مع كل يوم يمر على الليبيين، تثبت الأحداث أن السطوة التي تتمتع بها الميليشيات هي العقبة الأكثر خطورة على طريق استعادة الهدوء والاستقرار وفرض هيبة الدولة وقوة القانون.
وتتجسد قوة وسيطرة الميليشيات في قدرتها على منع تنفيذ أحكام القانون بإطلاق سراح المعتقلين داخل السجون الخاضعة لها، دون أن تتمكن الحكومة من تقديم أي شيء لهؤلاء الأبرياء، المرهونين بإرادة طغمة من الإرهابيين والقتلة.
وزيرة العدل حليمة عبد الرحمن، فاجأت المجتمع الليبي بتصريحات أكدت فيها إغلاق عدد من السجون غير الخاضعة لسيطرة الدولة، بالإضافة إلى العمل على دمج وإعادة تنظيم سجون أخرى.
الوزيرة أشارت إلى أن هذه الإجراءات تأتي ضمن الخطة الموضوعة لإصلاح أحوال السجون، مشيرة إلى قرب تسليم 100 من عناصر تنظيم داعش إلى بلدانهم.
ولعل مبعث المفاجأة هو أن أحدا من أبناء الشعب الليبي في مختلف أرجاء البلاد، لم يجد شاهدا واحدا على ما أعلنته الوزيرة
رئيس اللجنة حقوق الإنسان، أحمد عبد الحكيم حمزة، عبّر عن هذا المعنى، برسالة إلى الوزيرة طالب فيها بتحدد عدد السجون التي جرى إغلاقها، ومواقعها الجغرافية، ومصير من كانوا فيها من السجناء.
الوزيرة قالت ضمن تصريحاتها، إن هناك سجون لا تخضع لأي معايير نظامية أو قانونية، لكنها لا تملك عصا سحرية لمعالجة أوضاعها، لا سيما وأن البعض منها يخضع لجماعات تحمل السلاح.
وزيرة العدل كشفت عن إجراء مفاوضات سرية بتدخل من رئيس الحكومة، حتى يتسنى إغلاق بعض هذه السجون لكنها لم توضح مع من أجريت هذه المفاوضات وما الذي تم الاتفاق على تقديمه مقابل تصفية هذه السجون.
الوزيرة شددت في معرض حديثها على ما وصفته باستمرار جهودها لإطلاق سراح المزيد من المحتجزين خارج إطار القانون، والكشف عن مصير المفقودين.
صفقة
حديث وزيرة العدل الليبية، بشأن تسليم 100 إرهابي داعشي إلى أوطانهم، وصفه الدكتور فتحي العفيفي، أستاذ الفكر الاستراتيجي بجامعة الزقازيق بأنه يحتاج إلى صفقة لتنفيذه.
وقال: "هذا الحديث يتطلب الإجابة عن عدد كبير من الأسئلة، منها مثلا: هل ستقبل الميليشيات الموجودة في ليبيا طرد هذا العدد من عناصر التنظيم المتحالف معها؟ ولماذا؟ وما مقابل صمت الميليشيات على هذه الخطوة في ظل عدم قدرة الدولة على فرض كلمتها أمام هذه الميليشيات المسلحة؟"
وأضاف: "السؤال الأكثر أهمية على الإطلاق، والمرتبط بأن معظم دول العالم، ترفض استقبال المنتمين لتنظيم داعش من حاملي جنسياتها، الأمر الذي يدفع نحو التساؤل بشأن المكان الذي سيؤوي إليه هؤلاء الدواعش المطرودين من ليبيا؟ وهل سيتوقف العدد عند هؤلاء أم هناك دفعات أخرى؟".
أتوقع إذا تمت هذه العملية، أن يجري ترحيل هؤلاء الدواعش، إلى المعسكرات الموجودة في سوريا، ومنها يتم نقلهم إلى أفغانستان، التي يجري إعدادها حاليا لتكون موطنا للدواعش، وغيرهم من العناصر الإرهابية الخطيرة، المطاردة عالميا.
وأشار إلى أن الصمت الدولي إزاء ما يجري في أفغانستان من تقدم خطير لحركة طالبان، يدل على اتفاق دولي يسمح للحركة بالسيطرة على الدولة، مقابل إيواء العناصر الإرهابية، التي أطلق عليها يوما ما الذئاب المنفردة، بحيث تكون تحت السيطرة الأمنية والاستخبارية، ويسهل توجيههم كشوكة في حلق كل من يحاول الخروج على رغبات القوى الدولية الكبرى.
وشهدت الأسابيع الأخيرة في ليبيا، نشاطا عسكريا مكثفا، للمليشيات التي تريد كل منها تعزيز نفوذها، حتى تضمن أن يكون لها دور مؤثر في مستقبل البلاد، وإزاء ذلك وقعت اشتباكات استخدمت فيها جميع أنواع الأسلحة، في عدد من المدن الليبية، أبرزها العاصمة طرابلس، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من المدنيين العزل.
هذه الاشتباكات، أدت إلى تصاعد الانتقادات لحكومة الوحدة الوطنية في البلاد، بشأن صمتها على وجود هذه الميليشيات، بل وتخصيص مبالغ من ميزانية الدولة لنفقاتها، وتجاهلها في الوقت ذاته، المطالب المتكررة للجنة العسكرية المشتركة، "5+5"، بتفكيك الميليشيات.
