السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الأولمبياد المصري.. علم غائب وتخصص مفقود

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

"لماذا نفشل في الدورات الأولمبية بينما ينجح الآخرون؟.. لماذا لا نحظي بشرف الصعود إلى منصات التتويج سوي مرات تُعد دائمًا علي أصابع اليد الواحدة؟.. ما الذي يميز أكثر من ستين دولة تفوقت علينا في قائمة الميداليات النهائية".. تلك في العادة هي نفس الأسئلة التي تعودنا على أن نطلقها عقب انتهاء كل دورة أولمبية نشارك فيها، ورغم مرور ما يقرب من 110 عام على أول مشاركة مصرية، إلا أننا حتي الأن لم نجد إجابة مقنعة لتلك الأسئلة المنطقية، لماذا نفشل بينما ينجح الآخرون؟.

الرياضة علم قبل أن تكون ممارسة وتدريبات، وهذا العلم له من التخصصات المختلفة، والتي قد تختلف في الأداء والأسلوب والوظيفة، لذا نعتقد أن القائمين على تلك الرياضة في مصر يجهلون هذا المبدأ العام، وإلا ما تعرضوا للفشل تلو الآخر طيلة مشاركات مصر في 23 دورة، بدءًا من أول مشاركة في دورة "ستوكهولم" في عام 1912، كأول وأقدم دولة عربية وإفريقية تشارك في الأولمبياد، حتي إنها لم تتمكن من الحصول سوى علي 38 ميدالية أولمبية فقط، بينهم 8 ميداليات ذهبية، وهو رقم ضئيل جدا لدولة في حجم مصر، ولا يساوي 34% مما حققه بطل السباحة الأمريكي "مايكل فيلبس"، والذي حقق 23 ميدالية ذهبية في أربع مشاركات فقط، بالإضافة إلي ثلاثة فضيات وبرونزيتين.

نظرة سريعة على قائمة الميداليات النهائية لدورة الألعاب الأولمبية "طوكيو 2020" ستجعلنا ندرك جيدا حجم المأساة التي تعيشها الرياضة المصرية، فمصر تلك الدولة الرائدة في المجال الرياضي والتي حققت المركز الـ15 عالميا في دورة العاب أمستردام 1928، والمركز الـ17 في دورة برلين 1936، خرجت من طوكيو 2020 بذهبية وفضية وثلاثة برونزيات فقط، لتأتي في المركز الـ53 عالميًا، وقد سبقتها في الجدول دول أصغر وأفقر مساحة وسكانًا وتاريخًا، أولها كوبا التي جاءت في المركز الـ14، وكينيا في المركز الـ19، وجامايكا في المركز الـ21، وإيران في المركز الـ27، وتايوان في المركز الـ34، وأوغندة في المركز الـ38 عالميًا، وغيرهم من الدول التي سبقتنا.

منذ ما يقرب من سبعة عقود، وتحديدا حتى دورة لندن عام 1948، كان يسبقنا في جدول الميداليات الدول العظمى فقط، وأغلبهم كان من القارة الاوروبية بالإضافة للولايات المتحدة الامريكية واليابان، اليوم وبعد أن تطور الجميع إلا نحن، فيسبقنا في جدول الميداليات 60 دولة، الكثير منها دول ظهرت علي السطح منذ اربعون عامًا، ويشاركون دائمًا ببعثات تساوي رُبع البعثة المصرية، فمن يقول أن دول مثل "كوبا- كينيا- جامايكا- إيران- أوزباكستان- تايوان- أوغندة- الإكوادور- قطر- الباهاما- فنزويلا- جنوب افريقيا- الهند- الفلبين"، تسبقنا في القائمة النهائية لجدول الميداليات، وهي للعلم دول أكثر فقرًا من مصر، سواء كانت فقرًا ماديًا، أو فقرًا بشريًا.

