الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

بعد سيطرة طالبان.. كيف تطورت مفاهيم الجماعات الإسلامية المتطرفة؟

طالبان
طالبان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

سيطرت حركة طالبان الأفغانية على عاصمة البلاد كابول بعد ساعات من هروب الرئيس خارج البلاد، فيما ستسعى وفق التوقعات لإعادة تشكيل حكومة إسلامية، وهو ما يذهبون إليه منذ تأسيسها في العام 1994.

تستعرض "البوابة نيوز" في السطور التالية تطور مفاهيم الحكومة الإسلامية وتطبيق الشريعة التي نادت بها الجماعات الإسلامية المتطرفة منذ البدايات.

وبرزت تيارات إسلامية نتيجة اصطدام البلاد العربية والإسلامية بالحداثة الغربية الوافدة مع الاستعمار، فإلى مصر جاءت الحملة الفرنسية 1798م، وفي الهند أعلنت بريطانيا سيطرتها الكاملة 1858م، ما أسهم في خلق ردة فعل إسلامية متنوعة، منها من حاول التوفيق بين أصول الإسلام وأصول هذه الحداثة مثل رفاعة الطهطاوي والإمام محمد عبده، حيث عابا الجمود والتقليد والوقوف بالشريعة والإسلام موقف المتعثر المتخبط، في حين رأى تيار آخر أن الأزمة تكمن في ضياع الإسلام، وفي ضرورة استعادته كدرع يحمي الهوية.

وهذه الاستعادة المقصودة، تعني استرجاع نسخة من إسلام القرون الأولى، وهو ما أطلق عليه "إسلام السلف"، إضافة إلى أنه لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال الحكومة الإسلامية المعروفة بـ"الخلافة".

وفي الفصل الرابع من كتابه “مفهوم الشريعة بين تسييس الإسلام وتحريره” يشرح الدكتور علي مبروك، أستاذ الفلسفة المصري، المراحل المبكرة لتهيئة الأفكار نحو تسييس الإسلام وإقامة خصومة مع الحداثة الأوربية وتبني مواقف تتسم بالعنف والتعصب، وبعد تطواف طويل من “مبروك” لتاريخ التشريع الإسلامي ورصده للصراع القائم بين فكرة اعتبار التشريع مجموعة من الأصول والقواعد والمقاصد الكلية يتغير على إثرها مجموعة الأحكام الإجرائية، وبين فكرة اعتبار التشريع مجموعة من الأحكام والنصوص الحرفية، ففي اللحظة التي نجد فيها من يأخذ موقفًا منفتحًا من الشريعة نجد في المقابل من يعمل على تحجيمها داخل الفهم الظاهري للنصوص مع وقف معناها على الأحكام الإجرائية الجزئية.

الأفغاني.. الخروج من محنة الهند

ويستهل “مبروك” الفصل بدور أزمة الإسلام في الهند التي شكلت محركًا أساسيًا لميلاد الأفكار التي كانت بمثابة عمق خطاب الجماعات الجهادية والمتطرفة فيما بعد، ومن رحم تلك الأزمة خرج الشيخ جمال الدين الأفغاني، حيث شهدت بيئة الإسلام الهندي انفتاحًا من قبل حكامه تجاه التعدد الديني والعرقي في البلاد ليحترموا شعائر الأديان المختلفة مثل ذبح الأبقار مرورا باستعمالهم في المناصب القيادية، لكنه ومع سقوط الإسلام في الهند مع المحتل البريطاني فإن البعض اعتبرها دار حرب في إشارة واضحة لتهييج مبدأ الجهاد في الإسلام، ليستفيد الأفغاني من تلك الحالة ويربط بين أزمة السقوط وأزمة الخلافة فيدعوا للجامعة الإسلامية التي من شأنها إقامة الدين، حيث جعل من العقيدة بديلا عن الجنسية الوطنية الحديثة، فكان ذلك بداية لفكرة سيتم تمريرها مثل أفكار أخرى إلى جماعات الإسلام السياسي.

