عرفت د.لويس عوض في الأهرام عندما كنت معيدًا بكلية الألسن قبل سفري لفرنسا بفضل أخيه د.رمسيس عوض أستاذ الأدب الإنجليزي بالكلية. وكان لويس عوض قد استقر بباريس في أحد فنادق الحي اللاتيني المتواضعة بعد أن احتدم خلافه الفكري مع تصاعد المد الإسلامي عصر الرئيس أنور السادات ومع لغط شديد تم حول إشرافه على رسالة جامعية للسيدة جيهان السادات أشار إليها مؤخرا الناقد السينمائي الكبير مجدي الطيب وآخرون. وبدا وكأنه في منفي يشبه منفي فيكتور هوجو بسبب خلافه مع نظام نابليون الثالث.
كان لويس عوض متجهما مهموما وسرنا معا حتى مسرح "لا اوشيت" القريب من الفندق لمشاهدة عرض مسرحية "المغنية الصلعاء" ليوچين اونيسكو التي يعرضها المسرح ولا يعرض غيرها من خمسين عاما تبدل على أدوارها الممثلون ولم يتبدل الديكور. أصبح بعدها لويس عوض مرحا وقال ونحن نتناول العشاء أن "الأسلمة الحالية للحياة الفكرية لمصر ستجعل منها مغنية صلعاء ولن تعود مصر تغسل شعرها الجميل على ترعة الفنون إذا صح اقتباس شعر الأبنودي". كان لويس عوض مفتونا بباريس ويعرف مسارحها وتاريخها خصوصا فترة أثناء وبعد الثورة الفرنسية وبدا ذلك واضحا في سلسلة مقالات بالأهرام تحت عنوان "الجبابرة". وعند هجوم التيارات الدينية على توفيق الحكيم بسبب مقالاته "حديث مع الله" بنفس الجريدة أصيب لويس عوض باكتئاب وقال "إن لم يواءم الحكيم مقالاته لتساير "حالة الدروشة الجماعية" فسيضطر للعودة لباريس.
وجاء الهجوم الشرس على كتابه الرائع "مدخل في فقه اللغة" الذي منع في مصر بسبب اتهام النقاد له إسلاميين وغير إسلاميين بالتجريح في القرآن الكريم. وكان حزن لويس عوض من هجوم يساريين كثيرين على كتابه أكثر من هجوم التيارات الإسلامية. وكان ذلك بداية تحول ديني في مصر لم نر وقتئذ حجمه ومخاطره.
كنت استعد للسفر إلى جامعة مدينة اكس آن بروڤانس بجنوب فرنسا التي أسس قسم الدراسات العربية فيها طه حسين وچاك بيرك في الخمسينيات وأصبح هذا القسم مشهورا على مستوى أوروبا ويعمل به الراحل الكبير تلميذ طه حسين د.أنور لوقا وكان في عز ترجمته الشهيرة لكتاب الطهطاوي "تخليص الابريز في تلخيص باريس" ومكسيم رودنسون صاحب سيرة "حياة محمد" المثيرة للجدل وبرونو ايتيان أول من أشار إلى خطر المد الإسلامي في النواحي الفرنسية وصاحب سيرة شهيرة للأمير عبد القادر الجزائري وشارل ڤيال صاحب قاموس العامية المصرية ودراساته عن يحيى حقي. والتقيت بلويس عوض للمرة الأخيرة بمقهي السوربون وكان بيده أقصوصة مقال ومظروف بريدي ما يعني أن أحدهم أرسله إليه وكان المقال هجوما شرسا على لويس عوض وكتابه من قبل أحد من كانوا رموزا للانفتاح الفكري في الستينيات. نظر إلى مبتسما ابتسامة الأسي. تركته وأنا أفكر في عبارة چان كوكتو التي وردت في كتابه"معلش" الذي أصدره بعد زيارته لمصر عام ١٩٤٩ "في مصر هناك من يطلقون لحاهم تدينا، وهناك من ليسوا في حاجة إلى ذلك لأن لحاهم طويلة داخل رؤوسهم".