"علم غائب.. وتخصص مفقود".. تلك هي المشكلة، فالمتابعة الدقيقة لحالة البعثات المصرية في الدورات الأولمبية ستجعلك تدرك جيدًا حجم افتقادنا لأهم عوامل النجاح واستمراريته، واعتقد علم اليقين أنه حتي القائمين علي الرياضة في مصر لا يدركون ما هي تلك العوامل، فأغلبهم لا يعترف بأهمية العلم في صناعة بطل أولمبي، والأكثر من ذلك أنهم لا يعترفون حتي بالتخصص القادر علي صناعة ميداليات أولمبية، لذا ينفقون مئات الملايين علي كره القدم رغم إنها تُحقق ميدالية أولمبية واحدة، ويتركون الفُتات لأكثر من 28 لعبة يمكن أن نحقق من خلالهم مئات الميداليات، فلا هي صنعت لاعبًا قويا، ولا هي حققت شيئا في تطور اللعبة.

دورة الألعاب الأوليمبية ليست مجرد دورة رياضية ترفيهية، ولكنها في واقع الأمر محفل عالمي، يسعي الجميع من خلاله لاظهار مدي تطور بلاده وتقدمه العلمي والتكنولوجي في صناعة بطل رياضي، ذلك البطل الذي لا يحتاج الي قوة تدريب، بقدر ما إنه يحتاج الي تقنية تمكنه من تحقيق رقم يفوق منافسية ولو بجزء صغير من الثانية، تقنية تجعله ينافس العداء الكيني "كورير إيمانويل كيبكوري"، والذي تمكن بفارق 0.18 من الثانية عن مواطنة "روتش فيرجسون تشيريوت"، من الفوز بالميدالية الذهبية في سباق 800 متر رجال، وبفارق 0.34 جزء من الثانية عن البولندي "دوبك باتريك"، الذي حصل علي برونزية السباق، هنا مكمن القوة والقدرة لدي الدولة التي تحقق ذلك، دولة قادرة علي صناعة بطل خارق في صورة إنسان، بطل قادر علي إقتناص ميدالية بفارق أجزاء قليلة من الثانية، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا بالعلم والتكنولوجيا.

"دورة الفيمتوثانية والزيروسكند.. والعلم الغائب".. هكذا يمكن وصف دورة الألعاب الأولمبية طوكيو 2020، فقد كانت طيلة أيامها القليلة دورة الأمتار الأخيرة والأجزاء القليلة من الثانية، ولدي مصر ميدالية فضية حققها البطل أحمد الجندي في الأمتار الأخيرة في لعبة الخماسي الحديث، وهي أحد أصعب الألعاب التي تضم خمسة ألعاب دفعة واحده، وذلك حينما تمكن من تحقيق ريمونتادا عالمية ليقفز من المركز الثالث عشر إلي المركز الثاني، ليحقق 1477 نقطة، وبفارق خمسة نقاط عن صاحب المركز الأول، وبسبعة نقاد عن صاحب المركز الثالث، في حين خسر صاحب المركز الرابع الميدالية البرونزية بفارق 4 نقاط فقط.

في دورة طوكيو شاركت 207 دولة، تنافسوا جميعًا علي 1080 ميدالية أولمبية، تمكنت 93 دولة فقط من الحصول علي ميدالية، لم تحصل علي الذهب الذي يصل إلي 340 ميدالية ذهبية سوي 63 دولة فقط، استحوذت أول عشرة دول علي 203 ميدالية ذهبية بواقع 60% من الميداليات، كما أظهرت الدورة التفاوت العلمي والتكنولوجي لقارات العالم الخمس، فجاءت أبطال قارة أوروبا في المركز الأول برصيد 504 ميدالية، بمعدل 46.8%، في حين جاءت ابطال قارة أسيا في المركز الثاني برصيد 328 ميدالية، بواقع 30.3%، ثم أبطال قارة أسيا في المركز الثالث برصيد 175 ميدالية، بنسبة وصلت إلي 16.2%، تاركين أبطال قارتي أفريقيا وأمريكا الجنوبية في المركزين الرابع والخامس علي الترتيب، بمدل وصل إبي 3.4% و3.3% فقط.