رشيد رضا.. تلميذ منقلب

وتأثر الشيخ رشيد رضا بأفكار الأفغاني والتي ترى السياسة شرط في الإصلاح، إلى جانب تفاعله مع المد الوهابي في الحجاز، بالإضافة لأثر سقوط الخلافة في تركيا، ويتبنى “رضا” مواقف الدفاع عن فكرة الخلافة فيما يسميها “الإمامة العظمى”، ويدخل في صراع مع الشيخ علي عبد الرازق الذي أصدر كتاب “الإسلام وأصول الحكم” عام 1925، والذي اعتبر الخلافة مجرد سياسة، فكان رد “رضا” الذي يحمل رؤيته الواضحة والمتعصبة تجاه الأمر، أن اعتبار الخلافة مجرد سياسة يعد: “بدعة شيطانية لم تخطر في بال سني ولا شيعي ولا خارجي ولا جهمي ولا معتزلي، بل لم تخطر حتى على بال الزنادقة”.

وفي خضم الخصومة القائمة بين عبد الرازق ورشيد رضا بشأن الخلافة، يلحظ “مبروك” أن وقوف “رضا” إلى جانب الخلافة كأصل من أصول الإسلام، هو تحول وانقلاب على الموقف السني، الذي يرى الإمامة من الفروع، بينما يجعلها الموقف الشيعي من الأصول كالنبوة، فهنا يتحول الموقف السني على يد رشيد رضا إلى جعل الخلافة أصل، وهو ما يتوافق مع الشيعة في حين أن هؤلاء الذين يتبنون رؤية شديدة القرب من الشيعة يقفون موقف العداء والتعصب ضد الشيعة.

ويرى “مبروك” أن عبد الرازق قد أفاض في الحجاج على دعوى مدنية الخلافة التي افتتح فيها القول كل من محمد عبده والكواكبي، وهما بما فعلاه يتواصلا مع ما استقر عليه التقليد السني من اعتبار الخلافة من قبل المصالح الدنيوية.

إن رشيد رضا الذي استفاد من فكر الأفغاني في تسييس الإسلام، ركز على الجانب الإجرائي للشريعة أي جانب الأحكام الجزئية مبتعدا عن جانب الأصول والمقاصد في الشريعة، كما ركز على الاستنباط الفقهي من السنة مباشرة تماشيًا مع قول الشافعي “إذا صح الحديث فهو مذهبي”، ووفق دراسة “مبروك” فإن الرجل أعاد اكتشاف ابن تيمية وقدمه في مصر ليستفيد منه على ناحيتين: الأولى، التأصيل القائم على السنة. والثانية، الانفصال القاطع للهوية الإسلامية عما حولها.

حسن البنا.. ذروة التأسيس

وتأتي مرحلة الشيخ حسن البنا، الذي تتلمذ على يد الشيخ رشيد رضا، ليعتبر هو ذروة التأسيس للإسلام السياسي وحركات الجهاد والتطرف في العالم، لأنه استفاد من أطروحات “رضا” ومن كل الأفكار المنثورة هنا وهناك ليجمعها في فكر منتظم تعمل عليه جماعة معينة .

قطب والمودودي.. أساتذة الجهاد الحركي

أدى سيد قطب دورا كبيرا في تاريخ الحركات الجهادية المتطرفة، فقد وصل بأفكار حسن البنا إلى منتهاها، فبسط القول في شمولية الإسلام، وطور مفهوم الحاكمية الذي تلقاه من أبي الأعلى المودودي، وفي الوقت ذاته لم يفصل “قطب” بين تصوره هو كصاحب رؤية للإسلام، بل نسبه إلى طبيعة الإسلام ذاته، بما يعني أنه لا يميز بين الإسلام وبين تصوره، ويمتد هذا الأمر ليشمل جيل ما بعد قطب من الحركيين والجهاديين، سوف يتبنى عل نحو كامل إلغاء المسافة التأويلية بين الإسلام وتصوره، حيث لا يقدر أحدهم أن ينهي قوله بـ”الله أعلم” لأنه لا ينطق بهذا التعبير إلا من يصدر عن رأي نفسه وليس عن الله.

وفي موقفه الرافض للحداثة الغربية، يتجه قطب للترويج لفكرة أن الإسلام قد سبق كل ما قدمته أوربا في مجال الحكم والإدارة، فيكون الأجدر هو إتباع الإسلام وليس النظر للحداثة الأوربية.

