في جلسة جمعت بيني بعض الأصدقاء: العزيز لينين الرملي والفنان التشكيلى وجيه وهبة وبعض المثقفين وأحد الاطباء - الذي لن أذكر اسمه - وذلك في منزل الصحفي الكندي والضابط السابق في الجيش المصري عادل اسكندر، تواصل بيننا الحديث حتى وصل بنا الكلام إلى جهاز "فاست سي" الذي أعلن الجيش المصري عن أنه جهاز يشخص فيروس "سي" وفيروس الإيدز وأيّة فيروسات أخرى، وفوجئنا جميعاً بالدكتور يقفز من على مقعده ويكيل الاتهامات لهذا الجهاز وطبيب الجيش المحترم الذي شرح هذا الجهاز، وقد تكلم بحدة وهو يصطنع الضحك ويستهزئ بمقولة الدكتور إن الفيروس سيصبح حمضاً أمينيّاً يتخلص منه الجسم مثل صباع الكفتة، وقال إن الدكتور لم يكن موفّقاً في هذا التشبيه، لأن الشعب يقول "الشيء ده كفتة" أي بلا قيمة، وقد أسرف في شرح أن الجهاز كان يجب أن يمر بمراحل قبل الإعلان عنه، وأن يحصل على موافقات كثيرة أهمها موافقة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وقال أحد الخبثاء: "وإسرائيل كمان"، وضحكنا.
ولأن الدكتور كانت تبدو على ملامحه الغيرة الشديدة، فقد كان يدافع - أمام كل الموجودين الذين وقفوا إلى جانب هذا الإعجاز العلمي والإنجاز التقني - كالغريق الذي يحاول التعلق بقشّة في الماء ويضرب بأذرعته الماء في كل اتجاه محاولاً النجاة غير حاسب أن هذه الضربات تعجّل بغرقه، ثم قال أحد الموجودين: يا دكتور هو جهاز "سي فاست" يقدر يكتشف الفيروس وإلا لأ؟، فرد الدكتور: "نعم"، وأطنب في الحقائق العلمية التي تؤكد أن الجهاز يستطيع في دقيقة - أو أقل من دقيقة - أن يبين الإصابة من عدمها، فرد عليه قائلا: "نحن نعرف أن كمية من يصابون بفيروس سي كل عام حوالي 150 ألف مريض - سواء بنقل الدم أو الحقن أو عيادات الأسنان - فالكشف المبكر عن تلوث الأكياس أو الحقن أو أجهزة دكتور الأسنان تقلل من كمية من يصابون سنويّاً ويضافون إلى من يعانون فعلاً، فامتقع وجهه وقال: "نعم"، وعاد الى الحديث عن جهاز "سي سي دي"، وقال: "لم تجر التجارب الكافية على العلاج حتى نستطيع أن نطمئن إلى النتيجة، وهذا ليس من العلم في شيء، لأن الجيش ليس مكاناً لإجراء الأبحاث الطبية"، فردّ المضيف عادل اسكندر قائلا: "بل هو مؤسسة تعنى بكل فروع العلم ولها ابتكارات عديدة واختراعات لا يعلن عنها وذلك للصالح العام"، وزاد على ذلك بأن الجيش الأمريكي هو أكبر مؤسسة للاختراع في الولايات المتحدة الأمريكية، وأنه يبحث في كل دروب العلم لأنه الجهة التي تستطيع أن تمول الأبحاث والتطبيقات العلمية لهذه الأبحاث - مثل الموبايل الذي في يدك واللاب توب والكومبيوتر والانترنت الذي بدأ كوسيلة للاتصال بين الخماسي المشهور بالبنتاجون، أي فروع القوات المسلحة الأمريكية الخمسة - وأيضا أهم وحدة لأبحاث أمراض المناطق الحارة هي وحدة "الناميرو" في مستشفى حميات العباسية، والتي تتبع البحرية الأمريكية وتعمل تحت إشرافها الكامل.
سكت الطبيب واكتست ملامحه بالإحباط، ودلت حركات جسده على انسحابه من الجلسة، واستمرت الآراء والنقاشات والفخر بهذا الإنجاز الذي حققته هذه المؤسسة حتى لقد اعتبره البعض الثورة الثالثة - أي ثورة الفيروسات - واقترح البعض أن هذا الجهاز الذي لا يحتاج إلى دم المريض أو إلى عينة من كبده، ولا يستغرق في اكتشاف الفيروس أكثر من دقائق معدودات، يمكن أن يساهم في نهضة سياحية كبيرة، واقترح البعض تدريب بعض الفرق على استعمال الجهاز وسفرها إلى الدول الإفريقية حتى نستعيد الروابط الصحيحة بأن تعود مصر من أهم الدول في إفريقيا كما كانت من قبل.
ولأن المقدم رجب علي استدعاني - وأنا في السنة النهائية من كلية التربية الموسيقية - لتوزيع بعض المارشات، ولأن قائد الموسيقات العسكرية كان يزمع إنشاء فرقة لعزف موسيقى الجاز، لأنها أصلا موسيقى إفريقية ولا يجب إهمالها، كانت السنة - التي كنت أذهب فيها لحضور البروفات - من أمتع سنين حياتي، فالانضباط الشديد يسعد الإنسان والفوضى تضر بصحته وصحته النفسية أيضا.
أخيرا، إللي مالوش خير في جيشه......، وقفة احترام وإجلال لجيشنا العظيم ولكل من يسانده من المدنيين.