"التخصص الغائب".. طيلة 23 دولة شاركت فيها مصر في الدورات الأولمبية، لم تنجح في الحصول سوي علي 38 ميدالية أولمبية تضعها في المركز الـ60 عالميًا، وذلك في تسعة ألعاب رياضية، 14 ميدالية منهم في رفع الأثقال، و8 ميداليات في المصارعة، و4 ميداليات في الملاكمة، أي أن مصر حققت 26 ميدالية في ثلاثة ألعاب فقط، بمعدل 68.5% من مُجمل الميداليات، وطيلة أكثر من 110 عام لم يفهم مسئولي الرياضة في مصر أن النجاح في حصد الميداليات يأتي في إدراكنا لمدي تفوقنا في بعض اللعبات الرياضية، وأن الإهتمام بتلك التخصصات يمكن أن يجعلنا في كل دورة ضمن أهم عشرة دول في جدول الميداليات في كل دورة.

للأسف جميع دول العالم أدركت تلك الملاحظة، أدركت أنها بالتخصص يمكن أن تجد لها موقعا ضمن عالم الكبار، فعلي سبيل المثال هناك في قارتنا الافريقية ثلاثة دول استطاعت أن تسبقنا بالتخصص، أول تلك الدول كينيا التي تشارك منذ دورة طوكيو 1964، أي بعد مصر بحوالي أكثر من نصف قرن، ومع ذلك تمكنت من حصد 113 ميدالية، أي ثلاثة أضعاف ميداليات مصر، تمكنت بهم من إحتلال المركز الـ34 عالميًا، والغريبة أن 106 ميدالية منهم تحققت في لعبة رياضية واحدة فقط، وهي ألعاب القوي، ما جعل كينيا تأتي في المركز السادس عالميًا كأكثر الدول فوزًا في ألعاب القوي، في حين حققت 7 ميداليات في الملاكمة، ما يؤكد أهمية التخصص وإدارك نقاط التفوق لدي رياضييها.

في المركز الثاني جاءت دولة جنوب أفريقيا، والتي حُرمت من الاشتراك في الألعاب الأولمبية طيلة 24 عام، من دورة 1964 حتي دورة 1988، ورغم ذلك تمكنت من حصد 89 ميدالية في 11 لعبة، مكنتهم من الحصول علي المركز الـ38 عالميًا، وكان لألعاب القوي الرصيد الأكبر بواقع 28 ميدالية، وضعتهم في المركز الـ25 عالميًا، تلتها السباحة برصيد 23 ميدالية، وضعتهم في المركز الـ14 عالميًا، ثم الملاكمة برصيد 19 ميدالية، وضعتهم في المركز الـ12 عالميًا، ما يعني أنها حققت 70 ميدالية بنسبة 79% في ثلاثة ألعاب فقط، حتي إثيوبيا فقد تمكنت من حصد 58 ميدالية أولمبية منذ دورة ميلبورن 1956، جميعهم في ألعاب القوي، وضعتهم في المركز العاشر ضمن الأكثر فوزًا في الأولمبياد في رياضة ألعاب القوي.

 

"التخصص الرياضي".. كانت تلك هي الملاحظة التي فطنت اليها اغلب دول العالم، حتي الدول الأكثر فقرًا، فطنت الي تلك الملاحظة، فتمكنت دولة "كوبا" من الحصول علي 241 ميدالية في 15 لعبة، وضعتهم في المركز الـ18 عالميًا، بينهم 184 ميدالية في أربعة ألعاب فقط، بمعدل 77%، فقد حققت 78 ميدالية في الملاكمة، وضعتهم في المركز الثاني عالميًا، و44 ميدالية في ألعاب القوي، وضعتهم في المركز الـ20 عالميًا، و26 ميدالية في المصارعة، وضعتهم في المركز الـ12 عالميًا، بالإضافة إلي 36 ميدالية في لعبة الجودو، وضعتهم في المركز الخامس عالميًا، أما دولة "جامايكا" فقد تمكنت ببعثاتها القليلة من تحقيق 87 ميدالية مكنتهم من الوصول إلي المركز 39 في جدول الميداليات، ولكنها حققت 86 ميدالية منهم في لعبة واحدة فقط وهي رياضة ألعاب القوي، لتُصبح في المركز الثامن عالميًا كأكثر دول العالم حصولا علي الميداليات في رياضة العاب القوي أولمبيًا، حتي "إيران" هي الأخري، فقد تمكنت من الحصول علي 76 ميدالية وضعتهم في المركز الـ40 في جدول الميداليات التاريخي، بينهم 66 ميدالية بواقع 89% في لعبتين فقط، حيث حققت في المصارعة 47 ميدالية وضعتهم في المركز 11 عالميًا، و20 ميدالية في الأثقال وضعتهم في المركز الخامس عالميا.