ومع “شمولية الإسلام” توالدت فكرة الإصرار على إلصاق صفة إسلامي بكل ممارسة إنسانية، وهذا بدوره إنما ينطوي على ضرورة أن يكون ما ينبغي النظر إليه على أنه من قبيل المباح موضوعًا لحكم ديني “وجوبا أو حظرا” فهو يحول كل شيء في الوجود لموضع سؤال من قبل الحكم الفقهي، ومن ناحية أخرى نجد أن إطلاق صفة إسلامية على ممارسة سياسية معينة لابد أن يؤول بلا إسلامية نقيضها.

الهند مجددا

تلعب الهند مرة أخرى دورا في أفكار الجماعات الحركية مجددا مع أبي الأعلى المودودي، الذي يؤصل لفكرة أن الحكم جزء من الإيمان بإلوهية الله، ومن ثم يؤل معنى كلمة “الدين” في القرآن على أنها تعني الحكم والإمارة، وعن “إخلاص الدين لله” يرى أنها تعني ألا يسلم المرء لأحد من دون الله بالحاكمية والحكم والإمارة، فالحاكمية عنده تحول لجزء من الإيمان بإلوهية الله.

رأى المودودي أن الله يتصرف في مجال الكون والطبيعة من خلال القوانين والسنن الكونية ويتصرف في الوقت ذاته في مجال الاجتماع والسياسة من خلال القوانين التي أنزلها الله في كتب الوحي، فهو يساوي بين المجالين من ناحية أن كلاهما يجري عليه حكم الله، وهنا يؤكد “مبروك” أن الكون قوانينه ذات وجود أنطولوجي موضوعي مستقل عن الوعي وعن أي فهم للإنسان، في حين تتأثر الأخرى بالوعي لأنها تختلف بأحوال المخاطب، لذلك تظل قوانين قابلة للتغير والتبدل، لكنه حين ساوى بين المجالين جعل الأخيرة تؤتى للبشر عن طريق فعل إنساني، متمثل في الأنبياء والرسل، فهو يدخل العامل الإنساني ليكون تسويته محض سعي إلى إسباغ القداسة على مال لا يمكن إلا أن يكون إنسانيًا بطبيعته.

مجتمع الجاهلية

يتطور مفهوم الحاكمية عند سيد قطب ليكون معه العالم بأسره عدوا لابد من إخضاعه ومحاربته، من أجل أن ترتقي جماعته المسلمة إلى حيث ينعقد لها لواء أستاذية العالم، حيث حط من خصومه إلى درك الجاهلية.

والمجتمع الجاهلي في نظر “قطب” ليس هو من ينكر وجود الله، ولكنه يجعل له ملكوت السموات ويعزله عن ملكوت الأرض فلا يطبق شريعته في نظام الحياة، فهو المجتمع الذي يعطل إلوهية الله في الأرض، فيكون مسلمين ولكن بدون حكومة إسلامية ويرضون عن البدع، والجاهلية تنشأ عن وقوف المرء عند الإقرار بتوحيد الربوبية وحده، فإنه ثمة إلحاح عند كل أصحاب هذه النظرية في التوحيد، أن الكفار من أهل الجاهلية لم يكونوا على زمن النبي منكرين للتوحيد بالكلية، فهم يؤمنون بنوع واحد غير كاف لإدخالهم الإسلام، يحتاج معه لتوحيد إلوهية، وهو ما استفادته الجماعات من المد الوهابي الذي انتشر في الحجاز، وتجاوز عبر رجاله إلى مصر.

والمرء إما أن يكون مسلمًا فيكون دمه حراما، أو يكون كافرا من أهل الجاهلية، ولابد من دحره والقضاء عليه، ووصف المسلم هنا ينطبق -عند هؤلاء- على أولئك الذين يدخلون في دائرة من سيجري الاصطلاح على أنها “الجماعة المسلمة” التي يقر أفرادها بتوحيد الإلوهية بكل ما ترتب عليها من مفاهيم الحاكمية والعبودية والجاهلية وغيرها من المفاهيم ذات الطبيعة التأسيسية في خطاب الجماعات الحركية المسلحة.