤسسي حركة طالبان مع الملا عمر وتزوج ابنته وقاتل إلى جانبه السوفيات. وكان يتحكم في الأموال وتمويل الحركة وجميع هجماتها وأنشطتها. وقد تم اعتقاله  في 2010 من قبل ضباط من المخابرات الأمريكية والباكستانية بكراتشي. وكان إطلاق سراحه عام 2018 بمثابة اللّغز، حيث استطاع الأمريكيون على ما يبدو أن يديروا معه حوارا طيلة فترة سجنه. وهو ما يفسر تدخل واشنطن لإطلاق سراحه من سجن باكستان، عن طريق المبعوث الأمريكي الخاص للمصالحة الأفغانية زلماي خليل زاد، الذي روّج لكونه يستطيع أن يلعب دورًا إيجابيًا في مفاوضات السلام.   وصدرت في حقه عقوبات من مجلس الأمن تضمنت تجميد الأموال، وحظر السفر والأسلحة، ومع ذلك تم تعيينه رئيسا لمكتب طالبان في العاصمة القطرية الدوحة ويتنقل ويسافر بحرية؛ وهو بالمناسبة مايزال حتى الساعات الماضية مقيما فيها. وقاد المفاوضات مع الأمريكيين من الدوحة، ومنها أيضا قاد محادثات السلام مع الحكومة الأفغانية. كما أعاد العلاقة مع إيران بعد أن ظلت خصمًا لطالبان على مدى عقود، حيث زار إيران مطلع العام الجاري مع بدء الولايات المتحدة الترتيب لخروج قواتها من أفغانستان. وقد دخلت طهران على الخط وعرضت التوسط في المحادثات المتعثرة في قطر بين طالبان والحكومة الأفغانية بعد أن علمت أن الأمريكان تفاوضوا على البقاء في قاعدة بجرام الجوية بعد انسحاب قواتهم من بقية افغانستان لتكون بمثابة التهديد لإيران والصين وروسيا. ويمسك الملا برادر صدارة الجهاز السياسي وفي يديه خيوط اللعبة يمررها بين واشنطن والدوحة وطهران وكأنه يدير فاصلا بين شوطين ملغومين. اللعبة الآن لم تنته وبدأ للتوّ شوطها الثاني مع دق طالبان طبول الحرب وزحفها على المدن الأفغانية بينما على الطرف الثاني من العالم بدأت اجتماعات دول الناتو لبحث خطة بديلة على وجه السرعة ولا ندري إلى أين تقود خيوطها؛ وهل تصنع ساعة جديدة فيما طالبان تستمر تمتلك وقتها؟! olfa@aucegypt.edu