 

حتي القوى العظمى هي الأخرى فطنت إلي أهمية التخصص الرياضي، فالولايات المتحدة الأمريكية رغم إنها الأكثر حصولًا علي الميداليات الأولمبية، وذلك برصيد 2636 ميدالية في 36 لعبة مختلفة، إلا أن 78% من ميدالياتها، أي حوالي 2058 ميدالية، حققتها في سبعة ألعاب فقط، حيث حققت في ألعاب القوي 828 ميدالية، وضعتهم في المركز الأول، وفي السباحة حققت 609 ميدالية، وضعتهم في المركز الأول، وفي المصارعة حققت 133 ميدالية، وضعتهم في المركز الثاني، والغطس حققت 138 ميدالية، وضعتهم في المركز الأول، وفي الجمباز حققت 120 ميدالية، وضعتهم في المركز الثاني، وفي الرماية حققت 116 ميدالية، وضعتهم في المركز الأول، وفي الملاكمة حققت 114 ميدالية، وضعتهم في المركز الأول.

 

علينا بالتجربة الصينية، ذلك ما يجب أن ننصح به في نهاية رؤية حقيقية للنهوض بالأولمبياد المصري، فالصين الشعبية دولة حديثة العهد بالدورات الأولمبية، فأول مشاركتها جاءت 1984، أي إنها شاركت في 10 دورات فقط، ولكنها تمكنت من حصد الميداليات التي جعلتها تصل إلي المركز الرابع في جدول الميداليات التاريخي برصيد 634 ميدالية، وذلك في في 29 لعبة مختلفة، ولكنها إتبعت نظامًا من التخصص الرياضي، مكنتها من حصد 470 ميدالية في ثمانية ألعاب فقط، بواقع 75% من كل الميداليات، حيث حققت في الغطس 81 ميدالية، وضعتهم في المركز الثاني عالميا، وفي الجمباز حققت 73 ميدالية، وضعتهم في المركز الرابع، وفي الرماية حققت 67 ميدالية، وضعتهم في المركز الثاني، وفي رفع الاثقال 62 ميدالية، وضعتهم في المركز الثاني، وفي تنس الطاولة حققت 54 ميدالية، وضعتهم في المركز الأول، كما حققت في السباحة 49 ميدالية، وضعتهم في المركز الثامن، وفي تنس الريشة حققت 47 ميدالية، وضعتهم في المركز الأول، وأخيرًا حققت في العاب القوي 37 ميدالية متنوعة.

 

الحقيقة التي لا يجب إغفالها علي الإطلاق، إنه من المستحيل أن تشارك بعثه قوامها 134 لاعبة ولاعبة، بالإضافة إلي 20 لاعبًا إحتياطيًا، وتكون المحصلة 6 ميداليات بالمصادفة البحته وبجود شخصي من اللاعب نفسه، في الوقت التي تتنفق فيه مئات الملايين علي ألعاب لا تحقق سوي ميدالية واحدة، متناسين أن هناك ألعاب يمكن أن يحقق اللاعب الواحد فيها أكثر من 10 ميداليات، فطيلة التاريخ الأولمبي تم توزيع ما يقرب من 16747 ميدالية علي لاعبي العالم، كان لأبطال ألعاب القوي الريادة بالحصول علي 3065، بواقع 18.3% من الميداليات الموزعة، تليها في المركز الثاني السباحة والتي حصل أبطالها علي 1852 ميدالية، بواقع 11% من الميداليات، ثم المصارعة 1290 ميدالية، بواقع 7.7%، والجمباز 1018 ميدالية، بواقع 6.1%، والملاكمة 952 ميدالية، بواقع 5.7%، والرماية 862 ميدالية بواقع 5.1%، والتجديف 809 ميدالية، بواقع 4.8%، ثم الدراجات 774 ميدالية، والكانوي 726 ميدالية، والشيش 667 ميدالية، والأثقال 680، والجودو 607 ميدالية، والإبحار 559 ميدالية، والفروسية 448 ميدالية، والغطس  400 ميدالية.