تصاعد الضغوط على الحكومة دفعها للكشف عن خطة لدمج الميليشيات في أجهزة الدولة الأمنية، وهو ما أثار جدلا جديدا، بين مؤيدين لهذه الخطوة باعتبارها ستجبر المليشيات على الانصياع لسلطة الدولة، وبين معارضين يرون هذه الخطوة دليل على ضعف الحكومة، وعدم قدرتها على اتخاذ قرار بتفكيك الميليشيات، ولجوئها بالتالي إلى دمجها في الأجهزة الأمنية، من باب شرعنة وجودها، وهو ما يخالف اتفاق جنيف الذي نص على بدء عملية حصر، وتصنيف المجموعات، والكيانات المسلحة بجميع مسمياتها، ومن ثم إعداد موقف عنها من حيث قادتها وعدد أفرادها وتسليحها وأماكن وجودها، تمهيدا لتفكيكها.
رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، عقد اجتماعًا مع لجنة متابعة وتنظيم الميليشيات المسماة بالقوات المساندة، برئاسة محمد شابون، وبحضور رئيس أركان حكومة السراج السابقة غير الشرعية محمد الحداد، ووزير الدولة لشئون مجلس الوزراء عادل جمعة.
وبحسب المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة، عرضت اللجنة خلال الاجتماع برنامج عملها لاستيعاب ما أسموها "القوات المساندة" في مؤسسات الدولة، العسكرية والشرطية، والمدنية والذي لا يقتصر على منطقة دون غيرها.
اللجنة عرضت أيضا على الدبيبة نتائج استبيان أجري على 11 ألف شخص من المستهدفين في جميع مناطق ليبيا، التي تم فيها حصر بياناتهم ورغباتهم ومقدراتهم، ومدى اتفاقها مع هذه الرغبات، وفق المنشور.
وفي سياق متصل، التقى الدبيبة بمقر ديوان وزارة الدفاع، عددا من أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة، للتباحث في عمل اللجنة والدور الذي تلعبه في عدد من الملفات.
رئيس الحكومة استمع إلى الصعوبات والعوائق التي تواجه عمل اللجنة في عدد من الملفات الذي أعطى بها تعليماته لوزارة الدفاع لوضع الحلول اللازمة لها، وكذلك خطة اللجنة بعد استكمال فتح الطريق والخطوات المزمع تنفيذها من قبلهم.
مواقف مريبة
ونعود للدكتور فتحي العفيفي، أستاذ الفكر الاستراتيجي، بجامعة الزقازيق، الذي قال إن هذه المعلومات تؤكد التكهنات التي تتحدث عن صفقات تعقد حاليا، لإنهاء أزمة الميليشيات في ليبيا، خاصة أن الجميع أصبحوا غير راغبين في وجود هذه المليشيات، مضيفا: "قد لا تظهر نتائج هذه الصفقات فورا، ويجري تأجيلها لحين إجراء الانتخابات الليبية، لضمان تأثير الميليشيات عليها، لكن في النهاية لن تبقى ليبيا كما كانت، مرتعا للعناصر الإرهابية والمرتزقة من كل صنف.
وشدد العفيفي، على وجود محاولات من تنظيم الإخوان الإرهابي، للاستفادة من شرعنة المليشيات المسلحة، وضمها إلى الأجهزة الأمنية، في ظل ما تحمله هذه المليشيات من ولاء للجماعة.
وقال: "شرعنة الميليشيات، يسمح للجماعة ببسط نفوذها على الأجهزة الأمنية الليبية، ما يعني أن الحكومة الدائمة ستجد نفسها مضطرة لقبول وجود الجماعة، حتى لا تصاب أجهزة الأمن بالشلل، أو تفكيكها.
وأشار العفيفي إلى أن موقف الحكومة الليبية من دمج الميليشيات مثير للريبة، في ظل اتخاذها قرارا بالاستعانة بشركة حراسات خاصة تركية الجنسية، لتأمين المرافق والمنشآت التابعة لشركة الكهرباء.
وأشار العفيفي، أيضا، إلى أن هذا القرار بقدر ما يشير إلى التخبط في القرارات الحكومية، يمثل أيضا اعتراف بفشل السلطة الانتقالية في الاضطلاع بأهم أدوارها على الإطلاق، وهو حفظ الأمن.
وذكرت الشركة العامة للكهرباء، أن الاتفاق الذي أبرم مع شركة النداء الأول التركية، بحضور سفير أنقرة في ليبيا، كنعان يلماز، يستهدف تأمين وحراسة الشركات المنفذة لمشروعي محطتي كهرباء غرب طرابلس، ومصراتة.
وأضاف العفيفي: "المثير للدهشة، هو أن وزارة الداخلية بحكومة الدبيبة، لم توضح السر وراء لجوئها إلى إبرام هذا الاتفاق، وعدم إسناد هذه المهمة لعناصرها، على الرغم مما تحصل عليه من مبالغ طائلة، تخصصها الميزانية العامة للدولة، لجيش من المنتسبين للداخلية، فضلا عن عناصر الميليشيات التي قبلت الوزارة انضواءهم تحت لوائها".