من يلعب ضد من؟، رصاص غادر يصطاد رجال الأمن لتروي دماؤهم ظلام الأسفلت، جراكن بنزين تسفح كل يوم على أعقاب السجائر المشتعلة، من الفاعل السري؟، وصلات ردح يومية - عبر فضائيات لا حصر لها - واتهامات متبادلة بالعمالة والخيانة والكفر، من الذى يملك مُحرك البث؟، راقصة قبيحة تسرف في الوقاحة والخلاعة وترقص إلى جوار علم مصر وتحت صور عروض القوات المسلحة، من الذى سمح لها بالإساءة إلى قيمة مصر عبر فضائية تمتلكها وتشغلها دون ضابط؟!.
مظاهرات، اعتصامات واحتجاجات لا حصر لها - بسبب ودون سبب، بحق وبباطل - وشغب الإخوان يضرب التعليم في مقتل، من المُخرج المحترف لذلك المشهد؟، ومن الذي ما زال يحرك جموع البلطجية إلى مواقع الفتن؟، ومن يدفع الأولتراس إلى تبديل الهتاف للفريق الرياضي أو للوطن إلى شتيمة؟.
عطّار أفّاق يخترق مؤسسة كبرى ليتخذها منبراً للإعلان عن اختراع عبقري لعلاج أمراض قاتلة، ويطل الرجل مرتدياً سترة الوطنية فيسيء إلى المؤسسة، ويتحول الأمر إلى فضيحة، من المدبّر ولِمَ؟ وكيف اخترق سياج الوطن بإفكه؟، وكيف حاكمه مستشار الرئيس العلمي علناً؟، وكيف سكتت مؤسسات الدولة على هذا العبث؟!.
رخاوة ممتدة من أعلى الوطن إلى أسفله، تخوين متناثر بين النخبة والقاعدة وبين النخبويين وأنفسهم، الكل يُستفتى في السياسة فيفتي، وعلى أعتاب الدولة الجديدة نتقدم كسيحين بنصف عكاز ونظارة بلا عدسات، نخطو على سلالم منكسرة فلا نعلم إن كان ذلك صعوداً أم هبوطاً.
الشيطان يسكن في بيتنا، بين أضلعنا وتحت مضاجعنا، في الظلام يتحرك كقط غادر يسرق الفرحة من عيون البسطاء، يحوّل الثورة إلى "عورة" والحرية إلى فوضى، وشعاع الشمس إلى نار لافحة.
إنه أبو لهب - الذي ما تبت يداه بعد، والذي أغناه ماله وما كسب، ولم تمسه الثورة بلهب - يتسلطن على عرش مصر من خلف أستار، يحذرنا نزار قباني منه قائلاً:
"كل الكلاب موظفون، ويأكلون ويسكرون على حساب أبي لهب
لا قمحة في الأرض تنبت دون رأي أبي لهب
لا سجن يفتح دون رأي أبي لهب
لا رأس يُقطَع دون أمر أبي لهب
لا طفل يولد عندنا إلا وزارت أمّه - يوماً - فراش أبي لهب".
ما زال أبو لهب يتآمر على هذا الوطن، ينفث سمومه ويصب حقده ويفتعل الأزمات ويرعى مزابل القبح كي تعلو وتتسع، إنه كل لاعب في نخبتنا السياسية، يلعب من أجل مصالحه ومكاسبه ومظهره و"برستيجه" وأسرته وصورته، لا من أجل الوطن.